استقالة مقرر محكمة الحريري.. وعاشوري تؤكد لـ «الشرق الأوسط» أن المدعي العام ليست لديه نية للاستقالة

الناطقة باسم المدعي العام: بلمار لا يحدد مهلة لإصدار لوائح الاتهام كي لا يعطي أي إشارات تحذر المجرمين

TT

بعد أقل من خمسة أشهر على توليه منصبه كمقرر للمحكمة الخاصة بلبنان، قدم ديفيد تولبرت استقالته من منصبه أمس، في خطوة أثارت مخاوف من استمرار «رحيل» مسؤولين كبار في المحكمة التي أنشئت لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، بعد أن أعلن رئيس قسم التحقيقات نيك كالداس مغادرة منصبه الأسبوع الماضي. ومنذ افتتاح عمل المحكمة ذات الطابع الدولي في الأول من مارس (آذار) الماضي، التي تتخذ من لايدشندام، إحدى ضواحي لاهاي، مقرا لها، غادرها مقررها الأول البريطاني روبن فنسنت، ثم المسؤولة الإعلامية والناطقة الرسمية باسمها سوزان خان، وأحد قضاتها الـ11 هوارد موريسون، والأسبوع الماضي كالداس وبالأمس تولبرت. وعلى الرغم من أن المحكمة تؤكد أن أسباب الاستقالات «طبيعية وشخصية»، فإن البعض قد بدأ يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه «الموضة» ستطال المدعي العام دانيال بلمار الذي لم يقدم بعد أي لوائح اتهام على الرغم من مرور نحو 5 سنوات على بدء التحقيق الدولي باغتيال الحريري. إلا أن الناطقة باسم بلمار، راضية عاشوري، أكدت لـ«الشرق الأوسط» أمس أن بلمار ليس بوارد الاستقالة، وقالت: «يمكنني أن أؤكد أن السيد بلمار ليست لديه نية (الاستقالة). هو ملتزم بشكل كلي أداء مهمته وهو حريص بشدة على أن يراها تنجز». وأضافت تعليقا على عدم إعلان بلمار لوائح الاتهام بعد، ورفضه تحديد مهلة زمنية لذلك: «السيد بلمار رفض تحديد مهلة زمنية لإصدار لوائح الاتهام لأن عمل مكتبه سري بشكل كبير، ولا يريد أن يعطي أي إشارات يمكن أن تعتبر تحذيرات للمجرمين، ولأنه حريص على أن يبني قضية مدعومة بالأدلة الضرورية التي يمكن أن تصمد بوجه التدقيق القانوني». وأضافت: «نحن واثقون بأن المحكمة يمكنها أن تستقطب أشخاصا على مستوى عال من المهنية ليحلوا مكان المسؤولين الذين يغادرون». كما نفت عاشوري أن يكون لهذه الاستقالات أثر على عمل بلمار، وخصوصا مغادرة كالداس رئيس قسم التحقيقات الذي رفض تجديد عقده الذي وقعه لمدة عام، وينتهي نهاية فبراير (شباط)، وقالت: «من يناير (كانون الثاني) وحتى فبراير، لدى المدعي العام متسع من الوقت لكي يختار شخصا يخلف كالداس، وفي هذا الوقت سيتم تعيين عضو كبير في قسم التحقيقات لأداء وظيفة رئيس القسم». وشددت على أن عمل المدعي العام «لن يتأثر أبدا»، ولكنها أضافت أنه سيتم افتقاد كالداس وتولبرت على المستوى المهني. وبعد استقالة فنسنت، المقرر الأول للمحكمة، سادت شكوك بأن استقالته مرتبطة بعدم اتفاقه مع المدعي العام، وهو ما ينفيه مكتب بلمار. وردا على سؤال حول احتمال وجود خلافات بين تولبرت وبلمار دفعت الأول للاستقالة، نفت عاشوري الأمر أيضا وقالت إن بلمار عبر في بيان أمس تعليقا على استقالة المقرر، عن «تقديره الكبير لتولبرت على الصعيدين المهني والشخصي كصديق». ورفضت عاشوري ربط بعض الاستقالات ببعض، وقالت إنها في أسوا الحالات «سلسلة صدف». وكانت المحكمة الخاصة بلبنان قد أصدرت بيانا أمس أعلنت فيه استقالة تولبرت من مهامه في 26 أغسطس (آب) الماضي لتولي منصب آخر في نيويورك. وقالت الناطقة الرسمية باسم المحكمة فاطمة العيساوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «استقالة تولبرت قرار شخصي له علاقة بحصوله على منصب رفيع المستوى في منظمة بارزة في مجال حقوق الإنسان، وهذا الأمر يتيح له العودة إلى بلاده وإلى أحضان عائلته».

وأضافت: «هو اعتبر هذه فرصة تغني وتتوج مسيرته المهنية ووافق عليها». ونفت العيساوي أيضا أن يكون هناك ارتباط بين الاستقالات المتتالية، وأي أبعاد أخرى، وقالت إن «الاستقالات أمر طبيعي في كل المؤسسات القضائية العدلية الدولية المحلية، وهو مرتبك بقرارات شخصية يأخذها الأفراد لها علاقة بمسار حياتهم الشخصية». وأضافت: «ليس أول رئيس قلم يستقيل وليس آخر رئيس قلم يستقيل.. في المحاكم الدولية هناك استقالات تحصل باستمرار لأسباب متنوعة، واستقالة تولبرت هي فقط قرار شخصي لا علاقة له بمسار عمل المحكمة أو باستمراريتها».

وجاء في بيان المحكمة أن تولبرت «قدم استقالته من المحكمة ليتولى منصب رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وهي منظمة دولية رائدة في مجال حقوق الإنسان مقرها نيويورك. وتدخل استقالة السيد تولبرت حيز النفاذ في 1 مارس (آذار) 2010»، أي في مناسبة مرور عام على انطلاق عمل المحكمة. وقال تولبرت في البيان: «أنا فخور بالتقدّم الممتاز الذي أحرزناه عبر تثبيت مسار المحكمة الخاصة بلبنان وسوف أبقى ملتزما بمهمتها على صعيد شخصي. وأكن كل الاحترام لرئيس المحكمة والمدعي العام ورئيس مكتب الدفاع وكذلك لسائر زملائي في المحكمة الخاصة، وأتطلع إلى دعم عملهم البارز في المستقبل. في الوقت نفسه، سوف يتيح لي منصبي الجديد متابعة حياتي المهنية في بلادي بعد أن قضيت عدة سنوات في الخارج». وأشار البيان إلى أنه خلال تولي تولبرت منصبه، «تطور قلم المحكمة الخاصة بلبنان ليصبح جهازا إداريا قويا عاملا على أكمل وجه ومستعدا لدعم الأنشطة القضائية للمحكمة بفعالية وكفاءة، وقد تم إقرار ميزانية المحكمة لعام 2010 وجُمعَت الأموال إلى حد كبير. أما أعمال البناء في قاعة المحكمة فسوف تُنجز بحلول موعد مغادرة رئيس القلم. وتم وضع البنية التحتية لدعم الأنشطة القضائية ولا سيما مسائل بالغة الأهمية كآليات حماية الشهود ونظام إدارة المحكمة». وأضاف أن رئيس المحكمة الخاصة بلبنان، القاضي أنطونيو كاسيزي، «شدد على مساهمة السيد تولبرت» في عمل المحكمة. أما المدعي العام فقال: «شرفني العمل مع شخص محترف كديفيد تولبرت. انضم السيد تولبرت إلى فريق المحكمة الخاصة بلبنان وهو يتمتع بخبرة واسعة في المجالات القانونية كافة ولا سيما تلك المتعلقة بعمل المحكمة. أشعر بالأسف الشديد لمغادرته المحكمة وسوف أفتقده كزميل وصديق. وعندي ثقة كاملة بأن المجتمع الدولي سوف يستفيد من التزامه وتفانيه في تعزيز سيادة القانون في كل أنحاء العالم أثناء توليه منصبه على رأس إحدى أبرز المنظمات غير الحكومية الدولية المتخصصة في مجال العدالة». كذلك جاء في تصريح لرئيس مكتب الدفاع في المحكمة الخاصة بلبنان، فرنسوا رو: «لن تفتقد المحكمة ديفيد تولبرت كرئيس قلم كفء ومحترف فحسب، بل ستفتقده كذلك على المستوى الشخصي». وأضاف رو: «على المحكمة أن تشعر بالفخر لحصول أحد كبار مسؤوليها على هذه الفرصة المميزة».