اللواء ريفي لـ «الشرق الأوسط»: لبنان ليس مكشوفا أمنيا ولا ساحة سائبة

المعلومات الاستخبارية تدحض تقارير حول «تدفق عشرات الإرهابيين إليه»

TT

عادت الملفات الأمنية في لبنان لتسابق الملفات والاستحقاقات السياسية المتراكمة، التي تشكل تحديا كبيرا لحكومة سعد الحريري، في ظل ضخ كم هائل من المعلومات التي تتخوف من أجواء أمنية ملبّدة وخطيرة تحضّر للبنان، وتحذّر من تحويل الساحة اللبنانية الضعيفة المناعة في الأيام والأشهر المقبلة إلى مسرح للجماعات الأصولية المتطرفة المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة.

ونشر تقارير في صحف لبنانية وعربية عن تدفق العشرات من قادة وكوادر ومقاتلي هذه التنظيمات من باكستان ودول عربية وأجنبية إلى لبنان، وانتشارهم في المخيمات الفلسطينية في الجنوب والشمال ومحيطها، والاستعداد لتنفيذ عمليات أمنية تستهدف الجيش اللبناني، وقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، وإطلاق صواريخ من الجنوب على شمال فلسطين، ما يوفّر لإسرائيل الذرائع الكافية لشنّ عدوان عسكري واسع على لبنان تتهيّأ له الدولة العبرية منذ أن فشلت في تحقيق أهدافها في لبنان في حرب يوليو (تموز) 2006.

وبغض النظر عن مدى صدقيّة هذه المعلومات أو عدمها فإن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تهمل أيا منها أو من التقارير ذات الصلة بالجماعات الإرهابية، ولا تمرّ عليها مرور الكرام، ولا تسقط للوهلة الأولى من حسابها إمكانية جديتها إلا بعد التأكد من صحّتها ومصادرها، غير أن المحصّلة الأولى للتحريات والاستقصاءات التي أجرتها الأجهزة الاستخبارية في لبنان كشفت أن الروايات التي سربت للإعلام لا ترتكز على حقائق ووقائع ثابتة، وأن معظم تلك المعلومات هي إما محض استنتاج وتحليلات، وإما مستندة إلى تقارير جهات يهمها ضخ هذه الروايات المغلوطة، وتصوير الأمن اللبناني سائبا ومكشوفا على كل الأخطار.

وفي هذا الإطار أوضح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التقارير لا أساس لها من الصحة، وأن التحريات التي أجريت بشأنها أظهرت أنها لا تفتقر إلى الدقة فحسب، بل إلى الموضوعية والصدق، وهي تخالف الواقع القائم على الأرض».

وأكد ريفي أن «الأمن في لبنان ليس مكشوفا، والساحة اللبنانية ليست سائبة للمخلّين بأمنه، وان الوضع الأمني يعرف مزيدا من الاستقرار، وهذا ما توفره الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تقوم بدورها وواجبها على أكمل وجه»، مشيرا إلى أنه «لا صحة لما يروّج عن دخول مقاتلين عرب ومن جنسيات خليجية بصفة سيّاح»، معتبرا أن «مثل هذه الإشاعات لا تسيء إلى الإخوة الخليجيين بقدر ما تؤذي لبنان ووجهه الحضاري والسياحي والاقتصادي».

ويلتقي موقف مدير عام الأمن الداخلي مع تأكيد مرجع أمني لبناني آخر لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع الأمني في لبنان غير مقلق على الإطلاق، وأن ثمة مبالغات كبرى في التقارير التي دأبت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية على نشرها في الآونة الأخيرة عن تسلل مقاتلين من (القاعدة) إلى لبنان، من دون تنبه السلطات الأمنية المختصة لهذه الظاهرة المزعومة».

وقال المرجع الأمني ذاته: «يستحيل توافد هذه الأعداد التي يجري تداولها سواء كانوا عربا أو أجانب والانتشار داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها من دون أي رقابة». وأشار إلى أن «ثمة تعاونا قويا بين الأجهزة اللبنانية والفصائل الفلسطينية للحؤول دون دخول عناصر كهذه أو مجموعات مخرّبة واتخاذ المخيمات ملاذا آمنا لها»، مذكرا أن «السلطات الأمنية اللبنانية لديها إحصاءات شبه دقيقة بعدد الأشخاص المطلوبين داخل المخيمات، لا سيما في مخيم عين الحلوة، وهي تتقصى معلومات يومية إما من الفصائل المتعاونة مع الدولة اللبنانية وإما عبر مخبرين عن أي عنصر جديد يدخل هذه المخيمات».

وكشف المرجع الأمني عن «تنسيق يتخطى حدود لبنان بين الأجهزة اللبنانية وأجهزة أمنية في دول عربية وغربية، غالبا ما يمكّن لبنان من اعتقال مطلوبين أو مشتبه بهم لدى وصولهم إلى مطار بيروت الدولي أو عبر المداخل البرية والبحرية، كما أن معلومات يقدمها لبنان لدول أخرى تساعد هذه الدول في توقيف مطلوبين يشكلون مصدر خطر على هذه الدول».

وتوقف المرجع الأمني عند ما يروّج بين الحين والآخر وبشكل متعمّد عن إقامة عدد من السياح العرب والأجانب في لبنان، والتحذير من خطرهم، وإثارة مزاعم عن انتمائهم إلى تنظيمات متطرفة، فأكد أن «هؤلاء ليسوا مصدر خطر، وهم في بلدهم الثاني، ويقيمون في منازلهم، والدولة اللبنانية لديها المعلومات الدقيقة عن أماكن وجودهم، وهي حريصة على أمنهم بقدر حرصها على أمن مواطنيها». ولفت إلى أنه «إلى جانب الجهد المنصبّ على مسألة حفظ الأمن الداخلي، فإن الاهتمام الأمني ينصبّ على مسألتين: الأولى مكافحة شبكات التجسس الإسرائيلية وقطع الطريق عليها كي لا يسمح لها بتوفير مساعدة لتهديدات العدو المتزايدة للبنان. والثانية مواجهة خطر الشبكات الإرهابية التي تنمو وتكبر في ساحات الاضطرابات القائمة في بعض دول المنطقة»، جازما «أن لبنان لن يكون ساحة أو أرضا خصبة للإرهابيين». وذكر أن لبنان «عايش تجربة تصدير الإرهاب إلى أرضه، واستطاع الانتصار عليها عندما أجهز على تنظيم «فتح الإسلام»، وهو مستمر اليوم في اجتثاث بقايا هذا التنظيم في أكثر من منطقة. وإذا كان الثمن الذي دفعه غاليا فإن تلك التضحيات أقل كلفة من خسارة الوطن».

في المقابل أوضحت مصادر قضائية أن القضاء اللبناني «لم يتبلّغ من الأجهزة الأمنية ولا من بعثات أمنية أجنبية أو سفارات عربية أو غربية أية تقارير أو برقيات عن دخول شبكات متطرفة إلى لبنان»، مشيرة إلى أن القضاء «يكلّف الأجهزة المختصة التحقق من كل تقرير أو معلومة ترد في هذا الخصوص أو تنشر في وسائل الإعلام، حتى لا يكون ثمة ثغرة أو هفوة ينفذ منها مثل هؤلاء الأشخاص». وأعلن أن القوى الأمنية اللبنانية «استطاعت إحباط الكثير من العمليات الخطيرة التي كانت قيد الإعداد والتحضير، وهذا ما يطمئن إلى قدرتها على القيام بدورها، خصوصا في ظل الاستقرار السياسي الذي يوفّر لها أرضية مريحة للعمل على ضبط الوضع والانصراف إلى مهمتها الأساسية في حماية الأمن والاستقرار».