النكتة الأولى: سؤال:
* ماذا يفعل اليهودي عندما ينظر إلى منفضة؟ - جواب: يكون يتفرج على ألبوم الصور العائلية.
النكتة الثانية: سؤال:
* لكَم من اليهود تتسع سيارة فولكس فاغن الألمانية؟ جواب: - خمسمائة وخمسة يهود. سؤال * كيف؟ جواب: - خمسة أشخاص على المقاعد وخمسمائة داخل المنفضة.
النكتة الثالثة: وقف مئات المواطنين في قرية نائية في روسيا، أيام الاتحاد السوفياتي الشيوعي، في طابور طويل أمام حانوت لبيع اللحوم، بعد أن انتشر خبر يقول إن كمية جديدة من اللحوم وصلت بعد طول غياب. وبعد ساعة من الانتظار، خرج البائع وقال معتذرا: يؤسفني إبلاغكم بأن كمية اللحوم لدينا لا تكفي لتوزيعها عليكم أجمعين، لذلك عليكم أن تتنازلوا عن بعض المنتظرين في الطابور، وأقترح أن يترك الطابور اليهود منكم. فانسحب اليهود من الطابور وعادوا إلى بيوتهم. وبعد ساعة أخرى، عاد البائع مرة أخرى وقال: أعتذر مرة أخرى، فالكمية الموجودة من اللحوم لا تكفي، وهناك حاجة إلى أن ينسحب المزيد منكم، وأنا أقترح أن ينسحب هذه المرة المواطنون الذين لا ينتمون إلى حزبنا الشيوعي. فانسحبوا. وبعد ساعة، خرج يقول إن عليهم أن يخففوا عددهم أكثر، واقترح أن يترك الطابور الشيوعيون الذين انضموا إلى الحزب خلال السنوات العشر الأخيرة. وبعد ساعة، خرج ليعلن أسفه، لأنه لا توجد لحوم. وهنا صاحت إحدى النساء الباقيات في الطابور: اليهود الملاعين، كل مرة يكون التمييز في صالحهم.
النكتة الرابعة: سؤال:
* لماذا يسافر كل هذا العدد الضخم من اليهود إلى أوشفيتس (معسكر الإبادة النازي الذي أبيد فيه نحو 1.5 مليون يهودي).
* جواب: لأن السفر مجاني.
* هذه أربع من مئات وربما ألوف النكات التي اشتهرت في أوروبا في العقود الماضية وبعضها أو مثيلاتها تتردد حتى اليوم هناك. والكاتب الصحافي اليساري، أوري أفنيري، رئيس «كتلة السلام»، يضيف نكتة خامسة «حديثة» كان قد سمعها بعد حرب 1967، فيقول: «في خضم حرب الأيام الستة، التقى أحد الهنغاريين - اليهود من أصل هنغاري – صديقه، فسأله: (لماذا تبدو يائسا هكذا؟)، فأجابه صديقه: (سمعت بأن الإسرائيليين قد أسقطوا اليوم ثلاث طائرات ميغ من صنع سوفييتي!). في اليوم التالي، بدا الصديق أكثر يأسا فقال: (سمعت بأن الإسرائيليين قد أسقطوا اليوم ثماني طائرات ميغ!). في اليوم الثالث، كان الصديق مقطب الوجه، فسأله صديقه: (ماذا حدث؟ ألم يسقط الإسرائيليون اليوم أية طائرة؟)، فأجابه الرجل: (لقد أسقطوا، ولكني سمعت اليوم بأن الإسرائيليين هم من اليهود!).
النكات عموما ظاهرة صحية، عندما يطلقها الناس على أنفسهم أو على مظاهر معينة في حياتهم. لكنها عندما تطلق بهدف السخرية من مجموعة معينة أو شعب معين أو طائفة معينة، فلا تعود نكاتا، بل قد تبدو حكايات مقززة للنفس البشرية وللأخلاق الإنسانية. ومع ذلك، فقد كان في الإمكان تحملها لو أن الأمر اقتصر فقط على النكات. ففي حالة اليهود في أوروبا، كانت هذه الحكايات جزءا من موجات تحريض منهجية استمرت أكثر من ألفي عام، وتفاقمت بشكل خطير إلى عنصرية شاملة ضد اليهود واعتداءات عليهم، وتنفيذ مذابح عدة في صفوفهم، وحتى صعود النازية الألمانية وإقدامها على حرب الإبادة الجماعية لليهود. وحسب قادة الحركة الصهيونية، فإن هذه الممارسات هي التي دفعت بالصهيونية إلى النشوء والتطور، ووضع هدف الاستيطان في فلسطين، منذ نهاية القرن التاسع عشر.
وما زالت الصهيونية حتى اليوم، ومن بعدها قيادة الدولة العبرية، ترفع لواء محاربة اللا سامية بوصفها خطرا على أمن إسرائيل واليهود في العالم.
وهي مصرة على استخدام كلمة اللا سامية، مع العلم بأن العرب هم أيضا ساميون، ولكنها - أي إسرائيل - تتهمهم أيضا باللا سامية، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون مفهوما أو مقبولا.
فما حقيقة اللا سامية؟ هل هي فعلا ظاهرة قائمة؟ وإذا كانت ضد اليهود فقط، فلماذا لا تسمى «اللا – يهودية»؟ وإذا كانت ضد الساميين، فلماذا لا يسمى اليهود «لا ساميين» وهم يمارسون الاحتلال، في عصر زوال الاحتلال، إزاء الشعب الفلسطيني؟ وما موقف العرب الحقيقي من مطاردات اليهود في أوروبا؟ وهل منفذو هذه الاعتداءات اليوم هم من العرب فعلا؟
* الكلمة والتاريخ
* اللا سامية، تعبير استخدمه لأول مرة الصحافي الألماني ويلهالم مار في سنة 1879، وبه وصف الحركات العنصرية التي قامت منذ بداية ذلك القرن في أوروبا ضد اليهود. كل من التقيناه من المفكرين اليهود يؤكد أن استخدام «اللا سامية» غير دقيق، «لأن هناك ساميين آخرين من غير اليهود»، فالسامية تطلق على الشعوب السامية الأخرى، وبينها العرب واليهود والفرس والآشوريون وغيرهم، وهم الجيل التاسع من أنسال سام بن نوح، باعتبارهم أبناء سيدنا إبراهيم الخليل، فاليهود أبناء اسحق والعرب أبناء إسماعيل.
ومن هنا، فإن اللا سامية هي وصف للمعادين ليس لليهود فحسب، بل للعرب أيضا. ولكن الصحافي الألماني الذي أطلق التسمية، قصد اليهود وحدهم، لأنه تحدث عن الممارسات العنصرية ضد اليهود في أوروبا في بداية القرن التاسع عشر.
وحسب المؤرخ اليهودي غوستابو فردنيك، فإن هذه التسمية خاطئة، حيث إن الشعوب السامية لم تتعرض لممارسات كهذه على خلفية جماعية مثل اليهود. وهو يفضل تسمية ظاهرة العداء للسامية «يودو- فوبيا»، أي العداء لليهود. ويقول إن كاتبا يهوديا في فترة ويلهالم مار، هو ليئو فينسكر، كان قد انتبه إلى هذا الخطأ وصححه بالقول إنها «يودو – فوبيا»، وليست لا سامية.
ويفسر فردنيك هذه الظاهرة من الناحية العلمية المهنية على أنها تشمل الظواهر التالية: الكراهية العنيفة لليهود في المجالات الحياتية كلها، الطابع العالمي لهذا العداء، العناد والمثابرة في العداء، نظرة الهوس في العداء - هنا يذكر مثلا على الهوس من حياة قائد النازية الألمانية، أدولف هتلر، أنه عندما أقدم على الانتحار في خندقه قال: «لم أهزم اليهود بالكامل بعد، لذلك على الألمان أن يواصلوا النضال ضد عدونا الأبدي» - بث الكراهية بمختلف الوسائل في التربية والنكات وتعبيرات الوجه إزاء سماع كلمة يهودي، ونقل هذه الكراهية جيلا بعد جيل.
* الجذور الأولى لعداء اليهود
* الأدبيات الصهيونية التي تابعت وتتابع المعركة ضد اللا سامية تعيد هذه الظاهرة إلى ما قبل ألفي سنة، وليس فقط إلى الاعتداءات المتفاقمة في مطلع القرن التاسع عشر. ويذكر المؤرخ فردنيك أن «اللا سامية بأشكالها المتعددة والتي تسمى أيضا (الكره الكبير) دامت أكثر من ألفي سنة. وأدت هذه اللا سامية العنصرية في عهد النازية إلى إبادة اليهود، لكن الهولوكوست في حد ذاته انطلق كفكرة وكآراء شائعة عدة ورسوم كاريكاتورية، ونشر الكره تدريجيا منذ القدم. ففي أواخر العصور الميلادية أسس القادة الكاثوليك فكرة راسخة تحمل اليهود مسؤولية قتل المسيح وصلبه، فهدم الرومان الهيكل وشردوا اليهود، عقابا لهم على (انتهاكاتهم وتركهم لدينهم) حسب ما تقول المسيحية».
ويضيف: «لقد استمرت هذه النظرة الكارهة لليهود طيلة قرون، وكانت تنفجر على شكل اعتداءات متفرقة. وفي القرن العاشر والحادي عشر، تم توحيد وتعميق هذه المواقف ضد اليهود للأسباب التالية: انقسام الكنيسة إلى الكاثوليكية الرومانية في الغرب واليونانية الهيلينية (الأرثوذكسية) في الشرق سنة 1054، هدد قوتها وأشعرها بضعفها، فراحت تبحث عن عدو موحد. وزادت هذه الكراهية مع الفتوحات الإسلامية الناجحة المتتالية، ثم زادت قوة مع بناء الجيش الصليبي، وتحقيقه النجاحات في المعارك».
ويقول فردنيك: «إن اليهود حرصوا على صيانة ديانتهم وتقاليدهم والتمسك بهما، والانطواء على أنفسهم، وبذلك أصبحوا أقلية موحدة ومتعاضدة في القارة الأوروبية المسيحية. وحتى في بعض البلدان التي رحبت أحيانا باليهود، راحوا يهاجمونهم عندما أصبح الدين جزءا من الهوية ومؤثرا كبيرا في الحياة العامة والخاصة، فأصبح اليهود يحسون بعزلتهم عن بقية الشعب. لا يؤمن اليهود كبقية المسيحيين بأن المسيح هو ابن الله، فاعتبر المسيحيون رفض اليهود لألوهية عيسى تكبرا واستعلاء منهم. في تلك العصور ولمدة دامت مئات السنين، أكدت الكنيسة على تحميل اليهود مسؤولية صلب المسيح من دون إدراكها أن الرومان هم من تسببوا في قتله وصلبه، لأن بعض قادتهم رأى في المسيح تهديدا لسلطتهم. وكشعب معتزل، كان اليهود ضحية أفكار مسبقة وآراء شائعة، وقسوة بدنية، ومصادرة ممتلكاتهم. ومن بعض الآراء الشائعة ضد اليهود في ذلك العصر، هناك فكرة أخرى، هي أن اليهود يقومون بالتضحية بأطفال المسيح، واستعمال دمائهم لخدمة تقاليدهم الدينية مثل خبز (المصة)، وهي الخبز بلا خميرة الذي يأكله اليهود في عيد الفصح».
ويشير المؤرخ إلى أن هذه الأفكار وفرت عنصرا أساسيا لتأسيس الكره التركيبي «فتعمقت (اللا سامية) اللاهوتية في العصور الوسطى، وتحولت في تلك الفترة إلى مذابح ضد اليهود، نظمها الناس العاديون ودعمها القادة. وحثت تلك المذابح بسبب الإشاعات حول تضحية الأطفال. وفي أوقات متهورة، تم تحميل اليهود مسؤولية كوارث طبيعية، مثل نشر مرض (الموت الأسود)، الوباء الذي قتل ملايين الأوروبيين في القرن الرابع عشر، كعقاب من الله لـ(كفرهم) وعاداتهم الشيطانية».
* القرن التاسع عشر
* وينتقل المؤرخ فردنيك إلى المراحل اللاحقة فيما يسميه اللا سامية الجديدة، فيقول إنه بعد قرون من الكراهية، بدا أن انفراجا في حياة يهود أوروبا يحصل، حيث إنه في بداية القرن الثامن عشر في بريطانيا العظمى وفي نهاية الثورة الشيوعية في روسيا وانهيار الدولة العثمانية في البلقان، أسست البلدان الأوروبية في دساتيرها استواء الشعب في القانون، وحذف كل القيود بالنسبة إلى سكن اليهود وعملهم والآخرين من الأقليات الدينية والقومية. وفي الوقت نفسه، عانى الشعب الأوروبي بسبب التغيرات الاقتصادية الاجتماعية. وبفضل تحرر اليهود، فقد تمكنوا من العمل والعيش بين غير اليهود، ولكنهم تعرضوا لنوع جديد من «اللا سامية» السياسية والدنيوية والاجتماعية، التي تأثرت بالاقتصاد، ولو أنها اشتدت بسبب الأفكار الدينية المسبقة.
تحرر اليهود أمكنهم من امتلاك الأراضي، والعمل كموظفين والاندماج في القوات المسلحة، فاعتقد آخرون، وبخاصة هؤلاء الذين شعروا بالنقصن وبالأذى بسبب التغيرات أو كانوا غير راضين بشغلهم والحالة الاقتصادية حسب توقعاتهم، أن اليهود يقومون بأعمال محجوزة للمسيحيين. واعتقد آخرون أن هناك أعدادا كبيرة جدا من اليهود يحتكرون العمل في مهن القرن التاسع عشر، مثل: الفرع المالي والبنوك والتجارة والصناعة والطب والحقوق والصحافة والفن والموسيقى والأدب والمسرح. وزاد الطين بلة بالنسبة إليهم انهيار الاعتقالات السياسية، مما أتاح لليهود الاشتراك في الانتخابات، ومن ثم في إدارة السياسة. وعلى الرغم من أنهم شاركوا في فروع السياسة كلها، رحبت باليهود - بسبب الآراء المختلفة - أحزاب التحرر والراديكالية والماركسية.
وفي المقابل، قام الخصوم السياسيون بتبني مواقف وبرامج سياسية معادية لليهود في القارة الأوروبية. وتحولت هذه المواقف إلى «زاد وزواد» بالنسبة إلى الكثير من القوى السياسية، ورأت فيها سلاحا للديماغوجية العاطفية وجرف الأصوات. ومع تعاظم هذه القوى، ازدادت الحملات ضد اليهود وتضخمت، فصدر ما يمسى بـ«بروتوكولات زعماء صهيون» لأول مرة في روسيا سنة 1905، ثم نشرت فيما بعد في العالم، وهي بروتوكولات مزيفة مبنية على فكرة أن «اليهود يتآمرون على شعوب العالم». وتم تعميم أفكار مسبقة تعزز ما قيل في العصر القديم، وتجدد فيها بما يصلح للعهد الجديد، مثل: اليهود غير أوفياء للوطن، وحملوا الجنسية لأغراض مادية، احتكر اليهود مجالات اقتصادية عدة، مثل ملكية الأرض والخدمات المدنية والتعليم والجامعات والصناعة والتجارة والتمويل وصناعات الاتصالات، ويسيطر اليهود على الإعلام لتضليل الأمة عن مصالحها الصحيحة وثروتها. واليهود تبنوا الأفكار الديمقراطية والاجتماعية والشيوعية فيما بعد، لهدم قيم الطبقة الوسطى القومية والدينية والأملاك الخاصة. ومع التطور التقني والعلمي، وبخاصة في علم الأحياء والنفس والوراثة ونظرية النشوء في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، قام بعض المثقفين والسياسيين بتأسيس نظرية عرقية معادية لليهود. تأسست هذه الفكرة تحت ضوء نظرية عرقية للعالم، اعتمدت على عدم تكافؤ الأجناس العرقية، وتفضيل الجنس الآري على بقية الأجناس الأخرى.
الاعتقاد بأفضلية الجنس الآري دُعم من خلال العلاقات القائمة بين المستعمر الأوروبي والشعوب المستعمرة في القارة الأميركية والآسيوية والأفريقية، كذلك دعمت هذه الفكرة من خلال العلوم المزيفة، وذلك بتفنيد نظرية النشوء المعروفة تحت اسم نظرية داروين الاجتماعية. نظرية داروين الاجتماعية هذه تقول بأن الناس لا يندرجون من فصيلة واحدة، وبأنهم يصنفون إلى أجناس عرقية مختلفة، مما يجبرهم على الاقتتال من أجل البقاء. الأجناس العرقية ذات الصفات الأرفع، قادرة على خوض المعارك والفوز بها، اعتمادا على السلطة والحرب. وكانت نظرية داروين الاجتماعية تعتبر نتاجا لعلوم مزيفة، ولم توجد إلى الآن علوم تؤيد نظرية داروين على الرغم من المجهودات التي قام بها العنصريون لمدة دامت قرنا ونصف القرن. واستغل هؤلاء هذه النظرية ليس فقط لتفضيل الشعب الآري على الشعوب الأخرى، وإنما أيضا للبرهنة على أن اليهود هم من الطينة القديمة نفسها، لا يتغيرون ولا يتبدلون، وأن ذلك يعود إلى صفاتهم العرقية التي ورثوها منذ قديم الزمان.
وتوجه هؤلاء «اللا ساميون» الجدد كذلك إلى العلوم الزائفة، وتحديدا إلى عمل تحسين النسل، وأرادوا تأييد فكرة أن لليهود تأثيرا سلبيا على الشعوب سرعان ما ينتشر في أوروبا الوسطى ويضعفها، ليس فقط على المستوى السياسي والاقتصادي والإعلامي بل ويتجاوز ذلك أيضا إلى تلويث اليهود للدم الآري، عن طريق الزواج والعلاقات الجنسية مع غير اليهود. يقول «اللا ساميون» الجدد بأن قيام اليهود بالأشياء السابق ذكرها عن قصد هو من أجل إضعاف قدرة الألمان وعزيمتهم والفرنسيين والمجر، وذلك لتحقيق بقائهم وسلطتهم على العالم. وفي أواخر القرن التاسع عشر، استعمل السياسيون العنصرية التقليدية واللا سامية العرقية للفوز في الانتخابات في ألمانيا والنمسا. وفي العشرينات من القرن العشرين، ذكر أدولف هتلر في كتاباته السياسية سياسيين نمساويين الذين تأثر بهما هتلر على المستوى السياسي: جورج فون شونرر (1842 - 1921)، وكارل لوغر (1844ـ1910). شونرر أدخل «اللا سامية» العرقية في سياسة النمسا في القرن الثامن عشر من 1880 إلى 1890. وفي سنة 1897، عُين لوغر رئيس بلدية فيينا، ليس فقط من أجل مغالاته في «اللا سامية» التي استعملها كسلاح سياسي، بل أيضا من أجل موهبته في الخطابات وشعبيته، التي مكنته من نشر رسالته.
* القرن العشرون والنازية
* في خضم الأزمة الاقتصادية الكبرى في العقد الثالث من القرن العشرين، وبعد أن كانت ألمانيا تلملم جراح هزيمتها المذلة في الحرب العالمية الأولى، اعتمد هتلر على تلك المبادئ العنصرية اعتمادا أساسيا، فراح يقول إن اليهود هم سبب كل البلاء، وإن خيانتهم أدت إلى خسارة الحرب، وإنهم افتعلوا الأزمة الاقتصادية لكي يسيطروا على أوروبا. وكسب هتلر وحزبه النازي شعبية جارفة، وبعد استيلائه على السلطة زاد من خطابه العدائي لليهود، محملا إياهم كل أسباب المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعرقية التي كانت تواجه الشعب الألماني.
ثم أمر الحزب النازي الحاكم (1933 - 1938) بمقاطعة اليهود وحرق الكتب، وإعادة إحياء القوانين المضادة لليهود. وفي 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1938، هدم النازيون المعابد اليهودية ونوافذ المحلات التي يملكها اليهود في كل من النمسا وألمانيا - «ليلة الزجاج المكسور» - وكان الهدف من هذه الإجراءات هو التفرقة القانونية والاجتماعية بين اليهود والألمان والنمساويين.
* «ليلة الزجاج المكسور»
* واندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال الاتحاد السوفياتي سنة 1941، سجلت النقلة إلى حقبة من الدمار، أصبحت خلالها إبادة اليهود هدفا أساسيا للنظام النازي المعادي للسامية. ولتعليل قتلهم لليهود أمام معاونيهم في ألمانيا وأوروبا، لم يستعمل النازيون أدلة عنصرية فقط، بل استعملوا كذلك قوالب قديمة مثل «اليهود شيوعيون»، و«مغتنمو حرب»، و«يمثلون خطرا على الأمن الداخلي»، و«غير موالين لألمانيا». وهكذا، بنيت معسكرات الاعتقال ومعسكرات الإبادة في بولونيا وألمانيا وغيرهما، وتحولت العنصرية الكلامية إلى إبادة بشرية لليهود، ومعهم المعروقون الألمان أنفسهم والسلافيون وغيرهم.
* وهكذا قامت إسرائيل
* في موقع رسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، جاء أن مظاهر اللا سامية هي التي كانت السبب الأول والأساس لتأسيس الحركة الصهيونية، وبالتالي إقامة إسرائيل في سنة 1948. وجاء أيضا: «على الرغم من أن الصهيونية تعبر عن الرابطة التاريخية بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل، فإن ظهور الصهيونية المعاصرة كحركة وطنية ناشطة في القرن التاسع عشر ليس من الواضح إن كان سيتم من دون ظاهرة معاداة السامية المعاصرة، وحالة الاضطهاد المستمر طوال القرون التي تعرض لها اليهود في المهجر».
ويتابع: «هُجر اليهود خلال قرون من معظم الدول الأوروبية - ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وويلز وإسبانيا والبرتغال - والحديث عن تجربة متراكمة كان له صدى كبير وبخاصة في القرن التاسع عشر، تلك الفترة التي فقد فيها اليهود الآمال في احتمال حدوث تغيير جذري في حياتهم. هذه الأجواء كانت مصدر ظهور القادة اليهود الذين تبنوا الصهيونية نتيجة لخطورة ظاهرة معاداة السامية، التي كانت سائدة في المجتمعات المحيطة بهم».
هكذا أصبح موشيه هيس، الذي أصيب بصدمة من فرية الدم التي كانت تلفق ضد اليهود في دمشق 1844، حول دم الأطفال المستخدم في «المصة»، وأصبح مؤسس الصهيونية الاشتراكية. وليؤون بينسكير، الذي هزته المجازر ضد اليهود (1881-1882) التي أعقبت اغتيال القيصر اسكندر الثاني، تولى قيادة حركة «محبة صهيون». وثيودور هيرتزل، الصحافي في باريس، والذي تعرض بنفسه لحملة اللا - سامية التي نُظمت على خلفية قضية درايفوس/وهيرتزل، هو الذي حول الصهيونية إلى حركة سياسية.
ويتابع موقع الخارجية الإسرائيلية قائلا إنه في الحقيقة، «غالبية موجات هجرة اليهود الضخمة إلى إسرائيل في العهد المعاصر كانت بمثابة رد مباشر على أعمال القتل والتمييز التي استهدفت اليهود. كانت الهجرة الأولى ردا على المجازر في روسيا خلال ثمانينات القرن التاسع عشر. فجاءت الهجرة الثانية ردا على مجزرة كيشينيف وموجة من المذابح ضد اليهود في أوكرانيا وروسيا البيضاء في مطلع القرن العشرين. أما بالنسبة إلى الهجرة الثالثة، فجاءت عقب المذابح التي استهدفت اليهود خلال الحرب الأهلية في روسيا. الهجرة الرابعة ومصدرها بولندا، تمت خلال العشرينات من القرن الماضي على خلفية القوانين التي بادر إليها غروسكي، للحد من النشاطات الاقتصادية لليهود في بولندا. والهجرة الخامسة، كانت خلفيتها فرار اليهود من النازية في ألمانيا والنمسا».
وتضيف الخارجية الإسرائيلية: «لكن حتى بعد إقامة دولة إسرائيل عام 1948، كانت الموجات الضخمة من الهجرة إلى إسرائيل مربوطة بظاهرة التمييز والقمع التي تعرض لها اليهود: الناجون من الكارثة التي حلت باليهود في أوروبا، ولاجئون من الدول العربية فارون من الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له عقب إقامة دولة إسرائيل، وبقايا اليهود في بولندا الذين فروا من حملة المعادة للسامية في عهد غومولكا وموزكار، واليهود في روسيا ودول أخرى في الاتحاد السوفياتي سابقا الذين كانوا يخشون من حدوث موجات جديدة من اللا - سامية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي».
* الخلط بين سياسة إسرائيل وبين اليهود
* من الواضح أن هناك خلطا شديد التعقيد ما بين العداء للسياسة الإسرائيلية، وخصوصا الاحتلال للأراضي الفلسطينية وممارسات القمع هناك، وبين العداء لليهود، وهذا الخلط شامل للجميع. فكثير من الأوساط اليهودية يفسرون كل انتقاد لإسرائيل على أنه عداء لليهود، ويتحول إلى لا سامية، حتى لو كان حامله من الساميين، والكثير من الناس الذين ينتقدون أو يكرهون السياسة الإسرائيلية يتخذون موقفا عدائيا من اليهود أجمعين، مع أن هناك يهودا يعتبرون معادين للسياسة الرسمية، ومناضلين من أجل السلام والحق والعدل.
يقول الكاتب أوري أفنيري: «اللا ساميون يكرهون اليهود لمجرد كونهم يهودا، دون علاقة بأعمالهم . يكرهون اليهود لأنهم أثرياء يعيشون عيشة رغيدة، أو لأنهم فقراء يعيشون بين القاذورات. لأن البعض منهم كان يتقلد مناصب مرموقة في الثورة البلشفية. أو لأن بعضا منهم قد تحولوا إلى أثرياء على أنقاض الشيوعية. لأنهم صلبوا يسوع المسيح أو لأنهم سمموا الثقافة الغربية بواسطة (أخلاقيات الرحمة المسيحية). لأن لا وطن لهم، أو لأنهم أقاموا دولة إسرائيل. هذه هي طبيعة كل العنصريين والشوفينيين: يكرهون شخصا ما لأنه يهودي، عربي، امرأة، أسود، من الهنود الحمر، مسلم، هندوسي، بغض النظر عن جوهره الشخصي وماهية أعماله وإنجازاته. إذا كان ينتمي إلى عرق ما، أو إلى دين ما أو إلى الجنس المكروه، فإن العنصري يكرهه. من هنا، تنبثق الإجابات كلها المتعلقة باللا سامية. وهنا نأتي إلى سؤالك: هل كل من يوجه النقد إلى إسرائيل يعتبر لا ساميا؟ بالتأكيد لا. من يوجه النقد إلى إسرائيل بسبب أعمال معينة نقوم بها، فلا يجدر بنا أن نسميه لا ساميا. ولكن من يكره إسرائيل لكونها دولة اليهود، فهو لا سامي».
ويضيف: «إن الكثير من رجالات الأفكار والأخلاق البارزين ومن علية البشرية، يوجهون نقدا إلينا بسبب ما نقوم به في المناطق المحتلة. سيكون اتهامهم باللا سامية بمثابة حماقة».
ونسأل الفيلسوف بروفسور إيلان غور عن أريه، الذي ينظم في الشهر المقبل مؤتمرا خاصا في موضوع اللا سامية الحديثة، ألا تساعد حكومات إسرائيل على إثارة اللا سامية أو العداء لليهود في العالم من جراء سياستها القمعية ضد الشعب الفلسطيني وحرب غزة وقبلها لبنان وغيرها؟ فأجاب: «بلى، تساعد. ولكنها لا تتحمل وحدها مسؤولية ذلك. أنا أقول إن ممارسات إسرائيل في الحرب الأخيرة كانت حقيرة. ولكن من جهة أخرى، أي دولة في العالم كانت ستقبل أن يطلقوا على بلداتها صواريخ عمياء وتظل ساكتة؟!». وسألناه: لكن هل تقارن بين صواريخ «حماس» التي بغالبيتها بدائية تافهة وغير مؤثرة، وبين الغارات الإسرائيلية التدميرية؟ فأجاب: «نعم أقارن، ولكن ليس لأنني لا أرى الفرق بين الطرفين، بل لأنني لا أستطيع أن أطرح القضية بهذه البساطة. فهنا توجد دولة قوية مثل إسرائيل تريد أن يدفع العدو ثمنا باهظا لقاء اعتداءاته علينا، فكيف نفعل ذلك؟».
* العرب لا ساميون ؟!
* وكان من الطبيعي أن نطرح السؤال عن الغبن اللاحق بالعرب من إدخالهم في نطاق المتهمين بممارسة «اللا سامية». ولو لم يكن الأمر متعلقا بالعنصرية، والتدهور فيها إلى اعتداءات دموية، لقلنا إنه اتهام مضحك.
البروفسور إيلان يقول إنه ليس متخصصا في التاريخ العربي والإسلامي، ولكنه يستطيع قول أمرين: «الأول: أن تاريخ اليهود بين العرب شهد مراحل صعود وهبوط عدة. ففي بعض الحقب، عاشوا بالاحترام والمساواة كما هو الحال في الأندلس، وفي بعض الأحيان، اعتبروا (أهل ذمة)، فتارة تم إعفاؤهم من دفع الجزية، وتارة فرضوا عليهم ارتداء ملابس مميزة، ومنعوهم من ركوب الفرس في حضرة المسلم. والأمر الثاني: أن العرب والمسلمين، وفي أشد أيام اضطهادهم لليهود، لم يتصرفوا مثل الأوروبيين. ففي أوروبا، كانت مذابح وكانت محاولة إبادة، ولكن في العالم العربي لم نشهد هذا. وما يجري اليوم من عداء هو بسبب الصراع».
ويضيف إيلان أن «العالم العربي بالذات يفترض أن يكون أكثر المعنيين في الوقوف ضد كراهية اليهود والممارسات العدوانية ضدهم، والسبب أن هذه العنصرية ستمتد حتما إلى العرب والمسلمين، وهذا يظهر بشكل جلي اليوم في أوروبا، هذا فضلا عن أن الوقوف ضد العنصرية عموما هو ثقافة وحضارة. إنها خطوة على طريق الحرية والتقدم والازدهار الذي يتعطش إليه العالم العربي».
ويقول النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، إبراهيم صرصور: «إن طرح اللا سامية في إسرائيل أمر مستهجن لسببين، فأولا العرب ساميون، ولا يمكن أن يكونوا لا ساميين، وثانيا إذا كانت هناك اعتداءات لا سامية فعلا، فإن العرب الفلسطينيين هم أول ضحية لهذه اللا سامية. والفرق أن من ينفذ هذه السياسة ضد الساميين الفلسطينيين هم الساميون الإسرائيليون اليهود. فهم ينفذون سياسة اعتداءات عنصرية على حقوقنا وأراضينا وشعبنا العديد من قادتهم يوجهون إلينا اتهامات عنصرية جماعية، مثل الرباي عوفاديا يوسيف، أكبر زعيم لليهود المتدينين الشرقيين، الذي وصم العرب أنهم أفاع، والرباي مردخاي إلياهو، أكبر زعماء الدين لليهود الأشكيناز المتدينين، الذي حلل تصفية الفلسطينيين، والرباي دوف ليئور زعيم المتدينين في مستعمرة قريات أربع، الذي أصدر فتوى تجيز تسميم الحيوانات والمواشي التي يستخدمها الفلسطينيون». وقال: «نحن ندين كل عنصرية ضد اليهود وغيرهم، ونربأ عن أنفسنا نحن المسلمين أن نؤيد العنصرية حتى ولو جاءت من لدننا، ولكننا نتساءل: لماذا لا يحاسبون أنفسهم على هذه اللا سامية؟».
ويقول الكاتب أفنيري: «لا شك في أن مؤشرات لا سامية واضحة بدأت تتغلغل مؤخرا في الخطاب العربي. يكفي أن نذكر نشر (بروتوكولات حكماء صهيون) باللغة العربية.. إنه استيراد واضح للا سامية الأوروبية، ولكنني أشيد هنا بالمقال الذي نشره مساعد الرئيس حسني مبارك في مصر، وفيه يطرح موقفا عربيا وإنسانيا رائعا ضد هذه البروتوكولات، ومقال آخر نشره في حينه علامة مصري (يقصد سماحة المفتي الشيخ د. علي جمعة) نفى فيه أن يكون كتب مقدمة للبروتوكولات المنشورة حديثا، وقال إن البروتوكولات ما هي إلا كتاب خرافي لا أساس له من الصحة».
ويضيف أفنيري: «خلافا للتفاهات التي يتفوه بها بعض (الخبراء)، فلم تكن هناك في أي وقت من الأوقات لا سامية مسلمة منتشرة بشكل واسع كما حدث في أوروبا المسيحية. في كفاحه من أجل السلطة، حارب النبي محمد قبائل يهودية لم تقبل سلطته عليها، لذلك نرى في القرآن الكريم بعض العبارات السلبية عن اليهود. إلا أنه ليس هناك أي وجه شبه بينها وبين اللا سامية المسيحية، التي تنعكس في وصف صلب يسوع المسيح في (العهد الجديد)، وهو وصف سمّم العالم المسيحي وأحدث كوارث فظيعة. لقد كانت إسبانيا الإسلامية (الأندلس) فردوسا لليهود، ولم تحدث في أي مرة من المرات كارثة لليهود في العالم الإسلامي، لم تحدث مجازر تقريبا».
ويتابع: «لقد أمر النبي محمد بالتسامح مع (أهل الكتاب)، اليهود والنصارى. ظروف كانت أكثر ليبرالية من الظروف التي واجهها اليهود في أوروبا، فلم يفرض المسلمون دينهم بالقوة على اليهود أو المسيحيين. وإثباتا لذلك، فقد استوطن كل اليهود تقريبا، الذين طردوا من إسبانيا على يد المسيحيين، في العالم الإسلامي وانتعشوا فيه. يفترض، بعد أن يحل السلام بين إسرائيل والعالم العربي، أن تختفي ثمار اللا سامية الفجة من العالم العربي، كما ستختفي، وكلي أمل في ذلك، ثمار كراهية العرب الفجة عندنا».
* هكذا ينظر الإسرائيليون إلى اللا سامية
* في آخر استطلاع رأي حول الموضوع نشرت مؤسسة «ماركت ووتش» الإسرائيلية نتائج استطلاع رأي تحدد فيه مشاعرهم إزاء اللا سامية على النحو التالي:
في الرد على السؤال: ما الذي يخطر ببالك عندما تسمع كلمة اللا سامية، أجابوا: 21% النازية، 16% المحرقة (هولوكوست)، 13% عداء لليهود، 8% ألمانيا، 4% الكراهية المجانية، 4% العرب، 4% العنصرية.
في الرد على السؤال: هل تدرك أن اللا سامية تشكل خطرا كبيرا عليك، أجابوا: 39% نعم، 52% خطر جزئي. السؤال: هل تعتبر الانتقادات التي توجه إلى إسرائيل في العالم هي لا سامية: 49% لا، 43% نعم.
هل تضايقك النكات اللا سامية: 70% نعم، 30% لا. هل اصطدمت أنت شخصيا بأحد مظاهر اللا سامية: الكبار في السن قالوا 36% نعم، و66% قالوا لا، وأما الشباب فأجابوا: 80% لا، 19% نعم. من أين إذن تعرف عن اللا سامية: 65% تعلمنا عنها في المدارس، 35% من وسائل الإعلام الإلكترونية (تلفزيون وإنترنت)، وأضاف 19% أنهم تلقوا التثقيف عنها أيضا في البيت.
حسب تقرير نشره معهد «ستيفان روث» لدراسات اللا سامية والعنصرية المعاصرة في جامعة تل أبيب، بالتعاون مع المؤتمر اليهودي الأوروبي، جاء أنه في أول ثلاثة شهور من العام 2009 ونتيجة للحرب على قطاع غزة، زادت الاعتداءات على يهود ومؤسسات يهودية في العــــــــــــالم بشكل كبير، حيث بلغ عددهــــــــا 395 اعتداء، مع العلم بــــــأنـــــه فــــــــي سنة 2008 بطولهـــــــا وقع 559 اعتداء.
من مراجعة تفصيلية للاعتداءت التي وقعت ضد اليهود في الشهور الثلاثة المذكورة، يتضح أن أكبر عدد من الاعتداءت وقع في فرنسا (75) تليها بريطانيا 59، ثم الولايات المتحدة 54 وبلجيكا والبرازيل 20 لكل منهما، وروسيا 13. وفي العالم العربي والإسلامي مجتمعين وقع 26 اعتداء، منها 9 في تركيا و6 في إيران و6 في اليمن.