في تحذير واضح وصريح إلى المعارضة الإصلاحية التي تعتزم الخروج في مظاهرات كبيرة في فبراير (شباط) المقبل لإحياء الذكرى الـ31 للثورة الإيرانية، أعدمت إيران اثنين من المعارضين السياسيين، أدينا بمحاولة الإطاحة بالنظام الإيراني، ونددت الولايات المتحدة بشدة، أمس، بإعدام المعارضين، ووصفت تنفيذ حكم الإعدام في الرجلين بأنه «أسوأ نقطة» تصل إليها طهران في قمع المعارضة، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض بيل بيرتون للصحافيين أمس: «هذا ليس من شأنه إلا أن يؤدي إلى زيادة عزلة الحكومة الإيرانية عن العالم وعن شعبها»، وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في لندن بعد محادثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، إن هناك «تفهما متزايدا في المجتمع الدولي بوجوب أن تتحمل إيران العواقب لتجاهلها التزاماتها الدولية»، بينما لم يصل لافروف إلى حد التأييد العلني لفرض عقوبات جديدة على طهران، وقال: «من الواضح أن المرء لا يمكنه الانتظار إلى الأبد، وشركاؤنا يتحدثون بالفعل عن ضرورة مناقشة فرض مزيد من العقوبات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة»، ويأتي ذلك فيما توقع زعيم حزب اعتماد ملي الإصلاحي الإيراني مهدي كروبي، أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لن يكمل ولايته الثانية، موضحا أنه سيخرج من السلطة إما مقالا وإما بتقليص سلطاته وإما بتغيير حكومي.
وحول الإعدامات في إيران ضد المعارضين السياسيين، قالت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، إن الشخصين اللذين أعدما هما من بين 11 شخصا حكم عليهم بالإعدام بتهم من بينها «الحرابة» (محاربة الله والولي الفقيه)، ومحاولة الإطاحة بالمؤسسة الإسلامية، والانتماء إلى جماعات مسلحة، وهذان هما أول حكمين بالإعدام ينفذان فيما يتصل بحوادث تتعلق بالانتخابات، مما قد يزيد التوتر في البلاد قبل احتجاجات جديدة مناهضة للحكومة يحتمل تنظيمها الشهر المقبل، وشهدت إيران في أعقاب انتخابات الرئاسة التي أجريت في يونيو (حزيران) مسيرات ضخمة للمعارضة دفعت بالبلاد إلى أسوأ أزمة داخلية منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وتقول المعارضة الإصلاحية، إن الانتخابات زورت لضمان فوز أحمدي نجاد، وتنفي السلطات هذا الاتهام.
وقتل 8 أشخاص في اشتباكات بين أنصار المعارضة وقوات الأمن يوم 27 ديسمبر (كانون الأول)، الذي وافق الاحتفال بيوم عاشوراء، وقالت وكالة الطلبة: «في أعقاب أعمال الشغب والأحداث المناهضة للثورة في الأشهر الأخيرة لا سيما في يوم عاشوراء نظرت محكمة ثورية إسلامية في طهران قضايا عدد من المتهمين وأصدرت أحكاما بإعدام 11 منهم»، وأضافت «الحكمان الصادران على اثنين من هؤلاء.. نفذا فجر اليوم وأعدم المتهمان»، وأردفت أن محكمة استئناف أيدت الحكمين.
وقالت إن الرجلين هما محمد رضا علي زماني واراش رحمانيبور، كما أذاعت وسائل إعلام إيرانية أخرى خبر إعدامهما، وقال التلفزيون الرسمي: «أعدم اثنان من عناصر الشغب والمناهضين للثورة».
وقالت محامية رحمانيبور (19 عاما) إنه احتجز «قبل الانتخابات بشهرين كاملين» وإن الاتهامات سياسية والحكم «غير مشروع وجائر»، موضحة أنه «أجبر على الإدلاء باعترافات بعد تهديدات وجهت إلى عائلته»، وأضافت أنها «صدمت» بإعلان تنفيذ حكم الإعدام فيه، مؤكدة أنها لم تبلغ مع أسرته بذلك.
وأضافت المحامية نسرين سوتوده «تنفيذ إعدام بهذه السرعة والعجلة ليس له إلا تفسير واحد.. الحكومة تحاول منع اتساع نطاق حركة المعارضة الحالية من خلال نشر الخوف والترويع»، وقالت سوتوده لـ«رويترز»: «لم يمنح رحمانيبور قط الحق في الدفاع عن نفسه بحرية، وأنا لم أستطع الدفاع عنه بشكل مناسب». من ناحيته، قال رئيس الادعاء في طهران عباس جعفري دولت أبادي، إن الاثنين أعضاء في مجموعة توندر (منظمة مملكة إيران)، وهي موالية للملكية ومناهضة للثورة، خططت لزرع قنابل واغتيال مسؤولين، وأبلغ دولت أبادي التلفزيون الإيراني «اعتقلتهما قوات المخابرات، وحوكما أمام محكمة في حضور محاميهما.. واعترفا بالتهم الموجهة لهما»، إلا أنه لم يحدد متى تم احتجازهما، وفي أغسطس (آب) قال التلفزيون الإيراني الرسمي، إن رحمانيبور اعترف بصلاته بدول أجنبية وكانت مهمته زرع قنابل في فترة الانتخابات، وما زالت الأحكام على الـ9 الآخرين في مرحلة الاستئناف.
وأوضح بيان المدعي العام أن 9 معارضين آخرين ينتظرون حاليا قرار محكمة الاستئناف، وقال « إن 9 آخرين من مثيري الشغب ما زالوا في مرحلة الاستئناف وإذا ثبت الحكم فسينفذ بحسب القانون»، ووفقا للأرقام الرسمية فقد جرى توقيف أكثر من 4 آلاف متظاهر ومعارض في المظاهرات الاحتجاجية في إيران التي أسفرت عن مقتل 36 قتيلا بحسب السلطات، و72 قتيلا بحسب المعارضة، وأطلق سراح معظم الموقوفين لكن 140 منهم على الأقل حوكموا، وبعضهم تلقى أحكاما قاسية بالسجن، وتقول إيران إن قواعد مجاهدين خلق وأنصار العهد الملكي السابق خارج إيران لذا فهم متهمون بـ«العمالة» لصالح الدول الكبرى، والولايات المتحدة وبريطانيا بشكل أساسي، ويلعبون دور عملائها داخل إيران. ويخطط مؤيدو الحركات المعارضة في إيران، خاصة الحركة الخضراء بقيادة مير حسين موسوي الذي خسر الانتخابات الرئاسية الماضية أمام أحمدي نجاد للاستفادة من المسيرات الحاشدة ومناسبات أخرى لتجديد احتجاجاتهم ضد الرئيس. ومن المتوقع في ظل مشاركة الملايين من المواطنين الإيرانيين عادة في مسيرات الـ11 من فبراير، أن تواجه قوات الشرطة مصاعب جمة في السيطرة على المسيرات المتزاحمة، غير أن الشرطة حذرت من أن زمن التساهل ولى، وأن المتظاهرين سيتم التعامل معهم بقسوة وحزم، يذكر أن المظاهرات الأخيرة في 27 ديسمبر الماضي ، شهدت مقتل ما لا يقل عن 8 متظاهرين وإلقاء القبض على المئات.
إلى ذلك، اعتبر مهدي كروبي، أحد زعماء المعارضة في إيران، أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لن يكمل ولايته الرئاسية، وفي مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية نشرت أمس، قال رئيس البرلمان الإيراني الأسبق: «نظرا للمشكلات الاقتصادية والسياسية، إضافة للسياسة الخارجية المثيرة للجدل، أعتقد شخصيا أن أحمدي نجاد لن يكون قادرا على إكمال ولايته».
وأكد كروبي أن القوى المعتدلة ستجتمع للتوصل إلى حل في إيران ولإنقاذ الجمهورية الإسلامية المهددة في الوقت الحالي، وأضاف «القوى التي تريد الحفاظ على النظام الإسلامي، من المعسكرين، سوف تتحد عندما ترى، أستغفر الله، أن الثورة والنظام والجمهورية الإسلامية في خطر، هذا سيحصل قريبا».
وأوضح كروبي (72 عاما) الذي حل رابعا في الانتخابات أن الاقتصاد الآخذ في الضعف والمعارضة الشعبية ستدفع قوى معتدلة لإزاحة أحمدي نجاد، وأعرب عن اعتقاده أن سياسات أحمدي نجاد التي تقوم على اجتذاب التأييد الشعبي جعلت إيران «ضعيفة جدا» مما يصعب على المواطنين تحمل مزيد من البطالة والتضخم، وقال إن السيناريوهات المحتملة تتفاوت ما بين إقالة أحمدي نجاد من منصبه أو تقليص سلطاته أو إجراء تعديل حكومي، وأضاف «لكن لمعرفتي بهذا الرجل أعتقد أنه لن يغير سلوكه».
وكانت وسائل إعلام إيرانية قد نقلت عن كروبي اعترافه قبل بضعة أيام بأحمدي نجاد رئيسا، وتعليقا على هذا الأمر قال للصحيفة البريطانية: «كل ما قلته عن موضوع الانتخابات ما زال صحيحا، لم يكن الاقتراع صحيحا، لكن البرلمان صدق عليه، وأقسم اليمين الدستورية»، وأضاف كروبي أن سياسات الرئيس المتشددة نفرت المثقفين وبعض كبار رجال الدين، وأن هذه الجماعات ستشجع العناصر المعتدلة داخل الحكومة للاتحاد قريبا والتوصل إلى حل للأزمة.
وكانت وسائل إعلام إيرانية قد قالت الأسبوع الماضي، إن كروبي اعترف برئاسة نجاد، إلا أن إصلاحيين من حزب كروبي قالوا، إن ما قاله كروبي وفهم على أنه اعتراف برئاسة نجاد لم يكن سوى «إقرار بأمر واقع وهو أن نجاد رئيس لإيران»، موضحين أن كروبي لم يقل إنه «الرئيس الشرعي لإيران بل هو رئيس لإيران»، وأوضح كروبي قبل 3 أيام أنه لم يغير موقفه أساسا بشأن الانتخابات وما أعقبها، ونقل عنه موقعه قوله «سأقول بقوة إنني لن أقدم أي تنازل بشأن حقوق الشعب.. وسأقف إلى جانب الشعب إلى نهاية الدرب وسأسعى إلى إجراء انتخابات حرة»، وتابع كروبي «مع مرور الوقت تتزايد قوة اعتقادي بحدوث تزوير واسع النطاق في الانتخابات». وكانت زوجة زعيم المعارضة الإيرانية مير حسين موسوي قد قالت في تعليقات نقلتها مواقع للمعارضة على الإنترنت، أول من أمس، إن زوجها «لا يعترف» بحكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد، وذلك بعد التصريحات التي نقلت عن كروبي.
ودعا كل من موسوي وكروبي بعد الانتخابات إلى إلغائها، ونقل عن راهنورد، زوجة موسوي، قولها لموقع «روز أونلاين» المؤيد للمعارضة على الإنترنت في إشارة إلى نفسها وإلى زوجها «أريد أن أؤكد أننا لا نعترف بحكومة أحمدي نجاد ولن نقدم تنازلا خلف الكواليس»، ونقلت عدة مواقع معارضة تصريحاتها بما فيها موقع «الكلمة الخضراء» وهو الموقع الرسمي لموسوي، وقالت راهنورد التي ساهمت بنشاط في حملة زوجها في الانتخابات: «إننا نتابع حقوق الشعب ومطالبه بأمانة»، وتابعت «اعتقال أولئك الذين يتحدثون عن الحرية وحقوق الشعب ليس قانونيا»، وتقول مصادر إصلاحية، إن محاولات السلطات الإيرانية نيل اعتراف بشرعية الحكومة وتفكيك جبهة المعارضة لا تجد آذنا صاغية وسط الإصلاحيين على الرغم من الدعاية الحكومية.