المرشح المستقل لسباق الرئاسة في السودان: إذا فزت سأنهي عهد دولة «الجباية»

عبد الله علي إبراهيم لـ «الشرق الأوسط»: السودان صار «دولة أبراج».. والوظائف فيه «معسكرة»

د. عبد الله علي إبراهيم
TT

قال الدكتور عبد الله علي إبراهيم، أحد مرشحي السباق الرئاسي في الانتخابات السودانية المقرر لها أبريل (نيسان) المقبل، إنه ليس معنيا بالفوز بالانتخابات أكثر من انشغاله بـ«مهمة ترسيخ عادة الديمقراطية» في البلاد، واعتبر الانتخابات السودانية الحالية بأنها حقيقة مذهلة، وإنه سعيد بذلك. ويَعِد إبراهيم، وهو كاتب شهير وأستاذ تاريخ عمل بين السودان (جامعة الخرطوم) والولايات المتحدة (جامعة ميسوري)، بأنه في حال فوزه بمنصب الرئاسة سيحول السودان من دولة عسكرية إلى دولة مدنية، وإنهاء ما سماه بـ«عسكرة الوظائف». كما تعهد بإنهاء دولة «الجباية» التي تأخذ من الناس البسطاء وتعطي الأبهة الحاكمة، ووصف بلاده بأنها صارت الآن «دولة الأبراج»، في إشارة إلى البنايات الشاهقة في حين تمتد وتزداد رقعة الفقر في ربوع البلاد.

وحمل على من يروجون لفكرة انفصال الجنوب من الشمال، وقال إبراهيم، وعمره فوق الـ60 عاما، إن «الحديث بأن 90% من الجنوبيين سيصوتون للانفصال مجازفة سياسية، ولا قياس له». إبراهيم يكتب بشكل دائم في عدد من الصحف السودانية، وله نحو 15 مؤلفا في مجالات السياسية والثقافة والأدب، وله مسرحية واحدة على الأقل. وقال إبراهيم إنه لا يزال «ماركسيا»، وأطلق على توجهه بأنه «مستقل ماركسي».

* ما هي الملامح الأساسية لبرنامجكم الانتخابي، بعد أن تم اعتمادكم كمرشح لسباق الرئاسة ضمن 13 شخصا من الأحزاب والمستقلين؟

- أنا داعية تحول مدني، أسعى ليس إلى التحول الديمقراطي فحسب وإنما إلى التحول المدني، تحويل دولة السودان من دولة عسكرية إلى دولة مدنية، ليس علمانية وإنما تحكم بالمدنيين، والوظائف الآن كلها تمت عسكرتها خلال العشرين عاما الماضية، توزيع «كيكة» الوطن توزيع مختل، يجب إعادة التوزيع، الوضع الحالي ولد العنف، والطريق الوحيد لوقف العنف هو استعادة القوة المدنية لساحة السياسة السودانية، أن يحكم العمال والمزارعون والقوى المستضعفة، وأن يتم هذا التحول بوعي.

* وما هي العناوين الأخرى في برنامجكم؟

- أنا مهموم بإصلاح الدولة السودانية، هذه الدولة بتاريخها الطويل هي دولة جباية منذ عهد الفونج إلى الاستعمار إلى حكم ما بعد الاستقلال، إنها دولة تأخذ منك لتدفع إلى «أبهة» الطبقة الحاكمة، كانت القوافل تحمل من هنا الرقيق وتعود من هناك لتحمل أشياء للأثرياء فقط، والآن نحن نعيش دولة الأبراج، حتى المساجد تحولت إلى أبراج، سأعيد النظر في هذه الدولة الجبائية لتحول إلى دولة مواطنة، تكون فيها الجباية بمقدار ما تقرر الأجهزة التشريعية في كل المستويات، التغيير هو إقامة دولة المواطنين وليس دولة يكون فيها المواطن أداة طيعة في يد الحاكم، والتغيير عبر الديمقراطية.

* أين برنامجكم من جدل الوحدة والانفصال، وكيف تنظرون إلى الحديث المتنامي حول انفصال الجنوب عن الشمال؟

- الحجة التي أقيم عليها الانفصال لم تقم على برهان، الحديث عن أن 90% من الجنوبيين سيصوتون للانفصال مجازفة سياسية، لم يحدث قياس للرأي وأن الأمر له أساس على الواقع. قد يصوتون بنسبة 100% للانفصال، ولكن حتى الآن لم يحدث القياس. توقع الانفصال على بينة فاشلة هو انهزام، فليترك الأمر للاستفتاء القادم، فهو مربط الفرس، وهناك تقرر مصائر البلاد. أرى أن الاستفتاء أهم من الانتخابات.

* وهل هناك أمل في الانتخابات في تغيير هذه اللغة الانفصالية؟

- أرى أن الأهم هو الاستفتاء، ولكن أقول مع ذلك لا بد من الأمل في سلطة جديدة بعد الانتخابات تبعث الأمل في السودان. هناك منهج سياسي سائد الآن يقبل الانفصال منذ اللحظة كحقيقة واقعة ومقررة، وهذا ليس له أساس فكري. الانفصال حرية يمارسها الناس، وقد اتفق الناس على الاستفتاء على مصير البلاد في كل الاتفاقات من أسمرة إلى القضايا المصيرية وحتى نيفاشا، فلماذا هذا الضجيج والذي يقرر الأمور قبل أن تحدث؟ لماذا هذا التهافت؟ لماذا هذه «الجرسة»حيال هذا الحق؟ نأمل أن تأتي الانتخابات بوضع سياسي يلهم الناس بمحبة جديدة للسودان.

* كرئيس محتمل، ما هي رؤيتكم للتعامل مع مشكلة دارفور؟

- لقد حدث خطأ في تشخيص المشكلة في دارفور، رأيناها كصراع بين عرب وزرقة (يقصد بين القبائل العربية والأخرى الأفريقية في الإقليم)، وهذا تشخيص أدى إلى علاج سيئ، وكل الورم والمضاعفات الحالية في دارفور ناتجة من هذا التشخيص. كنت من بين من يظنون أن المشكلة في دارفور هي صراع حول الموارد في الإقليم في إطار نظم الحواكير (الحدود الجغرافية القبلية في الإقليم)، وفي إطار التنمية، ولكن وفقا للتشخيص السيئ هذا تحولت الحكومة بدلا من أداة للتنمية في الإقليم إلى أداة للفتنة القبلية. وأراهم الآن عادوا إلى تشخيص الأمور بشكل مختلف، حيث بدأ الحديث عن الحواكير يكبر، فيما يقل الحديث عن الجنجويد، رمز الفتنة، فيما الحواكير هي «كود» التنمية. لا أغفل أن هناك وجودا لصراع عرب وزرقة، ولكنه ليس أصل الصراع في دارفور، الدليل أن أسوأ الصراعات كانت بين الزرقة والزرقة، بين الزغاوة والبرقد، والأسوأ بين العرب والعرب مثل الصرع بين الرزيقات والترجم أو بين الزريقات والمعاليا. نتمنى أن تعود من هذا الضلال والدم إلى التشخيص الصحيح للمشكلة في الإقليم. متى ما ضللت التشخيص ضلت بك طريقة العلاج.

* هل توفرت مقومات الانتخابات النزيهة في الانتخابات التي بين يدينا الآن؟

- ليس صحيحا أن تطلب من الحكومة أن تتخلق بالنزاهة، ولكن على القوى السياسية أن تفرض على الحكومة خلق النزاهة، ولكن أن تطلب من الحكومة فقط توفير هذه المستحقات فهذا نوع من العطالة السياسية تمارسها القوى السودانية. من نماذج عدم النزاهة السائدة أخذ شرائح (أي بطاقة تصويت) خاصة بالناس الذين سجلوا من قبل «تشاشين» ساسيين في الحكومة (أي تجار سياسة صغار). هناك ممارسات تقول إن النزاهة ليست من صفات الحكومة حتى يطلب منها الإيفاء بها طوعا.

* وماذا تفعل هذه القوى أكثر من أنها تطالب؟ بماذا تطالب أنت هذه القوى في هذا الخصوص؟

- هذه القوى تريد من الحكومة أن «تخدمها»، أن تأتي لها بالنزاهة، وهذه بطالة منها. الأحزاب ظلت بعيدة عن مواقع فرض النزاهة، مثل مراكز التسجيل أو غيرها من المواقع على مستوى المواقع الخاصة بترتيب إجراءات الانتخابات. لو وضع أي حزب سياسي مندوبا له في مواقع التسجيل لفرضوا النزاهة على الحكومة، إذا أنت كنت غافلا، لماذا لا يأخذ شخص آخر «شريحتك» التي تمنحك فرصة التصويت لك؟ أين الوازع الأخلاقي الذي يجعلهم لا يأخذون تلك الشريحة؟ نتمنى أن يكون هناك عمل لفرض النزاهة، وليس مجرد التماس يقدم إلى المؤتمر الوطني كي يأتي بالنزاهة طوعا.

* إلى أي مدى أنت متفائل بالفوز في الانتخابات؟

- هذه الانتخابات في الحقيقة خطة مذهلة، حقيقة مذهلة. هناك حراك حزبي وحملات ترشيح وبرامج تطرح، وتحدث الصامتون خارج منازلهم. أراها حقيقة كبيرة، فأنا مشغول بترسيخ هذه التجربة، وبهذا الخروج من حالة المقاطعة مع الإنقاذ إلى الصراع العلني معها.

* لم تُجِب على سؤالي حول مدى تفاؤلكم بالفوز.

- يهمني هذا التفاعل مع حقيقة الانتخابات أكثر من الفوز نفسه، أنا أعمل على ترسيخ عادة الديمقراطية، أنا سعيد الآن بأن نسبة 83% من الشعب السوداني انخرطوا في الانتخابات. «الحشاش يملا شبكتو».. (مثل سوداني).

* وهل تتوقع أن تمر الانتخابات بسلام دون تكرار لتجارب العنف الانتخابي السائدة؟

- من الصعب الحديث بأنها ستمر بسلام دون أحداث. أيّ انتخابات لا بد أن تمر بحالات عنف، ناهيك بانتخابات تجرى في بلد فيه «العنف مستتب» بدلا من أن يكون «الأمن مستتبا»، ولكن يجب أن لا يكون هذا هو الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية، ويكون هذا مدخلا لميزانيات جديدة وأدوار جديدة. الأمر يتطلب وعيا سياسيا بأن يتوجه الناس إلى تأمين انتخاباتهم بأنفسهم، وفي حال حدوث عنف يكون من النوع المقدور عليه. يجب أن لا يكون العنف هو الشغل الشاغل. ستمضي الأمور إلى بر الأمان.

* وما هي وسائلكم للحملة الانتخابية التي ستنطلق بعد أسابيع؟

- حملتي قائمة على اللقاءات الشخصية بيني وبين الناس، وأن أستمع إليهم أكثر مما أتحدث إليهم، فقد استمعوا لسنوات كثيرة. يريدون الآن من يستمع إليهم وهم يتحدثون. أبحث عنهم في الأسواق، في الأحياء ومواقع العمل، أجلس وأستمع إليهم، الميكرفونات لم تكن هي الأداة الصالحة، الاستماع أكثر فاعلية.

* ومن أين تأتي بالتمويل لحملتكم الانتخابية؟

- من أهل الخير ومن مالي الحلال الذي جمعته في السنوات الماضية، وهناك تبرعات.

* هل نتوقع تحالف عبد الله علي إبراهيم مع أي قوى سياسية في الفترة المقبلة؟

- هذا أمر سابق لأوانه، أنا أؤسس لموقع مستقل في المقام الأول، أمضى في اتجاه ما يمليه علي استقلاليتي، المستقل الذي لا يتورع عن أن يكون له عقيدة وطريقة وآيديولوجية، بعيدا عن المفهوم السابق للاستقلال السياسي أو التنظيمي بأن لا تكون لديك آيديولوجية.

* كيف يمكن الجمع بين الاثنين، أن تكون مستقلا وفي ذات الوقت تحمل في رأسك آيديولوجية؟

- يمكن أن تحدث تركيبة، أي تخلق آيديولوجية مستقلة، توليفة بين الآيديولوجية والاستقلالية، مثل ماركسية مستقلة، ليست بالضرورة أن تكون ماركسية جيفارية مثلا.

* هل تخليتم عن الماركسية؟

- لا، لم أتخل عن الماركسية.

* ومن أنت بهذه الكيفية؟

- مستقل ماركسي، أتعامل مع الأمور على طريقة «موت المؤلف»، أنظر إلى الأمور من زاوية النظر الراشد إلى الحياة والمستقبل، لا أؤمن بأن الحل يكمن في العودة إلى ما هو مكتوب من الآيديولوجية، أعمل من باب الحكمة العامة، الرشد العام.