في الساعة التاسعة و6 دقائق مساء أول من أمس، دخل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى نفس القاعة بالكونغرس التي وقف فيها قبل عام، مارا بنفس الممر، ومصافحا نفس الأيادي، ومعتليا نفس المنبر ووقف متحدثا لجمهور تسيطر عليه نفس مشاعر الإحباط والمعاناة. لكن بالنسبة لأوباما، كان هناك كثير من التغيرات. فقد تحول خلال ذلك العام من رئيس موحد للأمة إلى رئيس مثير للجدل؛ ومن شخص انتخب ليحل مشكلات الأمة إلى شخص ينظر إليه باعتباره إشكالية في ذاته.
كان يغمض عينيه في مواجهة الضوء ويحدق في الجماهير بقوة في أول خطاب له حول حال الاتحاد، وكان يبدو أكبر سنا من آخر مرة وقف فيها في نفس المكان في فبراير (شباط) الماضي. وقف وحده بين حشود الكاميرات والسياسيين مع الميكروفون، مهدئا الحشد من خلال عدة إيماءات مقتضبة. قائلا: للجمهور: «لقد كان العام الماضي من أصعب السنوات في تاريخنا»، ولكن هذا العام من أصعب سنواته أيضا.
كانت أمام الرئيس عدة أسباب يمكن أن تجعله محبطا الليلة قبل الماضية. تطرق إلى كل تلك الأسباب خلال مدة 71 دقيقة قضاها على المنصة. كان لاعب البوكر الذي حظي بالإطراء لهدوئه، يتحدث بقوة وحسم، وبصراحة وغضب. وقد عكست لغته بالإضافة إلى حركات جسده تغيرا ما، فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي لا يتعامل فيها فقط مع مشاعر السخط الشعبية بل ويبدو غاضبا هو أيضا. كان يضغط بالسبابة على الإبهام ويحرك قبضته في الهواء لتأكيد النقاط التي يتحدث فيها. وقال للحضور إنه «يكره» خطة الإنقاذ المالية للبنوك، مؤكدا أنه كان يريد أن تواكب الحكومة أزمات الناس. كما قال إنه سئم «السياسات المهدئة». وأضاف: «إلى متى يجب أن ننتظر؟ إلى متى يجب أن تنتظر أميركا مستقبلها؟».
كانت هذه هي المرة الـ487 التي يلقي فيها الرئيس أوباما خطابا عاما، ولكنه كان مختلفا تماما هذه المرة؛ فعندما تولى الرئيس أوباما منصبه، حرص مستشاروه على الاستفادة من موهبته كخطيب مفوه، مما جعله يتحدث خلال عامه الأول في 30 ولاية، و21 بلدا، كما أنه تحدث في المصانع واحتفالات جمع التبرعات، بل وفي الجنازات. ولكن لم يكن أي من تلك الخطب، وفقا لما يقوله مساعدوه، معدا بعناية مثل خطاب حال الاتحاد.
كان فريق عمل أوباما يعقد اجتماعات حول حال الاتحاد منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي؛ وهو الفريق الذي يرأسه ديفيد أكسلرود، وكاتب الخطب جون فافرو، والمستشار السياسي مونا سوتفين. وقد أوصت نحو 20 هيئة حكومية بتضمين خطاب الرئيس بعض العناصر، ومر كل سطر من الخطاب على نحو ست مرات من التعديل والتدقيق والمراجعة من قبل فريق من المحامين. وقام فافرو وبين رودز بتضمين تلك النقاط في مسودة متماسكة أعطوها للرئيس أوباما في بداية الشهر الحالي.
وكان ذلك، في كثير من الجوانب، مخالفا لعملية إعداد الخطاب التقليدية التي أسفرت عن معظم خطب أوباما الشهيرة خلال حملته الرئاسية. فقد كتب خطابه الذي حاز إطراء كبيرا في ثلاثة أيام في مارس (آذار) 2008 بأقل مساعدة من مساعديه، وكان يعمل مع فافرو على كتابة الخطب المليئة بالأفكار الآيديولوجية والمتحررة من القواعد التقليدية. ويقول المساعدون إن الرئيس أوباما، كي يجعل ذلك الخطاب متوافقا مع ما يريد، اتبع نظاما هيمن على أسبوعه بأكمله، فقد كان يجلس يوميا لتحرير الخطاب وحده في المنزل خلال المساء، ثم يقوم بإجراء التعديلات بحضور مستشاريه في المكتب البيضاوي خلال الصباح ويتدرب على إلقاء الخطاب طوال اليوم.
في مساء يوم الأربعاء، وفيما كان المشرعون يتجمعون خارج القاعة ويتنافسون للحصول على أفضل المقاعد، ألغى الرئيس أوباما كافة ارتباطاته وانعزل داخل البيت الأبيض، وأجرى التعديلات الأخيرة على الخطاب، كما هي عادته. ثم استمر في التدرب على إلقاء الخطاب من خلال شاشة القراءة، فيما كان يجلس بعض مستشاريه لمشاهدته. ثم غادر البيت الأبيض الساعة 8:40 وسار عشر خطوات حتى وصل إلى السيارة الليموزين التي قطعت مسافة استغرقت مدة 6 دقائق وصولا إلى مقر الكونغرس. انتظر بعدها 15 دقيقة في إحدى غرف الانتظار قبل أن يدخل إلى القاعة وسط تصفيق حاد.
نظر إلى خطاب «حال الاتحاد» باعتباره فرصته لاستعادة زخمه بعد ما وصفه بأنه أسوأ فترات رئاسته. وكانت العشرة أيام الماضية مثل مرور السيف على الرقاب، هذا ما قاله أوباما في خطابه رقم 483 حينما اقترب من إلقاء خطابه رقم 487. فقد صار مشروع قانون الرعاية الصحية مهددا، كما وصلت معدلات البطالة إلى أعلى معدلاتها منذ 25 عاما، وتزايدت الشكوك كذلك. فخلال الأسبوع الماضي، وفي مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض، سأل أحد الصحافيين المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس: «هل الرئيس قلق على إرثه أكثر من أي شيء آخر في تلك المناقشات؟». فرد غيبس «لا». سأله الصحافي: «لا؟». فرد غيبس: «لا».
كان أوباما يتصرف وكأنه مدرك لأزمته، فقد امتنع عن حضور المناسبات العامة خلال نهاية الأسبوع وعكف على إعداد الخطاب، وكان يأخذ فترات استراحة يلعب خلالها كرة السلة مع ابنتيه، ويشاهد مباريات كرة القدم. وكان يقول مازحا عن خوذة كرة القدم التي حصل عليها خلال جولة قام بها في مصنع ريدل للمنتجات الرياضية بأوهايو خلال الأسبوع الماضي إنه ربما يرتديها خلال خطاب «حال الاتحاد». وكان قد ظهر في منتدى آخر في أحدث المصانع دون أن يرتدي رابطة عنق وكان يحرك قبضته في الهواء بنشاط غير معتاد مكررا أكثر من عشرين مرة أنه سوف «يحارب» من أجل الطبقة الوسطى.
ولكن أقوى تعليقات أوباما كانت بداخل إحدى كنائس واشنطن يوم 17 يناير (كانون الثاني). عندما قال: «أريد أن أعترف لكم أن هناك بعض الأوقات التي لا أكون فيها هادئا. وهناك بعض الأوقات التي أشعر فيها أن التقدم بطيء للغاية. وهناك بعض الأوقات التي تجرحني فيها الكلمات التي تقال عني. وهناك بعض الأوقات التي تؤذيني فيها التعليقات اللاذعة. وهناك بعض الأوقات التي أشعر فيها بأن كل الجهود التي أبذلها تذهب سدى، وأن التغيير بطيء للغاية وبأنه يجب علي مواجهة شكوكي الخاصة».
وبعد ذلك بعشرة أيام، وعندما ذهب لخطاب الاتحاد، لم ينه أوباما خطابه باعتراف، ولكن بقرار: «لن نهدأ. لن نهدأ. دعونا نستغل اللحظة لنبدأ أخرى». ثم نزل من على المنصة وصافح المزيد من الأيادي وخرج من نفس الممر الذي دخل منه وخرج من القاعة عبر نفس الباب الذي خرج منه قبل عام، ولكنه خرج منه في هذه المرة إلى عامه الثاني.
*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»