برأت الغرفة الحادية عشرة في محكمة باريس الابتدائية أمس ساحة رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان من التهم التي كانت مساقة ضده فيما يسمى «فضيحة كليرستريم» التي كان يتواجه فيها مع رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي. وأعلن دو فيلبان عقب صدور الحكم أنه يريد «طي الصفحة» و«النظر إلى المستقبل» لأنه يريد «خدمة الفرنسيين». ومن جانبه، أصدر قصر الإليزيه بيانا جاء فيه أن الرئيس ساركوزي «أخذ علما» بتبرئة دو فيلبان وأنه «لا ينوي» استئناف الحكم. وجاء حكم البراءة ليضع حدا، على الأقل مؤقتا، لإحدى أكثر القضايا إثارة في فرنسا في السنوات الثلاثين الأخيرة، حيث تواجه رئيس جمهورية حالي مع رئيس وزراء سابق على خلفية التنافس السياسي لتزعم اليمين الكلاسيكي وتسنم أعلى مناصب الدولة، وهو رئاسة الجمهورية. وبأي حال، فإن حكم الأمس فتح الباب على مصراعيه أمام رئيس الوزراء السابق الذي لم يعد يخفي رغبته في الانغماس مجددا في العمل السياسي وربما منافسة ساركوزي في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في العام 2012.
ويحق للادعاء، قانونا، استئناف الحكم، إذ إن لديه مهلة عشرة أيام لإبلاغ المحكمة بما ينوي فعله. غير أن أوساط دو فيلبان تستبعد ذلك بعد قرار ساركوزي التخلي عن الاستئناف، علما بأن القانون يعطي هذا الحق فقط للمتهم وللادعاء. وبالمقابل، قضت المحكمة بسجن جان لوي جيرغوران 36 شهرا منها 128 شهرا مع وقف التنفيذ والشيء نفسه بحق اللبناني عماد لحود. ويتعين على كل منهما دفع غرامة قيمتها أربعون ألف يورو.
ويعود أصل القضية إلى عملية تزوير لوثائق عائدة لغرفة المقاصة في لوكسمبورغ حيث أضيفت إليها أسماء شخصيات فرنسية منها اسم ساركوزي للإيحاء بأنها تملك حسابات سرية تغذى من عمولات واردة من صفقات أسلحة. وكانت التهمة الموجهة لدو فيلبان شخصيا، هي «سكوته» على هذه العملية رغم معرفته بأن اللوائح المعنية مزورة. وكان واضحا أن للاتهام قاعدة سياسية، إذ إن الرأي السائد، وهو الذي تبناه الادعاء، أن دو فيلبان سعى إلى الاستفادة من الفضيحة لكسر طموحات ساركوزي السياسية وقطع طريق الإليزيه عليه. ومن الزاوية المقابلة، اتهم دو فيلبان الرئيس الحالي باستخدام هذه المسألة للقضاء عليه. ولم يتردد في التأكيد، في أول يوم من أيام المحاكمة، أن سوقه أمام القضاء سببه «إرادة شخص واحد هو نيكولا ساركوزي».
وفي كلمته المختصرة بعد صدور الحكم، صوب دو فيلبان سهاما غير مباشرة للرئيس الحالي من خلال امتداحه القضاء الذي عرف أن «يغلّب العدالة والقانون على السياسة».
وكانت هذه القضية قد «سممت» الأشهر الأخيرة من حكومة دو فيلبان التي كان ساركوزي وزيرا للداخلية فيها. وتنافس الرجلان على «وراثة» الرئيس السابق جاك شيراك. ويرى المراقبون أن عودة الأول إلى الساحة السياسية يمكن أن «تضايق» الرئيس ساركوزي الذي سيكون بطبيعة الحال مرشح حزبه «الاتحاد من أجل حركة شعبية» في الانتخابات الرئاسية المقبلة بينما يمكن لدو فيلبان أن يطرح نفسه «بديلا» للرئيس الحالي وممثلا لقيم الديغولية واليمين. وأظهر استطلاع للرأي نشر أخيرا أن أكثر من 8 في المائة من الفرنسيين تؤيد ترشح رئيس الوزراء السابق. ولا شك أن دو فيلبان يستطيع الاستفادة من تدني شعبية ساركوزي خصوصا إذا استمر الوضع الاقتصادي على حاله وزادت البطالة وتراجعت القوة الشرائية واستشرت المشاكل الاجتماعية. وعمد دو فيلبان أخيرا إلى تأسيس «ناد» يحمل اسمه ليكون البنية التي تؤطر مؤيديه وتحضر ربما لخوضه غمار الانتخابات.
غير أن الجوانب القانونية لهذه الفضيحة لم تنته بعد باعتبار أن جيرغوران، وهو نائب رئيس سابق لشركة الصناعات الفضائية والجوية الأوروبية «EADS» أعلن عن عزمه استئناف الحكم. واعتبر الحكم أن جيرغوران وهو صديق قديم لدو فيلبان هو العقل المدبر لكل القضية بينما اللبناني عماد لحود هو اليد المنفذة. وقال رئيس المحكمة لدى قراءته ممهدات الحكم إن دو فيلبان «استخدم» من قبل جيرغوران الذي وصف بأنه «العقل المدبر» وإن «الجرم» المتمثل بالمشاركة في استنباط التهم لا تتوفر له أدلة وبالتالي لا طريق آخر سوى تبرئة رئيس الوزراء السابق. وجاء إعلان حكم براءة دو فيلبان يوم احتفال ساركوزي بعيد ميلاده الـ 55.