البوسنة تعيش المخاض العسير

الغرب يعد لـ«دايتون 2» والصرب يهددون بالانفصال والكروات يطالبون بالنموذج اللبناني

TT

تمر البوسنة بواحدة من أصعب المراحل في تاريخها، في ظل أحاديث عن مساع غربية لإعداد اتفاقية جديدة تحل مكان اتفاقية دايتون التي أنهت الحرب (1992 - 1995)، وتهديد صرب البوسنة بإجراء استفتاء في كيانهم المسمى «صربسكا».

ويقول السفير المصري في البوسنة أحمد خطاب لـ«الشرق الأوسط»: «إنها مرحلة بالغة الخطورة، ونحن نشارك الأوروبيين قلقهم والخوف من ضياع فرصة تحقيق الاستقرار». وأضاف أن «كيان صرب البوسنة، يختلف مع الرؤى الدولية لمستقبل البوسنة واستقرارها، ولا يأخذ من اتفاقية دايتون سوى ما يتوافق وأهدافه».

إلا أن الانقسامات لا تقف داخل البوسنة، بل تتعداها إلى الخارج، إذ إن هناك دولا تريد أن تجعل من البوسنة ورقة مساومة مع قضايا إقليمية أخرى. ومما يزيد في تعقيد الأوضاع هو أن الإصلاحات المطلوبة من البوسنيين تصطدم بموعد الانتخابات المقرر في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويرى السفير المصري أن «الأزمة المالية العالمية ألقت بظلالها على الوضع في البوسنة، إذ لم يتم اعتماد مشروع مارشال للبوسنة كما حدث نهاية الحرب العالمية الثانية (لأوروبا)، وفي نهاية هذا العام ستجرى الانتخابات التشريعية، مما يجعل من هذه السنة سنة المزايدات وإمكانية إعادة انتخاب القيادات نفسها مما يجعل البوسنة تخسر عاما كاملا، بينما تتقدم الدول المجاورة الأخرى نحو الاتحاد الأوروبي بوتيرة أسرع».

وكان النائب الأول للمبعوث الدولي إلى البوسنة، رافي غاريغوريان، أكد على أن تهديد صرب البوسنة بإجراء استفتاء على اتفاقية دايتون، «سيعرض بقاء، جمهورية صربسكا، (داخل البوسنة) للخطر» على حد قوله. وتابع: «أي استفتاء يتم في، جمهورية صربسكا، سيؤدي إلى نتائج عكسية لهذا الكيان، وعلى أولئك الذين يهددون بإجراء الاستفتاء إعادة النظر في العواقب المحتملة، إذا ما استمروا على هذا السلوك». كذلك، أشار المبعوث الدولي إلى البوسنة فلانتينكو انزكو في الآونة الأخيرة إلى أن بقاء «جمهورية صربسكا» أصبح موضع تساؤل، ملمحا إلى احتمال إلغاء الكيان قانونيا، وفقا للصلاحيات التي يتمتع بها، التي منحتها له اتفاقية دايتون، وللدعم الكبير الذي يلقاه في كل من بروكسل وواشنطن. وكان الصرب قد رفضوا خلال الاجتماعات التي تمت في 9 و10 و20 و21 أكتوبر (تشرين الأول) وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، أي تغييرات على اتفاقية دايتون. ووفقا للخطة المعروضة، تقام في البوسنة دولة يتمتع فيها رئيس الوزراء بصلاحيات واسعة، كما يتم انتخاب رئيس واحد من قبل البرلمان، يتمتع بحرية استخدام صلاحياته، مع نائبين له من الطائفتين الأخريين.

ومن جانبهم، طالب الكروات بتطبيق النموذج اللبناني، أي أن يكون الرئيس من طائفة، ورئيس الوزراء من طائفة ثانية، ورئيس البرلمان من طائفة ثالثة، وهو ما يرفضه عضو مجلس الرئاسة البوسني، ورئيس حزب «من أجل البوسنة» الدكتور حارث سيلاغيتش، الذي يدعو لإقامة دولة مواطنين وليس دولة طوائف.

وعلى الجانب البوشناقي أيضا أعلن رئيس «حزب العمل الديمقراطي» سليمان تيهيتش أن حزبه «يقبل جميع المقترحات الأوروبية الأميركية التي لا تمثل أي خسارة لكل من البوشناق والصرب والكروات». واعتبر أن المقترحات الأوروبية والأميركية «تمثل نقلة مهمة على صعيد الإصلاحات المطلوبة في البوسنة من أجل الانضمام للشراكة الأورو- أطلسية». بينما يرى مؤسس حزب «من أجل البوسنة» وعضو مجلس الرئاسة البوسني، الدكتور حارث سيلاجيتش، أن «المقترحات الأوروبية - أميركية، لا تحقق الحد الأدنى لبناء دولة طبيعية»، وبالتالي فهو يرفض هذه المقترحات.

وقال الكاتب الصحافي أنس دغونوزوفيتش لـ«الشرق الأوسط» إن «السياسة الدولية حيال البوسنة غير واضحة، ومن لهم تأثير لا يعرفون بالتحديد ما الذي يجب أن تكون عليه البوسنة». أما المحلل السياسي أنيس بينيون فيرى أن «السياسة الدولية حيال البوسنة غير واضحة، فالغربيون لا يعرفون أو لم يقرروا بعد ما الذي يجب أن تكون عليه البوسنة، وكان الأمر كذلك إبان الحرب» في التسعينات. وتابع: «هم يبحثون عن مصالحهم، ولا يوجد موقف واحد تجاه البوسنة في كل من أوروبا والولايات المتحدة». وحول ما يقال عن وجود خلاف بين بروكسل وواشنطن بخصوص الإصلاحات المطلوبة في البوسنة، علق بينيون أن «هذا تبادل للأدوار من وجهة نظري».

وأعرب بينيون عن تفاؤله رغم تأكيده على أنه سيكون هناك حل في نهاية المطاف. وانتقد الموقف الصربي الذي يلعب على المتناقضات الدولية فقال: «الصرب كانوا ضد اتفاقية دايتون، ولا يعتبرون البوسنة دولتهم، والآن يرفضون الإصلاحات باسم التمسك باتفاقية دايتون». وأشار إلى أنه عمل استطلاعا حول موقف المجتمع الدولي، وكانت النتيجة شبه إجماع على أن اتفاقية دايتون لم تحل مشاكل البوسنة. وعن الموقف الذي يجب أن يتبعه السياسيون البوشناق قال: «كان علينا التوقيع على ما تم طرحه وترك المجتمع الدولي وجها لوجه مع الصرب».