صرح وجهاء كبرى القبائل البشتونية في جلال آباد، معقل حركة طالبان، أول من أمس بأنهم وافقوا على دعم القوات الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة في قتال المتمردين من طالبان وإحراق منزل أي أفغاني يقدم الدعم أو يؤوي أيا من مقاتليها. وكان وجهاء قبيلة «الشينواري»، التي يقارب عدد أفرادها 400.000 فرد القاطنة في شرقي أفغانستان، قد تعهدوا أيضا بإرسال فرد واحد على الأقل ممن هم في سن التجنيد من كل عائلة إلى الجيش أو الشرطة الأفغانية في حال وقوع هجوم من طالبان. وفي مقابل حصولهم على الدعم، وافق القادة الأميركيون على تقديم مليون دولار لمشروعات التنمية بصورة مباشرة إلى القادة القبليين متجاوزين الحكومة المحلية التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها فاسدة. وقال مالك نياز، أحد وجهاء قبيلة «الشينواري»: «كانت طالبان تحاول تدمير قبيلتنا فقد كانوا يحصلون منا على المال ويأخذون أولادنا للقتال. وإذا ما تحدونا الآن فسوف نهزمهم». ويبدو أن التحالف الجديد سيكون الأول من نوعه الذي تقوم فيه قبيلة بشتونية بالكامل بإعلان الحرب على متمردي طالبان. لكن الاتفاق، على الرغم من أنه يبدو واعدا، فإنه هش للغاية. فولاءات الأفغان معروفة على مدى التاريخ بأنها غير مستقرة. ففي الماضي لم تتمكن الحكومة من وقف انتقام طالبان من وجهاء القبائل الموالين لها. وربما يصعب تكرار مثل هذا التحالف لأنه ناجم عن خلاف محلي وتوترات اقتصادية مع طالبان. على الرغم من وحدة «الشينواري» الآن ضد طالبان، فإنه حال انقطاع المساعدات الأميركية أو ازدادت العداوة مع الحكومة الأفغانية يمكن للقبيلة أن تغير من ولاءاتها بسرعة. علاوة على ذلك، لم تتضح بعد قدرة هؤلاء الوجهاء على السيطرة على ولاءات رجالهم، فبعد 30 عاما من الحروب المتواصلة تعرضت كثير من الشبكات الاجتماعية إلى التدمير أو الضعف. وباتت طالبان أقوى من القبائل ذاتها في كثير من المناطق. في الماضي كان كثير من قادة القبائل يتعرضون للقتل أو التهديد على أيدي مقاتلي طالبان إذا ما تحدوا سلطاتهم ولم تكن أي من القوات الأميركية أو الحكومة قادرة على حمايتهم. وقال كثير من وجهاء قبيلة «الشينواري» يوم الأربعاء إنهم تلقوا بالفعل تهديدات بالقتل، وقد قتل أخ لأحد هؤلاء الوجهاء الذي يعمل حاكما لإحدى المقاطعات.
ويعتبر الاتفاق الجديد أحد أوجه استراتيجية سياسة العصا والجزرة التي تنتهجها الولايات المتحدة نحو طالبان في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بإرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان على أمل زيادة عدد العقبات التي يمكن أن تجعل طالبان أكثر رغبة في التفاوض. وفي الوقت الذي تكافئ فيه القوات الأميركية القبائل التي تحارب طالبان، كشفت الحكومة الأفغانية الخميس عن آخر خططها لاستقطاب كل من مقاتلي طالبان وقادتها. وتأمل الخطة في تعويض عوامل الفشل السابقة التي لم تجد التمويل الكافي والتي افتقرت إلى شراء الحلفاء ولم تمنع من القتل بدافع الانتقام. تحمل الخطة الجديدة مسارين: إعادة دمج مقاتلي طالبان في المجتمع الأفغاني، والسماح لقادة طالبان بلعب دور سياسي في أفغانستان. وتريد حكومة حميد كرزاي من الدول التي حضرت المؤتمر الدولي في لندن دعم الخطة والموافقة على تمويلها، على الأقل بصورة مبدئية. وفي مقابل طي صفحة الماضي والموافقة على الالتزام بالقانون الأفغاني سيضمن مقاتلو طالبان الحصول على وظائف وعفو. يأتي الاتفاق الجديد مع قبيلة الشينواري تكرارا لاستراتيجية مشابهة طبقت خلال حرب العراق في أواخر عام 2006، التي أسهمت في النهاية في انخفاض العنف بصورة ملحوظة، حيث انقلب قادة القبائل السنية في العراق ضد «القاعدة في بلاد الرافدين» ووحدوا قواتهم مع القوات الأميركية وعرفت هذه القوات آنذاك باسم «قوات الصحوة». لكن أحدا لا يتوقع أن تتمكن الولايات المتحدة من تكرار السيناريو نفسه على النطاق الواسع ذاته كما حدث في العراق، لأن طالبان لم تقم فقط بقتل وترهيب كثير من القادة المحليين في العديد من مناطق طالبان، بل لأن المقاتلين تغلغلوا داخل النسيج القبائلي الأفغاني. في المقابل، في هذا الجانب من أفغانستان فإن الولاءات القبلية قوية والتوترات بين الشينواري وطالبان تمتد منذ أمد بعيد. وقد طفا الصراع بينهما على السطح في يوليو (تموز) الماضي عندما أصر اثنان من قادة قبيلة «الشينواري» - مالك نياز ومالك عثمان - على أن يقوم قائد طالباني محلي يدعى كونا بالإقامة بمعزل عن مجموعة المهندسين الأفغان الذين كانوا يقومون ببناء طريق في سد في الوادي. وعندما اختطف رجال كونا اثنين من المهندسين، قرر رجال «الشينواري» التحرك فقد ضاقوا ذرعا بتصرفات طالبان. وفي المواجهة التي أعقبت ذلك قتل اثنان من أتباع قبيلة «الشينواري» قائدا محليا كبيرا في طالبان كان قد قدم من باكستان وطاردوا كونا حتى الحدود. بعد ذلك أنشأ نياز وعثمان ميليشيا محلية لإبعاد مقاتلي طالبان عن الوادي. وقال نياز في مقابلة معه في نوفمبر (تشرين الثاني): «كانت القبيلة كلها معي. أتت طالبان لقتلي وبدلا من أن تقتلني قتلناهم». وللنزاع أيضا عنصر اقتصادي. فكثير من قبيلة «الشينواري» يكسبون قوتهم من التهريب عبر الحدود الباكستانية المجاورة. ويشير بعض السكان المحليين إلى أن طالبان حاولت السيطرة على أعمال القبيلة ومسارات التهريب. لفت النزاع انتباه وحدات القوات الأميركية الخاصة التي هبطت إلى وادي موماند بالطائرات المروحية وقدمت المساعدة للسكان «الشينواري» المحليين حيث قدموا لهم الذخيرة والطعام، على حسب رواية القوات الأميركية. وقال نياز وعثمان أول من أمس إن فرق القوات الخاص الأميركية لم تزرهم منذ أسابيع عديدة. بيد أنهم أكدوا أنهم قرروا طلب مساعدة باقي أفراد القبيلة. من جانبها، قالت القوات الأميركية في جلال آباد إنها كانت مندهشة من قرار وجهاء «الشينواري» عندما اجتمع مجلس القبيلة - المسمى «الشورى» - الأسبوع الماضي وقرر 50 من قادتها مواجهة طالبان. وينص الاتفاق على أن «تقف قبيلة الشينواري صفا واحدا في وجه كل الجماعات المتمردة خاصة طالبان».
* خدمة «نيويورك تايمز».