اعتبر اليمن، أمس، أن ما أعلنه زعيم المتمردين، عبد الملك الحوثي، بشأن الانسحاب من الأراضي السعودية، يعد «مراوغة وكذبا وخداعا».. ناتجة عن ضعف وشعور بالهزيمة الكبيرة التي لحقت بقواته. واعتقلت أجهزة الأمن اليمنية، صباح أمس، الشيخ فارس مناع، رئيس لجنة الوساطة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، من دون ذكر أسباب الاعتقال، في وقت بدأت فيه السلطات اليمنية في تنفيذ سلسلة من الإجراءات «الاحترازية المشددة» والهادفة إلى منع «تسلل أي عناصر إرهابية إلى الأراضي أو السواحل اليمنية ضمن قوافل النازحين الأفارقة التي تتدفق إلى اليمن».
وقال مصدر في وزارة الدفاع اليمنية، أمس، إن «ما أعلنه الإرهابي عبد الملك الحوثي بشأن الانسحاب من الأراضي السعودية، ليس سوى محاولة جديدة للمراوغة والكذب والخداع». وقال إن «الحوثي لم يعلن إنهاء مغامراته الفاشلة إلا من وهن وضعف وشعور بالهزيمة الكبيرة، التي لحقت به وزمرته، بعد أن تم دحرهم من المواقع التي قاموا بالاعتداء عليها كافة، حيث تم تلقين الحوثيين الضربات الموجعة والساحقة سواء من جانب القوات السعودية أو القوات اليمنية».
وأعلن الحوثي الاثنين الماضي وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية مع الجيش السعودي، والانسحاب من الأراضي السعودية التي قام المسلحون الحوثيون بالاعتداء عليها، في المناطق الحدودية مع اليمن، وقال الحوثي إن هذه الخطوة التي يقدمون عليها ترجع إلى «الرغبة» في «حقن الدماء»، و«حفاظا على المدنيين».
وأضاف المصدر في وزارة الدفاع إن «القوات اليمنية تواصل زحفها وتقدمها لتطهير الأوكار التي توجد فيها تلك العناصر الإرهابية في محور الملاحيظ أو في محوري صعدة وسفيان». وأكد المصدر العسكري اليمني أن «القوات المسلحة اليمنية وقوات الأمن ستظل تواصل عملياتها ضد هذه العناصر الإرهابية المارقة، حتى تعلن التزامها بتنفيذ النقاط الست التي سبق للحكومة اليمنية أن أعلنتها كشرط لوقف العمليات العسكرية ضد تلك العناصر، والبدء فعليا في تنفيذها بما يضمن إحلال السلام وعودة الأمن والسكينة العامة إلى محافظة صعدة».
وكانت الحكومة اليمنية قد اشترطت على الحوثيين أن «ينزلوا من الجبال ويسلموا الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للسلطات اليمنية ويسلموا الآليات التي نهبوها، ويطلقوا سراح المختطفين من العسكريين والمدنيين، ويتعهدوا بعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية في المديريات التي تقع في نطاق محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان، والالتزام بفتح الطرق في أرجاء محافظة صعدة».
على صعيد آخر، قالت مصادر يمنية إن أجهزة الأمن اليمنية اعتقلت صباح أمس الشيخ فارس مناع، رئيس لجنة الوساطة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين وشقيق محافظ صعدة، وذلك بعد محاصرة منزله في صنعاء، ولم تعرف بعد الأسباب الكامنة وراء الاعتقال. كما رفض أحد الموجودين في منزل الشيخ مناع في صنعاء تأكيد الخبر أو نفيه، لكن مصدرا مقربا إلى مناع أكد الخبر لـ«الشرق الأوسط»، وقال إنه معتقل في جهاز الأمن القومي (المخابرات)، مشيرا إلى أنه لا يعرف أسباب الاعتقال. وكانت السلطات وضعت، مؤخرا، قائمة سوداء بأسماء تجار السلاح في البلاد، عقب اكتشاف سفينة صينية في ميناء الحديدة على البحر الأحمر في غربي اليمن، وهي تحمل شحنة كبيرة من الأسلحة أريد إدخالها إلى البلاد بوثائق مزورة تتبع وزارة الدفاع اليمنية، وكان مناع على رأس تلك القائمة.
إلى ذلك، قالت السلطات اليمنية إنها بدأت في تنفيذ سلسلة من الإجراءات «الاحترازية المشددة» والهادفة لمنع «تسلل أي عناصر إرهابية إلى الأراضي أو السواحل اليمنية ضمن قوافل النازحين الأفارقة التي تتدفق إلى اليمن بشكل مستمر». وذكرت المصادر أن بين تلك الإجراءات «تعزيز الرقابة البحرية على السواحل اليمنية سواء في البحر الأحمر أو خليج عدن، وأيضا ضرورة التسجيل الفوري لكل النازحين بغرض اللجوء الإنساني، سواء في المنافذ المخصصة لذلك أو أماكن استقبالهم، فضلا عن تكثيف الحملات الميدانية في مختلف المدن الرئيسية لضبط المخالفين لقواعد النزوح والقوانين اليمنية»، إضافة إلى «ترحيل الكثير من العناصر النازحة التي لا يوجد لديها أي وثائق» مشيرا إلى ترحيل نحو 2000 إثيوبي خلال الفترة الأخيرة، «وستتم متابعة أي عناصر لا تلتزم بالقوانين اليمنية واتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها». وقال مصدر أمني إن هذه «الإجراءات المشددة تأتي عقب التهديدات التي أعلنتها جماعة شباب المجاهدين الإرهابية في الصومال، والتي قالت فيها إنها ستمد الإرهابيين في اليمن بالسلاح والعتاد والأفراد».
من جهة ثانية، تواصلت أمس التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية في محافظات جنوب اليمن ومدنه. وفيما تسميه قوى «الحراك الجنوبي» وفصائله بـ«يوم الأسير الجنوبي»، كل خميس، خرج آلاف المتظاهرين في محافظات: الضالع، لحج، أبين وغيرها من المدن، وذلك للمطالبة بإطلاق سراح عشرات المعتقلين على ذمة المشاركة في تظاهرات تعتبرها السلطات اليمنية «غير مرخصة»، في حين يعتقل ويحاكم البعض الآخر بتهمة «المساس بالوحدة الوطنية».
وأعلنت وزارة الداخلية اليمنية، أمس، اعتقال 15 شخصا من عناصر «الحراك الجنوبي»، الذين وصفتهم بـ«الخارجين على القانون» و«مثيري الشغب»، وذلك على خلفية تظاهرات شهدتها مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، مساء أول من أمس، وجرى خلالها إحراق إطارات السيارات ورشق رجال الأمن بالحجارة والألعاب النارية، حسب وزارة الداخلية. وأضاف مركز الإعلام الأمني التابع للوزارة أن «الخارجين على القانون، وبعد أن تمكن رجال الأمن من تفريقهم من على الخط البحري، انتقلوا إلى حي الديس، وكرروا أعمال الشغب والفوضى نفسها، بالإضافة إلى قذف رجال الأمن بالزجاجات الحارقة بهدف المساس بالأمن والاستقرار في مدينة المكلا»، مشيرا إلى أن «رجال الأمن قاموا بإخماد الحرائق التي أشعلها الخارجون على القانون في عدد من شوارع المدينة».
وفي الوقت الذي قالت السلطات إن المعتقلين سيحالون إلى القضاء للتحقيق معهم، كانت أجهزة الأمن في محافظتي لحج والضالع، قد اعتقلت خلال الأسبوع الماضي قرابة 60 من المشاركين في أعمال الاحتجاجات التي صعدتها قوى «الحراك» بمناسبة مؤتمر لندن للمانحين، وذلك للفت انتباه المشاركين فيه إلى «القضية الجنوبية»، وتطالب تلك القوى التي حلت محل الأحزاب السياسية في جنوب اليمن، بـ«فك الارتباط» بين الشمال والجنوب.
وعلى صعيد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، أعلنت اللجنة التي تعد لهذا المؤتمر إرجاءه إلى يوم الاثنين المقبل، بدلا من يوم غد السبت حسبما كان مقررا من قبل، وهذا هو التأجيل الثالث للحوار الوطني. وقالت مصادر في اللجنة التي يقودها عبد العزيز عبد الغني، رئيس مجلس الشورى، إن هذا التأجيل يمنح فرصة لأحزاب اللقاء المشترك التكتل الرئيسي المعارض في اليمن، والذي يضم 6 أحزاب منها 4 أحزاب ممثلة في البرلمان، وهي الأحزاب التي أبرمت مع الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام، الذي يرأسه الرئيس علي عبد الله صالح، اتفاقا في فبراير (شباط) من العام الماضي، يقضي بتأجيل الانتخابات النيابية التي كان مقررا أن تجري في الـ27 من أبريل (نيسان) الماضي، إلى التاريخ نفسه من عام 2011. وجرى بموجب هذا الاتفاق تمديد عمر البرلمان الحالي عامين آخرين، إضافة إلى فترته المحددة في الدستور اليمني الحالي، فيما كانت قيادة أحزاب المعارضة قد أكدت أول من أمس عدم مشاركتها في الحوار الوطني، ودعت الملتزمين في هذه الأحزاب إلى عدم المشاركة فيها. وقدرت اللجنة المعنية بالحوار الوطني أن يشارك فيه 8 آلاف من كل المحافظات والمديريات وممثلين عن الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات المدنية.
ويأتي هذا التأجيل بعد يوم واحد من مؤتمر لندن، الذي دعا إلى تنمية اقتصادية وإصلاحات سياسية في اليمن، الذي يشن حربا على تنظيم القاعدة، وهو ما يعزز رصيد الرئيس علي عبد الله صالح، والحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام إزاء مواقف المعارضة وعلاقاتها بالحزب الحاكم، التي تدهورت منذ ما قبل اتفاق فبراير. ويضم هذا التكتل أحزاب الإصلاح والاشتراكي والوحدوي الشعبي الناصري وحزب البعث واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق.