تعيش العاصمة المغربية (الرباط)، وجارتها مدينة سلا، منذ عدة أسابيع أزمة مواصلات خانقة غير مسبوقة، مما أدى إلى ارتباكات في الحياة اليومية للناس، وإجبار بعضهم على ركوب وسائل نقل لم يستخدموها من قبل.
بدأت هذه الأزمة منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما انسحبت - دون سابق إنذار - مجموعة كبيرة من الحافلات من شوارع العاصمة المغربية احتجاجا على قرار إبدالها بشركة جديدة، قيل إنها ستستخدم حافلات عصرية ذات مستوى راقٍ.
هذا الإضراب المفتوح من قبل مالكي الحافلات القديمة وتأخر الشركة الجديدة في تشغيل الحافلات الجديدة المطلوبة، لأسباب متباينة، من بينها أن السلطات لم تحترم الموعد المتفق عليه لعمل حافلاتها الجديدة، أدى إلى ظهور وسائل نقل عشوائية بديلة. ولقد انتشرت هذه الأخيرة في شوارع الرباط حيث لجأ إليها الركاب وهم في حالة اضطرار للوصول إلى أماكن عملهم ومنازلهم.
هذا النوع من المركبات يتفاوت ما بين سيارات لنقل الركاب بين المدن وشاحنات صغيرة لنقل البضائع، وحتى الدواب في الأسواق الأسبوعية في القرى والدساكر، وهو ما يعرف في المغرب باسم «النقل السرّي»، أي غير المرخص به. واليوم يشتهر السائقون، الذين يمارسون هذه المهنة، باسم «الخطّافة»، أي أولئك الذين يمارسون عمليات «خطف» غير مشروعة للركاب من وسائل النقل العادية، سواء كانت حافلات أو سيارة الأجرة (التاكسي).
ولقد غدا أمرا عاديا مشاهدة أنواع مختلفة من وسائل النقل هذه، وهي تقف على جنبات شوارع الرباط الرئيسية، حيث ينادي السائقون على الركاب بعد أن يحددوا لهم وجهتهم. وهذا، من دون أي اكتراث بملاحقة الشرطة، كما كان يحدث في السابق عندما كان يظهر هذا النوع من وسائل النقل العشوائية أثناء فترات إضرابات الحافلات أو سيارات الأجرة، مطالبين بالزيادة في تعريفة النقل، وقتها لم تكن تتجاوز فترات تلك الإضرابات الـ48 ساعة.
ثمة إجماع على أن هذه المركبات، التي دخلت إلى شوارع الرباط، مستغلة وضعية خاصة، فاقمت أزمة المرور، التي تشهدها العاصمة أصلا، نتيجة لأعمال الإصلاحات والتغييرات في شوارع المدينة ترقبا لاستقبال قطارات الترام (الترامواي)، الذي سيبدأ رحلاته التجريبية في مايو (أيار) المقبل. ثم إنها لم تساعد البتة في التخفيف من شكاوى الركاب من زيادة أسعار النقل المعهودة، وتعرضهم لعدة مخاطر.
أما المفارقة الأكثر غرابة، فهي أن سيارات خاصة أنيقة لبعض الشرائح المجتمعية، من بينها سيارات موظفين، اقتحمت مجال «النقل السرّي». وأصبح معتادا أن يجد الركاب في إحدى محطات الحافلات سائق سيارة أنيقا يدعوهم إلى الركوب في سيارته لنقلهم إلى الجهة المطلوبة مقابل مبلغ معين يشترطه على الراكب. وبالفعل، صار البعض يستجيب من دون تردد، بينما البعض الآخر يتردد مرتابا - وخاصة النساء اللائي لا يثقن في نوايا بعض السائقين - في الركوب مع هذا «الجيل الجديد» من السائقين. واللافت أن المتمرسين في استعمال وسائل «النقل السرّي» من «الخطّافة» يبدون استياءهم وحنقهم من هؤلاء المنافسين الجدد، ويعتبرونهم «دخلاء» سيحرمونهم من الرواج الذي تتمتع به «مهنتهم» هذه الأيام في ظل أزمة المواصلات الحالية. كما زاد الأمر كذلك من حنق سائقي سيارات الأجرة العاملين داخل المدينة، الذين استفادوا كثيرا من نقص الحافلات. إذ لجأ إليهم الركاب بكثرة على الرغم من أن الغالبية يصعب عليهم استعمال سيارة الأجرة كوسيلة للنقل اليومي، نظرا لارتفاع تكلفتها التي تفوق قدرة الشرائح المتواضعة، مقارنة بتكلفة الحافلات.