الكونغرس يؤيد التجديد لبن برنانكي لفترة جديدة كرئيس للاحتياطي الأميركي

اعتبر بمثابة انتصار لأوباما الذي وصف بن برنانكي بأنه العقل المدبر لجهود التعافي الاقتصادي

TT

صدق مجلس الشيوخ على منح بن برنانكي، فترة ثانية في منصبه كرئيس لمصرف الاحتياطي الفيدرالي، مساء أول من أمس، بعدما تعرض المصرف لانتقادات شديدة بسبب سلوكه خلال السنوات السابقة للأزمة المالية.

ويعد عدد الأصوات التي حظي بها بن برنانكي، 70 صوتا مقابل 30 صوتا، أدنى عدد أصوات يحصل عليها رئيس للمصرف على الإطلاق طوال عمر المصرف الممتد لـ96 عاما.

وجاء التصديق على تمديد عمل بن برنانكي بمثابة انتصار للرئيس أوباما، الذي وصف بن برنانكي بأنه العقل المدبر لجهود التعافي الاقتصادي، ويعد قرار التصديق أيضا مؤشرا على مدى مشاعر الغضب التي انصبت على مصرف الاحتياطي الفيدرالي، الذي لم يكن معروفا على نطاق واسع من قبل لدى الرأي العام، بسبب ارتفاع معدلات البطالة والإعانات المالية التي جرى تقديمها إلى المصارف.

على امتداد ساعات طويلة من الجدال، قال أعضاء بمجلس الشيوخ، إن مصرف الاحتياطي الفيدرالي حرض على، ثم تجاهل، الفقاعات التي ظهرت على صعيدي الإسكان والاعتمادات، وسمح للمصارف بالاحتفاظ باحتياطيات بالغة الضآلة من رؤوس الأموال واتخاذ قرارات متهورة بمجال الإقراض، مما أتى بنتائج كارثية على المستهلكين، بل ألقى البعض باللوم على عاتق بن برنانكي لتراجع قيمة الدولار، وأثاروا الشكوك حول مدى التزامه باقتصاد السوق.

في المقابل، لم تعلُ أصوات أنصار بن برنانكي في الدفاع عنه، وقد اعترفوا بأن مصرف الاحتياطي الفيدرالي اقترف أخطاء، لكن بن برنانكي ساعد في إنقاذ الاقتصاد من فترة ركود أسوأ بكثير.

بعد أسبوع من لقاء مسؤولين رفيعي المستوى بالبيت الأبيض وبن برنانكي مع قيادات ديمقراطية داخل مجلس الشيوخ لضمان الحصول على تأييدهم، صوت مجلس الشيوخ بـ77 صوتا مقابل 23 صوتا لغلق باب المناقشة، مع ضرورة الحصول على أكثر من 60 صوتا لتجنب خطر التعرض لأساليب التعطيل.

في تصويت ثانٍ، للتأكيد على النتيجة، تمثلت الأصوات الـ30 المنشقة في 18 من الجمهوريين و11 من الديمقراطيين وصوت مستقل، وهو بيرنارد ساندرز من فيرمونت.

مساء الخميس، هنأ أوباما بن برنانكي في بيان أصدره قال فيه: «مع استمرار مواجهة الأمة لتداعيات أسوأ ركود تتعرض له على مدار جيل، قدم بن برنانكي الحكمة والقيادة الدؤوبة في خضم الأزمة المالية والاقتصادية».

في الوقت الذي تمكنت حملة ضغوط قادتها الإدارة من تقليص المعارضة، يتمثل الاحتمال الأكبر في استمرار تداعياتها وأصدائها الانتقادات الشديدة ضد مصرف الاحتياطي الفيدرالي على السياسات الاقتصادية بوجه عام، وعلى قيادة بن برنانكي مصرف الاحتياطي الفيدرالي على وجه خاص، ويمكن ملاحظة هذه التأثيرات في النقاش الدائر حول كيفية إصلاح التنظيمات المالية، من جانبها، اقترحت إدارة أوباما دمج التنظيمات المتعلقة بالمخاطرة تحت مظلة مصرف الاحتياطي الفيدرالي، بينما أبدى بعض أعضاء الكونغرس رغبتهم في تجريد المصرف من سلطته الإشرافية.

من جهته، قال ستيفن إتش أكسلرود، الذي عمل في مصرف الاحتياطي الفيدرالي لمدة 34 عاما، وألف كتابا حول سياساته النقدية: «لقد تعرضت المكانة المؤسساتية لمصرف الاحتياطي الفيدرالي، حتى من دون هذا التصويت، لضربة قوية، يرجع تاريخها تقريبا إلى فترة وقوع الكارثة في سبتمبر (أيلول) 2008، ولا أعتقد أن المصرف تعافى منها بعد، إن الفترة الراهنة تشكل نقطة منخفضة في المنحنى البياني للمصرف في السنوات الأخيرة، وهذه حقيقة مؤكدة».

علاوة على ذلك، أوضح التصويت الذي شهده مجلس الشيوخ إصرار الكونغرس على التزام المصرف للشفافية، يذكر أن المصرف تميز على امتداد تاريخه بالتكتم والسرية وتدخل على نحو غير اعتيادي في السوق منذ عام 2008.

من جانبه، قال باري إيشنغرين، بروفسور الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في بيركيلي: «سيتعين على المصرف العمل بجد على مدار فترة طويلة من أجل استعادة ثقة الرأي العام بالمستوى الذي حظي به خلال الفترة التي سارت فيها الشؤون الاقتصادية بسلاسة».

الملاحظ أن أعضاء بمجلس الشيوخ من مختلف الأطياف السياسية شكلوا مع بعض تحالفا فريدا من نوعه، فبعدما فرغ ساندرز، الذي يصف نفسه بأنه اشتراكي، من التنديد ببن برنانكي، نهض جيف سشنز، عضو الحزب الجمهوري ذو التوجهات المحافظة من ولاية ألاباما، وشرع في الأمر ذاته.

وانتقد عضو آخر من ألاباما، وهو ريتشارد سي شيلبي، الجمهوري البارز في لجنة الصرافة، التي صدقت على تمديد عمل بن برنانكي الشهر الماضي بـ16 صوتا مقابل 7 أصوات، بن برنانكي، موضحا أن تعامله مع الأزمة المالية لم يعوض إخفاقاته السابقة لذلك.

وأضاف شيلبي «وقع دمار اقتصادي كبير جراء السياسة النقدية المهلهلة التي انتهجها بن برنانكي والإشراف التنظيمي الضعيف، وإذا لم نحاسب بن برنانكي، فإننا نقر سابقة خطيرة أمام المسؤولين المعنيين بالتنظيمات في المستقبل».

الملاحظ أنه إلى حد ما، عكس الخطاب القائم ضد بن برنانكي مشاعر إحباط إزاء اثنين من المتعاونين معه: هنري إم بولسون، وزير الخزانة السابق، وتيموثي إف غيتنر، وزير الخزانة الحالي.

ويخيم على الموقف برمته دور سلف بن برنانكي، آلان غرينسبان، الذي تشوهت سمعته التي كانت في عنان السماء في وقت من الأوقات مع تصاعد التساؤلات حول قراراته بالإبقاء على معدلات الفائدة منخفضة بعد الركود الذي شهده عام 2001.

كان بن برنانكي (56 عاما) عضوا في مجلس إدارة مصرف الاحتياطي الفيدرالي في ذلك الوقت، بين عامي 2002 و2005، عندما اختاره الرئيس جورج دبليو بوش لترأس مجلس المستشارين الاقتصاديين المعاونين له عام 2006، عاود بن برنانكي الانضمام إلى مصرف الاحتياطي الفيدرالي، وأعاد الرئيس أوباما اختياره العام الماضي، يذكر أن بن برنانكي خبير اقتصادي من أعضاء الحزب الجمهوري ولديه خبرة كبيرة في مجال التعامل مع الكساد.

من ناحيته، قال السيناتور جيم بننغ، عضو الحزب الجمهوري من كنتاكي، الذي كان الصوت الوحيد ضد بن برنانكي عام 2005: «علمت أنه سيستمر على نهج آلان غرينسبان، وكنت محقا في اعتقادي هذا».

وأشار بننغ إلى قرابة 6 خطابات ألقاها بن برنانكي بين عامي 2007 و2009 أعرب خلالها عن تفاؤله إزاء سوق الإسكان ومعدلات رؤوس الأموال لدى المصارف وإعادة رسملة «فاني ماي» و«فريدي ماك» ومعدلات البطالة، وأضاف أن بن برنانكي كان مخطئا في وجهات نظره، مؤكدا أنه «لا ينبغي أن ندفع لرئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي راتبه كي يتعلم وهو في منصبه».

وأعرب السيناتور شيلدون وايتهاوس، عضو الحزب الديمقراطي عن رود آيلاند، عن وجهة نظر مشابهة، حيث قال إن بن برنانكي أبدى «نمطا مثيرا للقلق من الثقة الكاذبة»، وزاد السيناتور جيف ميركلي، الديمقراطي من ولاية أوريغون، على هذا بقوله إن مصرف الاحتياطي الفيدرالي «ساعد في إشعال النار التي دمرت اقتصادنا».

على الرغم من كونهم أقل حماسا في التعبير عن آرائهم، أكد أنصار بن برنانكي أنه عمل بدقة وحسم، على الأقل منذ انهيار «ليمان برزرز» في سبتمبر 2008.

في هذا الصدد، أوضح السيناتور جود غريغ، عضو الحزب الجمهوري من نيو هامبشير، أنه «سمح لمصرف الاحتياطي الفيدرالي بصورة أساسية بالتحول إلى جهة إقراض للأمة، ولم يفعل هذا الأمر أحد من قبل قط، وكان السبيل الذي حقق ذلك من خلاله استثنائيا وإبداعيا، وكانت النتيجة أن النظام المالي للبلاد لم ينهر».

يذكر أن آخر مرة واجه فيها مرشح لرئاسة مصرف الاحتياطي الفيدرالي مثل هذا القدر من المعارضة كانت عام 1983، عندما صدق مجلس الشيوخ على تعيين بول إيه فولكر لفترة ثانية بـ84 صوتا مقابل 16 صوتا، وقد تولى فولكر أيضا رئاسة المصرف في عهد رئيسين من حزبين مختلفين ونجح في العبور بالمصرف من فترة ركود صعبة.

إلا أنه في الوقت الذي رفع فيه فولكر معدلات الفائدة بدرجة بالغة من أجل التصدي للتضخم (إجراءات افتقرت في البداية إلى الشعبية، لكن أُثني عليها لاحقا) واجه بن برنانكي تحديا مختلفا، أبقى مصرف الاحتياطي الفيدرالي على معدلات الفائدة على المدى القصير بالقرب من الصفر منذ ديسمبر (كانون الأول) 2008، أعيد التأكيد على هذه السياسة الأربعاء، في الوقت الذي يتوقع محللون أن تبدأ المعدلات في الارتفاع لاحقا هذا العام، سيمثل حجم وتوقيت الزيادة تحديا، وكذلك الحال مع تفكيك برامج الإقراض الطارئة التي أقامها المصرف وشرائه أوراقا مالية مدعومة برهون عقارية بقيمة 1.25 تريليون دولار.

لا يرغب الكثير من السياسيين في أن يوقف مصرف الاحتياطي الفيدرالي تعافي الاقتصاد لنشاطه من خلال رفع معدلات الفائدة، في الواقع، أبدى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، من نيفادا، تأييدا فاترا الأسبوع الماضي بعد أن أخبر بن برنانكي بأن مصرف الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يبذل مزيدا من الجهود لتيسير تقديم قروض للأسر والشركات الصغيرة، في الوقت الذي أعلن المصرف أن بن برنانكي لم يصرح بأي تعهدات محددة أمام ريد، سيستمر المصرف في مواجهة رقابة وثيقة لإجراءاته. في هذا الصدد، قال أكسلرود: «لقد انهارت استقلالية المصرف عن الضغوط السياسية، وإذا كانت السوق ترى أن المصرف لن يسيطر على التضخم، سيظهر مزيد من التضخم».

بن شالوم برنانكي

* ولد بن شالوم برنانكي في بلدة أوغستا بولاية جورجيا الأميركية في 13 ديسمبر (كانون الأول) 1953، إلا أنه تربي في بلدة ديلون بولاية ساوث كارولينا، وتلقى تعليمه الجامعي في جامعة هارفارد وحصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد عام 1975. بينما تلقى شهادة الدكتوراه من كلية ماساشوستس للتكنولوجيا بعدها بأربع سنوات. وانضم بعد ذلك لهيئة التدريس في معهد إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد منذ عام 1979 حتى عام 1985، كما كان أستاذا زائرا في جامعة نيويورك، كما أصبح أستاذا ثابتا في جامعة برنستون.

وعندما كان مراهقا في الستينات في بلدة ديلون كان يشارك في النشاطات الدينية في الكنيس المحلي.. وكانت أسرته تشعر بالقلق من أنه سيفقد هويته اليهودية إذا ما ذهب إلى جامعة هارفارد لتلقي تعليمه. وقد تولى كينيث مانينغ، وهو أميركي أفريقي أصبح أستاذا لمادة تاريخ العلوم في كلية ماساشوستس، مساعدته في إقناع أسرته «بوجود يهود في بوسطن». وقد اصطحبه إلى كنيس محلي في بوسطن، للمرة الأولى.

وقد أصبح عضوا في مجلس إدارة نظام الاحتياط الفيدرالي حتى عام 2005.

وفي أول فبراير (شباط) 2006 جرى تعيينه في مجلس إدارة مجلس الاحتياط الفيدرالي، ورئيسا للمجلس لمدة أربع سنوات. وبحكم منصبه أصبح عضوا في مجلس الإشراف على الاستقرار المالي في عهد الرئيس السابق جورج بوش.

وقد احتفظ به الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما في منصبه. وفي أغسطس 2009 أعلن أوباما أنه سيرشح برنانكي لفترة ثانية في منصب رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي.

وهو متزوج من آنا فورد، وهي مدرسة التقاها عندما كانت طالبة في كلية ولسلي بمدينة بوسطن، خلال دراسته في كلية ماساشوستس للتكنولوجيا، في ضواحي المدينة.

* خدمة «نيويورك تايمز»