سليمان الدخيل.. المهاجر النجدي والتاجر والناشر ورئيس التحرير

خرج إلى الدنيا قبل 140 عاما وأنشأ دارا وصحيفة في بغداد تحمل اسم «الرياض» * رحلة الهروب من غائلة الفاقة إلى التجارة والسياسة والثقافة * بريدة والزبير والبصرة والمدينة والهند وبغداد محطات مهمة للكاتب ورئيس التحرير

سليمان بن صالح الدخيل في صورة قديمة غير واضحة المعالم يعتقد أنها الصورة الوحيدة له نشرها موقع بني زيد («الشرق الأوسط»)
TT

قبل 141 عاما من اليوم وفي أحضان مدينة (بريدة) حاضرة القصيم، استقبل بيت الشيخ صالح الدخيل مولودا جديدا ليشيع البهجة في أرجائه ويشيد أملا حلوا في حنايا والديه، ومع إطلالة المولود على مسرح الحياة بدأت فصول قصة من قصص الرجال الذين خدموا الأمة وجعلوا حياتهم وقفا في سبيل رفعة شأنها.

كان القادم الجديد إلى هذه الحياة هو سليمان بن صالح الدخيل الذي هاجر ضمن رحلات النجديين إلى محطات عدة في هذه الأرض ليستقر به المقام بعد رحلات إلى الهند والزبير والمدينة المنورة والبصرة في كرخ بغداد لينشئ فيه دارا للنشر والطباعة والتأليف ومجلة عربية مما يعد أول نجدي يقوم بهذا العمل في العصر الحديث، وقبلها أصدر صحيفة تنطق بلسان حاله، وتعمل لسياسته، وكانت تناصب السلطان التركي العداء. ولقي من العنت والنصب وحكم عليه بالسجن ليهرب من بغداد ويستقر في المدينة المنورة ثم يعود إلى بغداد ويزاول مهنة الصحافة والتأليف لدرجة أن بعض علماء بغداد اختصه في تحرير وتصحيح ما يكتب من مباحث تتصل بتاريخ الجزيرة العربية، وبعد قيام الحكم الوطني في العراق التحق سليمان الدخيل بالعمل الإداري وتدرج في مدارجه حتى أصبح «قائمقام» إلى أن توفي في بغداد قبل 67 سنة من الآن بعد رحلة قضاها بالكد والألم، وهو في حال تصرخ بالفاقة والحرمان والعوز، مما اضطره إلى بيع كتب خزانته التي يعتز بها، وهي حصيلة ثروته في الحياة، كما باع مسودات مؤلفاته ومباحثه.

وظل الأديب والمؤرخ الدخيل منسيا ولم يذكره الذاكرون، حتى أحيا علامة الجزيرة العربية الشيخ الراحل حمد الجاسر سيرة الرجل ونشر للناس شيئا من آثاره ورصد الدكتور عبد الله الجبوري أحد أبرز المهتمين بالتراث، وعضو اتحاد الكتاب العراقيين وعضو رابطة الأدب الحديث بالقاهرة وصاحب أكثر من 50 أثرا مطبوعا، سيرة الدخيل وما قام به من جهد في تاريخ الجزيرة العربية الحديث وضمنه في كتاب حمل عنوان «سليمان بن صالح الدخيل الدوسري»، وصدر عن «دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع».

وبدأ المؤلف في الحديث عن أحد أعلام نجد في بغداد بالإشارة إلى أن بغداد شهدت إشراق نهضة مباركة في مطالع القرن الرابع عشر الهجري، في شتى مناحي الحياة الاجتماعية، وقد قام الأدباء بدور عظيم في بناء هذه النهضة.

كان ذلك في أخريات عهد، وبدايات عهد، حيث جنحت شمس السلطان العثماني نحو الأفول، وتململت الأمة لشهود فجر جديد طال انتظاره.

وللصحافة المجاهدة أثرها الكبير في إضاءة الدرب.. لما لها من سلطان على النفوس، حيث كانت تصرخ (أعمدتها) بلواعج الحداة من فرسان القريض، وتفيض حروفها بذوب أرواح صنّاع الحرف الخالد.. وعرفت دارة المحد (بغداد) لونا جديدا من ألوان الجهاد الأدبي في ظهور صحف آمنت بالحق العربي، ورضيت بالمر من لماظة العيش من أجل أداء الأمانة.. أمانة الكلمة الحرة.

ومن هذه الصحف.. صحيفة «الرياض».. التي شاركت في بناء صرح النهضة الفكرية الحديثة في بغداد.. وصاحبها هو سليمان الدخيل.

وفي مطالع القرن الرابع عشر الهجري، وفي سنة 1290هـ على وجه التعيين، أشرق طالع سعيد في بيت الشيخ صالح الدخيل، ليشيع البهجة في أرجائه، ويشيد أملا حلوا في حنايا والديه.. كان الوليد الجديد، واسمه: سليمان بن صالح الدخيل. يزحف في أحضان بلدته (بريدة) من إقليم القصيم، ويدرج في ملاعب الصبا، وهو يطوي في ضميره أعباء رحلة مضنية من عمره.

فكان كما أراد له أبوه من الوقوف على الثقافة العربية الإسلامية، فتعلم في كتاتيب (بريدة) وثقف شيئا من علوم العربية وعلوم الشريعة، فربّاه «والده أحسن تربية، وقرأ القرآن وحفظه وجوّده على مقرئ، كما تعلم الكتابة والحساب ومبادئ العلوم..».

وكان بيته من البيوتات الكريمة، وله من محتده ما يعضد مكانة والده، فهو دوسري المحتد، والدواسر كما هو معروف من قبائل الأزد القحطانية.

فبعد أن نال مطالب من علوم عصره، وأخذ من كل فن منها بطرف، انتقل إلى مدينة «الزبير» وكانت من حواضر الثقافة العربية الإسلامية في عصره، ثم انحدر إلى البصرة، ومنها أبحر إلى الهند.. ليتغلب على حوائج الفاقة، ويردي أسباب الغائلة، حيث ضاقت بوجهه مسالك العيش، فعمل هناك كاتبا عند أحد تجار نجد المقيمين في الهند، وهذا التاجر، هو: عبد الله بن محمد الفوزان (والد الشيخ المرحوم يوسف الفوزان).

وهناك اتصل ببعض رجال الحديث، وأخذ عنهم فأكمل ما نقصه من ثقافة في علوم الشريعة.

غير أن الشيخ سليمان، لم يرق له هذا النمط من أنماط الحياة.. فقفل إلى البصرة ليتصل بعمه الشيخ جار الله الدخيل الذي سبقه إلى بغداد، واتخذ من جانب الكرخ موطنا.. حيث إنها كانت مثابة لأهل نجد المهاجرين إلى بغداد.. فعمل معه، وكان عمه بحاجة إلى من يعضد نشاطه التجاري ويعلي من صوته السياسي، بعد أن أصبح وكيلا لإمارة ابن الرشيد في بغداد، وله وجاهة وصوت قوي، تجمعت أسبابهما من مالٍ ومن نسب، وقد عمل الشيخ سليمان على استمالة القلوب إليه.. معتمدا الرفادة وما جبل عليه من سجايا الخلق العربي.

فهو يهيمن على طريق البادية وتخضع قوافلها لسلطانه، وبإمرته تعنو أهناد الإبل، وكانت بضاعته ويستخدمها في تجارته وفي (المواصلات).. وله مضرب يعج برواده من أهل البدو والحضر.

ورجل هذه بعض صفاته، ولعله له مطامح أخرى في السلطان، أراد أن تكون له جريدة تذيع مكارمه وتشد من أزره.. فكأنما وقع هذا الاتفاق بين كفاية أدبية وبين طموح واثب في نفس الشيخ جار الله موقع الرضا والقبول.. فمن هنا لمع الشيخ سليمان الدخيل.

أديب نجدي في بغداد ومن مجمع هذه الأسباب، توطدت وشائج قدرة الرجل الأدبية فنجم سعده في أفق الكلمة، وطار صيته في عالم الأدب.. ثم مكنه الاتصال بإمام النهضة الفكرية في العراق / السيد محمود شكري الألوسي، من التضلع من فنون المعرفة والأدب والتاريخ.. حيث إنه لقي عونا حميدا من لدن هذا الإمام الجليل، الذي عرف بالإفادة والنفع في خدمة الأمة وتراثها. فانداحت دائرة علاقاته مع جمهرة من أدباء بغداد وشعرائها.. والتف حوله رهط من أفاضلهم، أمثال الشاعرين الأخوين الهاشميين: رشيد (ت - 1943م) ومحمد (ت - 1972م) والشيخ كاظم الدجيلي وغيرهم. حيث كانوا يذيعون نفثات الحق وصرخاته على صفحات جريدته «الرياض».

ويعد سليمان الدخيل، أول نجدي مارس الصحافة، وهام بنشر كنوز السلف التي عالجت أنساب العرب، أو تضمنت التعريف بتاريخهم.. وبخاصة ما يتصل منها بتاريخ الجزيرة العربية، ويشبهه من معاصرينا (علامة الجزيرة العربية / الشيخ حمد الجاسر) مع الفارق بين الرجلين من حيث المكانة العلمية وقوة التحقيق وسعة المعرفة.

فأنشأ أول دار للنشر والطباعة في بغداد.. استطاع أن ينشر فيها جملة من المطبوعات التي تهدف إلى قيام «الفكر الإصلاحي».. وترسيس الروح القومي، وبذل في سبيلها المال والجهد.. يوم لم يكن أحد يميل إلى بذل على أمثال أعماله.

وقد ساعده في عمله الفكري هذا، أديب نابه من أدباء بغداد.. نشأ في «الكرخ» وشهر بالكلمة القوية، وطول الباع في صناعة الحرب.. فقامت بينه وبين الدخيل صلة قوية.. هذا الأديب، هو: إبراهيم حلمي العمر.. (ت - 1942م) الذي كان العون القوي لصاحبه في ميدان الصحافة، وفي ميدان النشر، الذي اتخذا اسم «الرياض» عنوانا له «دار الرياض».

وتمتاز الكتب التي نشرتها «دار الرياض» ببعث النهضة العلمية للعرب، وبتاريخ الجزيرة العربية، وهذا وحده يكفي لكونه تحديا للسلطان العثماني، وتعبيرا صادقا عن الحس القومي، ومن هذه الكتب: (نهاية الأرب) للقلقشندي، و(عنوان المجد) لابن بشر، و(تحفة الألباء) للدخيل، و(التبصرة) لإبراهيم منيب الباجه جي، وغيرها.

ولا يختلف اثنان في كون الدخيل، أول أديب عربي عني بنشر تاريخ الجزيرة العربية، وفي مطالع القرن الحديث، وهو يمثل دور الريادة في هذه السبيل.

وقد أوتي حظا كبيرا من المعرفة في خبايا هذا الفن، وبصيرة نافذة في معرفة مجاهيله.

هام وجدًا بتاريخ نجد، وكتب بدمه أخبار الشيح والقيصوم، فجال في المظان التي وقف على التعريف بأخبارها، حتى جعل اسم قاعدة الجزيرة «الرياض» اسما لداره ولجريدته «الرياض».

ويمكن تلمس هذا الوجد من ثنايا قطعتين استشهد بهما الدخيل، وهو ينهي أحد مباحثه عن «بلاد نجد».. قال: (لقد حنَّ أعرابي إلى بلاد نجد.. بقوله:

* حنيناً إلى أرض كأنَّ ترابها - إذا أمطرت، عود ومسك وعنبر - بلاد كأنَّ الأقحوان بروضه - ونور الأقاحي وشي برد محبّر - أحنّ إلى أرض الحجاز وحاجتي - خيام بنجد دونها الطرف يقصر - وما نظري من نحو نجد بنافع - أجل، لا ولكني إلى ذاك أنظر - متى يستريح القلب، إمّا مجاوز - بحرب، وإمّا نازح يتذكر.

* وقال آخر:

فيا حبذا نجد وطيب ترابه - إذا هضبته بالعشي هواضبه - وريح صبا نجد إذا ما تنسمت - ضحى، أو سرت جنح الظلام جنائبه - بأجرع ممراع كأنَّ رياحه - سحاب من الكافور والمسك شائبه - وأشهد لا أنساه ما عشت ساعة - وما انجاب ليل عن نهار يعاقبه - وما زال هذا القلب مسكن لوعة - بذكراه حتى يترك الماء شاربه.

«من مقال بعنوان: نظرة وداع لبلاد نجد..»، وكأني أراه يترجم عمّا يختلج في مطاوي نفسه من وجد نجدي، من خلال هذه الأبيات.

طفق الدخيل ينشر دراساته ويبث مباحثه عن ديار نجد، وموقعها، وتاريخها، وأقسامها، ويعرّف بلهجاتها وعلمائها، وسكانها، كما تجاوزت يد بحثه إلى دراسة تاريخ: الأحساء، وحائل، والمنتفق، والكويت، والبحرين، وقطر، وعمان.

ولسعة معرفته بتاريخ الجزيرة العربية، كان الأب: أنستاس ماري الكرملي (ت - 1947م) يستعين به في كتابة مباحثه عنها، وربما كان يستكتبه في الكثير من أمورها، وينشر ما يكتبه في مجلته: «لغة العرب».. حيث كان يركن إليه في إجلاء الغامض من المباحث التي تتصل بها، ومن هذا النظير، تفسيره لشعر جمهرة من شعراء نجد، فقد ذكر الكرملي: أنه قرأ كتاب «ديوان شعراء نجد من العوام العصرين»، على الدخيل، فشرح له بعض أبيات قصائده.

ومن هنا جاء في كتاب: «الأب انستاس ماري الكرملي ص/ 86، الهامش 53» في معرض الحديث على مبحث للكرملي «نظرة إشراف عام على ديار نجد» الذي نشره في مجلة «الزهور/ السنة الثانية، 1911م ص: 176 - 183 - 233 - 241، بتوقيع: ساتسنا» أن الأستاذ سليمان الدخيل ساعد الأب في كتابة بعضه.

وحقيقة الأمر، أن المبحث كله للدخيل، وكان قد نشره في «لغة العرب» بعنوان: «نجد» موقعها، حدودها، أقسامها، لغاتها، سكانها، السنة الأولى، ص: 16 - 25 - 63 - 69، 1911م».

آثار مطبوعة ومخطوطة

* لم تقف جهود الدخيل عند النشاط الصحافي، بل تعداه إلى التأليف، فحاول أن يضع جملة من الآثار، تناول فيها مفصل تاريخ الجزيرة العربية، ومن هذه الآثار:

* أولا: الكتب المطبوعة:

- العقد المتلألئ في حساب اللآلئ، وهو يتضمن بيان معرفة اللؤلؤ والصدف وأنواع ألوانه، وقيمته، وحساب أوزانه، وبيان الغوص في الخليج، طبع على الحجر، في الهند، مطبعة الترقي/ مومباي. وليس فيه ذكر لسنة الطبع، ويمكن أن تحدد بعام 1910، 1911م، ويقع في «140» صفحة من القطع المتوسط.

وربما يكون هذا الكتاب مهما في بابه، إذ هو يعالج معرفة التعاطي بتجارة اللؤلؤ، ولا سيما في مناطق الخليج العربي، وفيه من اصطلاحات أهل الفن ما هو عزيز ومفيد.

- تحفة الألباء في تاريخ الأحساء: طبع في بغداد، مطبعة الرياض،/ 1331هـ. وهو يتضمن تاريخ مدينة الأحساء، والبحرين، والقطيف، وقطر. انتهى فيه إلى حوادث سنة / 1331هـ، وأعاد نشره الشيخ الجاسر في مجلته: (العرب).

- كتاب في الدعوة الوهابية: رسالة صغيرة، نشرها سنة 1332هـ، وهي غفل من ذكر اسم المؤلف، وهي له، مطبعة الشابندر، بغداد، (16 صفحة).

- القول السديد في أخبار إمارة آل رشيد: نشره الشيخ الراحل حمد الجاسر، في الرياض 1966م، مع كتاب: «نبذة تاريخية عن نجد» للأمير: ضاري بن فهيد الرشيد (ت - 1331 هـ)، في الصحائف «135 - 170»، وكتب ترجمة وجيزة له، وهو في أصوله يقع في قسمين.

تناول القسم الأول فيه: تاريخ نشأة الإمارة، قبل منتصف القرن الثالث عشر الهجري، عندما نشأت إمارة آل فضل، وعنها تفرعت إمارة آل علي التي خلفتها إمارة آل رشيد.

ومادة هذا القسم «على درجة من التفاهة والضعف، بحيث لا يصح التعويل عليها كما يقول الشيخ الجاسر»، لذلك عزف عن نشره، أما القسم الثاني فقد تضمن الحديث عن إمارة آل رشيد، والذي نشره الشيخ الجاسر.

- ناظم باشا «رواية أدبية سياحية تاريخية اجتماعية، تصدر في أجزاء متتابعة، حوت الحوادث والأعمال الإصلاحية التي جرت في أيام ناظم باشا، مع قصيدة: سارة الأرمنية».

نشرت في بغداد، مطبعة الآداب، الجزء الأول، في ثماني صحائف من القطع المتوسط، وفي حدود معرفة مؤلف الكتاب، لم يصدر منها سوى هذه الكراسة فقط، ونشرها ملحقا بالعدد الرابع من مجلته «الحياة» «الصفحة 41 - 48» ثم نشرها مستقلة.

أما منشورات دار الرياض فقد حوت أسماء عدة كتب منها:

- عنوان المجد في تاريخ نجد: لعثمان بن عبد الله بن بشر النجدي المتوفى سنة 1290 هـ.

الجزء الأول، وقد عني بتصحيحه الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع النجدي المتوفى سنة 1385هـ، وطبع في بغداد، مطبعة الشابندر 1328هـ. ونقده الأب الكرملي في مجلة (لغة العرب) السنة الأولى في الصفحة 488، 1912م.

- التبصرة لمتولعي الخمرة، لإبراهيم منيب الباجه جي المتوفى سنة 1948م وطبع في مطبعة الشابندر ببغداد، سنة 1329هـ، في «24» صحيفة صغيرة، وختمه بقصيدة عنوانها «في الجرعة الأولى للبلاء» للشاعر: نقولا حداد «في الصفحة / 26 - 30» وجعلها هدية لمشتركي الرياض.

- حساب الجفر: رسالة صغيرة، في «الأعمال السحرية»، نشرها في بغداد مطبعة الرياض، ونسبها إلى ابن العربي، وحقيقة الحكاية أنها من نتاج مكتب تحرير الرياض، أوحتها قريحة سليمان الدخيل أو إبراهيم حلمي العمر.. وقد درت أرباحا كثيرة على الدار.

- ديوان عبد الرحمن البناء المتوفى سنة/ 1955م، والمعروف بالشاعر الاستقلالي: الجزء الأول، بغداد 1331هـ.

- الفوز بالمراد في تاريخ بغداد، للأب انستاس ماري الكرملي (ت - 1947م)، نشره في بغداد 1911م، مطبعة الرياض.

6 - نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، للقلقشندي أحمد ابن علي المتوفى سنة/ 821هـ، الطبعة الأولى، بغداد 1332هـ.

هذه أسماء الكتب التي نشرها الدخيل، وكان يزمع نشر كتاب «بلاد العرب» للحسن بن عبد الله الأصفهاني، وهو أول من حاول نشره من المعاصرين، ثم نهد إلى نشره شيخ مؤرخي الجزيرة العربية حمد الجاسر، بالمشاركة مع الدكتور صالح أحمد العلي (رئيس المجمع العلمي العراقي حالا).

وهذا المنهج الذي خطه الدخيل لمنشورات «دار الرياض» حيث أذاعه بقول: «الرياض»، تسعى بقدر استطاعتها في نشر الكتب الدينية والأدبية والتاريخية التي لم يجر طبعها».

* ثانيا - آثاره المخطوطة:

- مختصر كتاب «منهل الأولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء» لأمين بن خير الله العمري الموصلي المتوفى سنة/ 1203هـ، ويقع هذا المختصر في تسع وخمسين صحيفة.

قال الدخيل: إنه اختصره من نسختين رآهما في المدينة المنورة (على ساكنها أفضل الصلاة وأطيب السلام) في مكتبة داود باشا، والأصل (منهل الأولياء) نشره الأستاذ: سعيد الديوه جي، في الموصل، 1967م في جزأين، ولم يشر في مقدمته إلى المختصر، الذي ما زال مخطوطا.

- مختصر (حديقة الزوراء في سيرة الوزراء)، لعبد الرحمن بن عبد الله السويدي المتوفى سنة/ 1200هـ.

وطبع الأصل في بغداد، مطبعة الزعيم 1961م، الجزء الأول نشره الدكتور صفاء خلوصي. ولم يشر إلى هذا المختصر، وللمؤرخ المحامي عباس العزاوي (ت - 1971م) نقد عليه، ذكره في كتابه: «تاريخ الأدب العربي في العراق ج2/ 217».

والمختصر في «106» صحائف، ونسخته مخطوطة في مكتبة المتحف العراقي برقم «1102»، ومنه نسخة أخرى ضمن خزانة الإمام السيد محمود شكري الألوسي، في المكتبة المذكورة أيضا برقم «8825» «119» صحيفة.

- تاريخ إمارات العرب: رسالة صغيرة، تقع في تسع وستين صحيفة، بخط المؤلف، نسختها في مكتبة المتحف العراقي برقم «1189» ضمن مخطوطات الأب: الكرملي.

ومنه قطعة في سبع صحائف في المكتبة المذكورة برقم (895)، تكلم فيها على إمارة آل رشيد، وآل سليم (أمراء عنيزة) وأمراء بريدة.

- البحث عن أعراب نجد وما يتعلق بهم: تناول فيه أخبار الأعراب في نجد، في عصورهم المتأخرة، وعرض لأنسابهم، وأخلاقهم وآدابهم، وأورد فيه كثيرا من أشعارهم. انتهى من تأليفه في سنة/ 1912م.

ونسخته في مكتبة المتحف العراقي برقم (1926) في 334 صحيفة.

- البحث عن أعراب نجد: وحقيقة أمر هذا الكتاب، أنه مجموع من الأشعار العامية لشعراء نجد، أمثال: رميزان، القاضي عبد الله الفرج، عبيد بن رشيد، عبد العزيز بن جاسر بن ماضي، الهزاني، وغيرهم، ويقع في (332) صحيفة، تحتفظ به مكتبة المتحف العراقي، ضمن مخطوطات الكرملي، برقم (1926).

- القول السديد في أخبار إمارة آل رشيد: وقد نشر الشيخ حمد الجاسر، جزءا منه كما مر قبل قليل، ويعد هذا الكتاب من أقدم ما ألف في تاريخ تلك الإمارة في العصر الحاضر، وفيه فوائد تاريخية قد لا توجد في غيره، انتهى من تأليفه في سنة/ 1338هـ، حيث كانت الإمارة قائمة في وقته، ولصلة الدخيل برجالها، جاءت مادته مفيدة، وإن لم تتصف بالحيدة. ونسخته في مكتبة المتحف العراقي، برقم (1344) وبخط المؤلف في (118) صحيفة، وفي آخرها مبحث للأب الكرملي بعنوان: «سقوط إمارة ابن الرشيد» في ست صحائف فرغ منه في سنة 1919م.

دراسات في أعماق ينبوع العروبة

* امتدت ثقافة الدخيل في أعماق تاريخ الجزيرة العربية، وكل ما يتصل بها، فشملت المناحي الجغرافية، والتاريخية، والسياسية، وهذا ما جعله يتمتع بخبرة واسعة في شؤونها من بين لداته من المعاصرين. وقد توزعت دراسات ومباحثه مجلات بغداد وصحفها، وبخاصة جريدة «الرياض» ومجلة «لغة العرب» وأورد المؤلف أهم ما نشره الدخيل في هذه المجلة من مباحث.

- سوق الشيوخ: عرض فيه لموقع المدينة وحدودها، وعرف بمؤسسها الشيخ ثويني المحمد، جد أسرة آل السعدون، ولتاريخ بنائها (1175هـ / 1761م).

- بلد البوعينين: دراسة تاريخية عامة، وعرض لأهميتها في غوص اللؤلؤ، (1912م).

- العرائق: الواردة في لهجة أهل نجد، فسر معانيها ودلالاتها من الوجهة اللغوية. - مشاهير بيوت وقبائل سوق الشيوخ: 1913م.

- جزيرة العرب: عرض فيه لأهميتها، وللكتب المؤلفة فيها، ولديارها، ولأمراء نجد، بدءا من الأمير: سعود بن محمد، وانتهاء بالأمير سعود بن فيصل توفي سنة 1233هـ - أمراء السعود في جزيرة العرب: - أقسام إمارة السعود: 1914م.

- بقايا بني تغلب: عرض فيه لهذه القبيلة العربية، في تاريخها بعد الإسلام ثم عرض إلى بقاياها في عصره.

- تيماء: درس فيه تاريخ هذه المدينة العربية المشهورة، وعرض لسكانها ولكل ما يتصل بها.

- نجد، موقعها، حدودها، أقسامها، لغاتها، سكانها.

وختمه بنفثة تعرب عن مدى شوقه إليها، بعنوان: «نظرة وداع لبلاد نجد».

- دراسات في أصول بعض الأعراب، وعرض فيه للأعراب التالية أسماؤها:

الصليب (الصلب، اصْليب، الصلبة)، الشرارات، العونة، الصليلات، العوازم والرشائدة.

الخميسية أو لؤلؤة البرية: وهي من مدن (محافظة/المثنى/المنتفق) في العراق تقع بين سوق الشيوخ والهور الكبير.

واعتبر المؤلف الجبوري أن هذه المباحث هي أهم ما دبجته براعة سليمان الدخيل، ونشرها في مجلة «لغة العرب» البغدادية. وله مباحث أخرى استأثرت بها مجلة «الحياة» و«الزهور» وغيرهما من مجلات بغداد.

نشاط فكري يفوق الحصر

* أصدر الدخيل، جريدة، ومجلة، واشترك في تحرير أكثر من مجلة وجريدة، وكان نشاطه الفكري يفوق الحصر في نشر الدراسات وتأليف الكتب ونشرها، لذلك انصرف إلى الصحافة، ليتخذ منها منبرا وسلاحا، في نشر دعوته الإصلاحية القومية، شأنه في ذلك، شأن كل صاحب رسالة فكرية.

فقد أصدر جريدة «الرياض» في بغداد، بتمويل من عمه «جار الله الدخيل» وكتب في عنوانها: («الرياض»، جريدة أسبوعية، أدبية، تجارية، أهم مقاصدها، نفع الأمة العربية).

وصدر عددها الأول في شهر يناير (كانون الثاني) 1910م، ودامت نحوا من أربع سنوات، كان هو فارسها المجلّي في إذاعة النفيس من الأبحاث والنافع من الدراسات، وكان يعضد من أزره في تحريرها صديقه الحميم المرحوم: إبراهيم حلمي العمر (ت - 1943م)، وقد ذكر الشيخ: حمد الجاسر، أن الرياض دامت سبع سنوات (1908 - 1914م).

ويشدد المؤلف على حقيقة أنها دامت أربع سنوات، إذ إن الدخيل هرب إلى الحجاز عند نشوب الحرب العالمية الأولى، خوفا من بطش الأتراك.. ومكث في الرحاب الطاهرة، مجاورا البيت الحرام في مكة المكرمة، ثم في المدينة المنورة، وهناك انكب على نسخ المخطوطات العربية التي اختصت بتاريخ الجزيرة العربية والعراق، ومما هو حري بالتدوين، أن «الرياض» كانت منبرا من منابر الدعوة القومية، حيث حملت لواء الدعوة إلى الوحدة العربية، زمن كان المتحدث بالعروبة أو بالعربية يطارد.. وقلما ينجو من عقاب، وكانت لسان صدق لبعث المجد العربي، لما تضمنته من مباحث عن العرب وأنسابهم، والتعريف بتاريخهم المجيد، ولما تذيعه من أبناء الجزيرة العربية، ولهذا المنحى، كثيرا ما كان يتعرض الدخيل للعقوبة والمضايقة من قبل السلطة العثمانية.. كما وقع له من ذلك، عند نشره قصيدة للشاعر المرحوم السيد/ محمد الهاشمي البغدادي (ت - 1973م) التي عرض فيها بقيصر روسيا، وذكر فيها ما يعانيه أهل الإسلام في (القفقاس) من ذل وإرهاب، فقاضته السلطة، وحكمت عليه (محاكمها) وعلى الشاعر بالحبس لمدة ثلاثة أشهر، ثم عدلت إلى (الغرامة المالية).. ذكرها الأستاذ: رفائيل بطي (ت - 1956م) بقوله: «وها إنني أنتقل إلى التحدث عن جريدة ذات لون خاص في الصحف العراقية، بل في الصحف العربية قاطبة في ذلك الجيل.. ظهرت «الرياض».. أسبوعية، عربية اللهجة، أديبة المشرب، وإن لم تكن قويمة اللسان، ولا مشرقة البيان، إلا أن صفتها التي امتازت بها هي العناية الفائقة بأخبار نجد، وجزيرة العرب، وإمارات الخليج العربي».

ويجب أن نعترف - ونحن نحلل تسرب الفكرة العربية إلى الأذهان، في حكم الأتراك الذين لم يكونوا يريدون للنزعة القومية انتشارا - بأن «الرياض» خدمت القضية العربية بما أحدثت من كثرة الضجيج والكتابة عن قلب الجزيرة العربية وينبوع العروبة، فقد أذاعت الأحاديث عن العرب المعاصرين، بنطاق واسع، أثر على العقول ولفتتها إلى هذه الرقعة من العالم العربي.

أما «الحياة» وهي مجلة شهرية، تبحث في: «السياسة والاقتصاد والتاريخ والاجتماع».

فقد صدر عددها الأول في بغداد في يناير (كانون الثاني) 1912 وشاركه في تحريرها: إبراهيم حلمي العمر.. ولم يدم عمرها طويلا، حيث احتجبت بعد صدور العدد الرابع. وقد احتفلت الصحف والمجلات البغدادية بظهورها، كما صنع الأب الكرملي، الذي اندفع في التعريف بها على صفحات مجلته «لغة العرب».

وذكر الأستاذ: حمد الجاسر، أن «الحياة» دامت في الصدور سبعة أشهر، (أي صدر منها سبعة أعداد).

وقد جاء في فاتحتها قول الدخيل: «أما بعد، فهذه (الحياة) يقدمها الإخلاص إلى عشاقها من مغرمين بحب سعادة الأوطان لتكون رابطة لهم في الوداد، وواسطة بينهم في سبيل التعاون والاتحاد، حتى إذا ما أثمرت الأوطان بتحقيق ما ينويه الأبناء، فقل قد نالت الأوطان سعادتها وطابت حياتها».

ثم ذكر منهاجها في المسيرة الفكرية، وأوضح أنه منهج ينطلق من الوعي القومي، ويصدر عن فكر الإصلاح الاجتماعي، وما ذكره في افتتاحيتها من كلام، يعطي (تصورا) لأنموذج أدبه، قال الدخيل: «الإنسان لا بد له من مبدأ، وكلما كانت المبادئ شريفة علا أصحابها فوق القمم، ورفعوا على الرؤوس وأسكنوا بين الجوانح والصدور، وفي سويداء القلب، وقد تختلف المبادئ، وأجلها عندنا المبدأ الذي يريد فيه صاحبه حياة شعبه وقومه، وإنقاذهم من جهل أو رقّ وذل وعبودية أو هضم حقوق».

ثم قال: «ومما تقدم نعلم أن الإنسان لابد أن يكون شريفا، وأشرف المبادئ هو مبدأ الجهاد في حياة الأمة والشعب».

أما جريدة «جزيرة العرب» فهي جريدة أسبوعية عامة، صاحبها الأستاذ المرحوم/ داود العجيل، ومديرها ورئيس تحريرها: سليمان الدخيل وصدر عددها الأول في بغداد، يوم السبت في 12 ديسمبر (كانون الأول) 1931م، واحتجبت عن الصدور بعد ثلاثة أشهر.

هجر التوطين ودافع التحضر

* وأورد المؤلف نصوصا كتبها الدخيل في فترات مختلفة عن البلدان والقبائل كاشفا خلالها إلماما بالتاريخ والجغرافيا إضافة إلى قوة أسلوبه ولغته وحرصه على توثيق كل ما يكتب.

ولعل أبرز ما كتبه الدخيل بحثا نشره في مجلة «لغة العرب» البغدادية على صفحتين في عددها الصادر في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1911م عن «الصليب أو الصلبة» ضمن بحث عن سبع قبائل يرى الدخيل أنها تدخل ضمن بعض الأعراب غير المنسوبة، وقد اختصر المؤلف على ذكر السابقة منها فقط لغموض تاريخها عند الباحثين..

وجاء في مقالة الدخيل عن الصليب والصلبة شرحا للفظة الكلمة وشرح لغاتها ومحل وجودهم وذكر أحوالهم وأخلاقهم وأوصافهم، لافتا إلى أن أكثر معاطاة هؤلاء الأقوام صيد الظباء والغزلان، ولهم فيه مهارة تامة وحذاقة عظيمة. - وهم أعرف القبائل كلها بطرق البر ومسالكه، وأبصر الناس بأمكنة المياه والآبار - ومما لا ينكره عليهم أحد هو أن الأعراب جميعهم يتخذونهم أدلة لهم في قطع البراري والفيافي دون غيرهم - ولهم صبر جميل على الظمأ والجوع والبرد والحر.

ومن خواص ما عرفوا به جودة النظر وبعد البصر وصحة الأجسام فترى الواحد منهم يبلغ الثمانين أو التسعين من سنيه ونظره نظر شاب صحيح البدن والنظر. وأسنانه تضارع الدر المنظوم. وذلك لكثرة سيرهم في النهار ورياضة أجسامهم وقلة خلطهم في المآكل وتحاشيهم عن المشارب المسكرة أو المضرة بالأبدان، وسكناهم الأراضي العذية ذات الأديم الرائق الموافق للصحة.

كما نشر بحثا عن العرائف في مجلة «لغة العرب» في جزئها الثاني عشر الصادرة في يونيو (حزيران) من عام 1913م موردا معنى اللفظة التي جاءت بمعان شتى في لغة أهل نجد في وقته، ثم عرج في الحديث عن العرائف الذين هم رجال يعرفون بهذا الاسم من أمراء نجد ويعرف واحدهم باسم عرافة، موضحا إنما سموا بهذا الاسم للحروب التي حدثت بين أمراء نجد في القرن الأخير (وقت البحث). وقد استطار هذا الاسم في جزيرة العرب كلها حتى إنك إذا حللت قوما أو نزلت دارا أو دخلت عمرة (ندوة) وسمعت لفظة العرائف فاعلم أنه لا يراد بها إلا هؤلاء الأمراء.

وكتب الدخيل عن الأرطوية (الأرطاوية) الواقعة حاليا على الطريق الموصل بين المجمعة وحفر الباطن عبر الطريق الذي يربط بين السعودية والكويت والتي تحولت إلى أحد مراكز توطين البادية في عهد الملك المؤسس، بعنوان: «الأرطوية (هكذا كتبت) أو بلدة جديدة في ديار نجد» وذلك في ذات المجلة في شهر مايو (أيار) عام 1913م، لتتحول إلى أحد مراكز توطين البادية في عهد الملك المؤسس.

واستهل البحث بالإشارة إلى أن ديار نجد ما زالت من البلاد المجهولة عند أغلب الناس، لأن الكتَّاب الذين يكتبون عنها قليلون. وقلما يكتبون شيئا يفيد أهل البحث أو الذين يحبون الوقوف على ما في تلك الأقطار النائية، ولهذا ترى العرب تسعى السعي الحثيث في تحقيق هذه الأمنية وترأب الصدع على ما في طاقتها.

وأما إذا أراد أحد أن يقرأ شيئا عما يحدث أو يستحدث في تلك الديار فحينئذ لا ترى أحدا يكتب عنه، لأن الغريب الذي يهبط تلك الديار لا يخرج منها. والوطني لا يهمه أن تعرف بلاده أو تجهل، ولهذا تكتب هذه الأسطر إفادة للقراء ولمن يحب الوقوف على ما يقع في تلك الربوع فنقول منذ بضعة أشهر باعت إحدى عشائر نجد خيلها وجمالها وما عندها من العروض والأموال في سوق الكويت وغيره وأخذت بدلها نضارا نضيرا وهبطت وادي (الأرطوية) فبنت فيه قصورا وشرعت تعنى بأمرين لا غير وهما: الزراعة والعلم. وقد أهمل أفرادها كل شيء سواهما ومنعوا كل غريب عن عشيرتهم أن يقطن بين ظهرانيهم وهم لا يأذنون لواحد منهم أن يشتغل بغير الزراعة والعلم. وإذا احتاجوا إلى شيء ليس في بلادهم أو عمل شيء خارجا عن دائرتي العمل والزراعة فإما أنهم يعالجونه بأنفسهم في وقته وإما أنهم يرسلون واحدا منهم ليجلب لهم من المدن المجاورة لهم ما يحتاجون إليه.

نما إلي هذا الخبر في وقت وقوعه وصممت على نشره في جريدتي «الرياض» لكني تريثت ريثما أتحقق الخبر كل التحقق. وبينما أنا أترقب ذلك إذ حضر عندنا من شاهد هذا الأمر ورآه بعينه وأنعم النظر في تلك القصور الجديدة الحسنة البناء فرأيت أن أثبتها للقراء حفظا لتاريخها في مستقبل الزمان.

والأرطوية هذه وادٍ يقطنه الأعراب غالبا لعذوبة مائه وصحة هوائه ورقة أديمه وكثرة مرعاه وحسن شجره وتنوعه ومسارح المعزبين إبلهم فيه أيام القيظ أثلاثا وأرباعا وأخماسا في الكلأ العازب حيث يكون النبت مساعدا للإبل على احتمال العطش.

لأن من عادة الأعراب في خيلهم وإبلهم أن يعلموها الصبر على الظمأ ولا يحبون أبدا أن تشرب كثيرا لقلة المياه في القلوات إذا ساروا فيها.

وقد بنى أبناء هذه العشيرة منازل واسعة وحفروا آبارا قريبة الماء من المستقى غزيرته إذ يتراوح عمقها بين المترين والثلاثة.

وأكثر ما ينبت في هذا الوادي هو شجر الأرطى ومنها اسمها فيقال الأرطوية والأرطاوية بألف قبل الواو وبدون ألف والأشهر على الألسن الثاني، والأفصح الأول.

وينبت في أرضها جميع منابت الرمال من كبار وصغار من ذلك: الرمث والروثة والربلة والحماطة والنصي والصليان والعرفج والعراد والخزامى وغيرها. وهذه الألفاظ كلها معروفة عندهم جارية على لسان كبيرهم وصغيرهم ويميز هذه الأنبتة واحدها على ثانيها جميع سكان تلك البوادي، وإن تبين لنا غريبة.

ولا ترى في أرضها من السباع المفترسة إلا القليل منها، وقد شوهد فيها الذئب والأرنب والخرنق والظبي والوعل وحمار الوحش والوضيحي وأغلب ذلك في جوار الجبل أو ما أحاط بحضيضه. - ومن أنواع الطيور التي ترى هنا: الحباري والقمري والخاضور والدخلة والصفارة (وزان رمانة) والقطاة والغرنوق وغيرها مما يطول ذكره.

ويحدها اليوم من جهة الشمال الزلفي ويبعد عنها 24 ساعة والمجمعة تكون عنها من جهة الجدي على مسافة 18 ساعة. وفي قبلتها جبل طويق وفي شرقيها الدهناء. والمسافة بين ذلك أربع ساعات. وأما من جهة غربيها فيحدها الضويحي وهو نفوذ رمل يقال لها «نفوذ مجزل» «نسبة إلى أرطاوية مجزل» وليس لهذه النفود عرض يعرف على التحقيق ومتصلة بنفد العروق وهي سبعة نفود على شكل خطوط مستقيمة بين كل واحد وآخر أربع ساعات ومسافة كل واحد منها ما بين الساعتين والثلاث.

أما «مجزل» فهو شعيبان أو واديان ينتهيان إلى لغف الدهناء أي إبطها حيث يتوزع ماؤها إلى خبار أو برك هناك وقد حفرت من قديم الزمان وحولها أبنية تدل على بعيد عهد إقامتها. ويختلف عمق كل بركة من عمق أختها اختلافا غير مطرد فهو في الواحدة منها ثلاثة أمتار أو أقل وتكسير سعتها مائتا متر في الطول والعرض.

وفي جهة الجنوب شعبا العرمة (وزان غرفة) وهما شعبان يدفعان ماءهما في الدهناء وإذا سرت وجعلت الضويحي عن يمينك تنزل «فيضة السبلة» وهي روضة تفيض فيها أودية كثيرة ويزرع فيها أهل الزلفي زروعا أوان انحدار المطر.

وأما (طويق) فجبل عريض الأطراف يبعد عن الزلفي 14 ساعة من شماليه. وسمي بهذا الاسم لأنه يطوق اليمامة تطويقا ويطوف بها تطويفا. وهو ينتهي من جهة الجنوب إلى وادي الدواسر ولهذا الجبل من جهة القبلة جال عظيم يتراءى للناظر أنه في الخضراء. وأما من جهة الشرق فله ظهر محدودب جسيم جدا.

وأقرب موطن أهل يقرب منه من جهة الشمال (بلدة الزلفي) وهي عبارة عن بلدتين عظيمتين تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة 15 دقيقة تقريبا سيرا على الأقدام، ثم بعد الزلفي (بلدة الغاط) وهي قرى متجاورة ثم بلدة (سدير) وهي قرى كثيرة تكون في ظهره من جهة الشرق، وفي بطنه (الوشم) وهو عبارة عن قرى لا تعد لكثرتها، ثم (البرة) وهي مياه ومزارع ودساكر كثيرة متجاورة، ومن هناك ينزل واديان أو شعبان ينتهي أحدهما إلى (نفد الثويرات) و«البتر» من جهة الجنوب وأما من جهة الشرق فيضيع في الدهناء.

وأكبر الأودية التي تنزل من جبل طويق هو (وادي حنيفة) فإنه يمر ببلدة «الجبيلة» وهي قديمة جدا وقد اندرست فلم يبق منها إلا بعض الأطلال الشاهدة على سابق عهدها. ثم بـ (عوينة ابن معمر) حاكم نجد قبل ظهور دولة آل سعود.

ثم (بالملقى) وهو نخيل كثير. ثم (بالعلب) وهو أيضا نخل كثير لأهل العارض، ثم (بالدرعية) عاصمة آل سعود في إبان نهضتهم الأولى، وقد دمرها إبراهيم باشا المصري ثم عادت الآن إلى رونقها وحضارتها وزهوها وزهرتها، ثم (بعرقة) وهي بلدة عامرة وفيها نخيل، ومن عرقة يأتي إلى (منفوحة) وهي كسائر أخواتها من تلك الأقطار ومن منفوحة يقدم على (الرياض) ومن الرياض يمر (بالخرج) ثم من هناك يضيع في (السهباء) ويتفرق ماؤه في لغف الدهناء أو قعرها.

أما الدهناء فهي صحراء مستفيضة الذكر في كتب العرب والسياح ولهذا نجتزئ بالقول إنها رمال عالية عريضة الأكناف متماسكة الأكتاف يضيع فيها من يدخلها إلا من كان من أهل الخبرة من تلك الديار والعارفين بمجاري مياهها وترددوا إليها بعد المرة حتى عرفوا ما فيها وما حواليها.

ولقد يهلك فيها من الغزاة في السنة ما لا يحصى عددهم فما قولك في عدة سنوات أو مئات من السنين وذلك لقلة اختلافهم إليها أو لتوهمهم في مجاري مياهها المتحدرة إليها - أما في القيظ فإنه لا يجسر أحد على اقتحامها اللهم إلا إذا كان معه دليله الخبير، ولهذا إذا أراد أهل نجد الدعاء على أحد قالوا: «ضيعت بالدهناء» أو «ابتليت بظمأ الدهناء» أو «بجوع أم عامر»، وأم عامر هي الضبع أشد الوحوش جوعا وأقلها صبرا عليه.

والدهناء جبال رمل مستطيلة تمتد من الشمال وتنحدر إلى الجنوب، وإذا سرت فيها مشرقا لا تزال تمعن في رمالها إلى أن تفترق الدهناء وافتراقها يكون في التيسية (لفظة منسوبة إلى التيس الحيوان المشهور) وهي مياه وآبار تمتد من الشمال إلى الجنوب، وأرضها صلبة متساوية وفيها حجارة وتلول رمال منها كبيرة ومنها صغيرة، وبين تلك الأكوام والآكام حجارة مجموعة كأنها تشير إلى أن تلك الأماكن كان يقطنها أقوام قد بنوا لهم دورا وشيدوا فيها قصورا ثم دار الزمان عليهم فجعل سافلها عاليها وهدمها عن آخرها، ويقال إن بني هلال كانوا يربعون في تلك الأرجاء إلى أن انجلوا عنها إلى ديار المغرب، وكان منهم أبو زيد والزياتي وذياب بن غانم، وما زالت أشعارهم محفوظة في صدور أهل نجد إلى يومنا هذا، وكذلك حروبهم وما جرى لهم فيها من الوقائع وذكر أمكنتها وأيامها وأزمانها مما لا محل لذكره هنا.

وفي التيسية من المياه ما عدا (الدقر والنقر) شيء كثير غيرهما منها: (قبة) و(طيب اسم) و(طليحي) و(البعيثة) وفي طرف التيسية من جهة الشمال (خضراء) و(لينة) وتكون خضراء في جنوبي بركة (الأجردي) وهي بركة كبيرة على طريق الحاج قديمة البناء وقريبة منها قرى الأسياح وهي من جهة القبلة، ثم تلتئم الدهناء مقدار يوم جنوبا إلى نحو (جراب) وهو وادٍ فيه ماء غزير، ثم تنزل الدهناء إلى جهة الصمان جنوبا وشرقا وهي لا تزال تمتد إلى أن تجعل الأحساء خلفها. ثم تنفتح أمام وجهك انفتاح البحر ولا يوجد هناك من يدل المسافر على بقية طريقه، لأنها تكون شبيهة بالتلول الشاهقة من جهة السماء، وحفر فاغرة فوهاتها ذاهبة في الأرض وكم من السواح ضاعوا في تلك الفلوات ولم يوجد لهم أثر.

أما الافتراق الثاني فقد يتجه إلى قبلي طويق ويمتد إلى البرة قرية في جنوبي الوشم، حتى يكون الوشم في غربيها والعارض في شرقيها ويسمى طرف العروق من جهة الجنوب الجبل ثم يضعف من بعد اشتداده حتى يكاد يكون مساويا للأرض إلا قليلا.

هذا ما أردنا ذكره عن بلدة الأرطاوية الجديدة وقد جرنا القول إلى ذكر ما تقدم تعميما للفائدة وتعريضا بما يجهل، وقد نقلنا بعض الأنباء عن ذوي المعرفة والبعض الآخر وهو أغلبه مما عرفناه بنفسنا، وفوق كل ذي علم عليم.

كما كتب عن بلدة البوعينين في إقليم الأحساء على الساحل الشرقي وهي من الديار التي تشتهر بالغواصين وكتب عن بعض المدن العراقية الحديثة منها سوق الشيوخ، كما أسهب في الحديث عن الخميسية وهي مدينة في العراق سميت بذلك نسبة إلى عبد الله بن خميس وهو رجل من أبناء القصيم بناها بعد عام من غرق سوق الشيوخ وجعلها مقاما لأبناء البادية والمهاجرين وأغلب سكانها من أهالي نجد حتى وقت قريب وبنى فيها ابن خميس قصرا له.

خاتمة حياة حافلة

* بعد حياة حافلة بالكد العنيف من أجل الحق والأمة والكلمة الشريفة، ركن الدخيل إلى العمل الإداري، حيث دخل (العمل الحكومي) في بغداد في 22/1/1921م، موظفا في وزارة الداخلية، وراح يتنقل في مؤسساتها الإدارية، في بغداد، والمدن العراقية الأخرى، فعمل مديرا لناحية (بلد) من نواحي بغداد، ثم مديرا للتحريرات في عدد من مراكز المدن العراقية، وقائمقاما لمدينة (عانة/ عنه)، من مدن محافظة (الأنبار/ الرمادى) ثم نقل إلى العمل في مديرية (الدعاية العامة) في بغداد، للإفادة من خبرته الثقافية ومكانته الإعلامية في ميدان الصحافة والأدب.

ومن عجائب الأمور، أن تنتهي حياة هذا المجاهد الكبير إلى درك من العوز والفاقة، حيث اضطر إلى بيع مسودات مؤلفاته وما يملكه من الكتب والمخطوطة إلى الأب أنستانس ماري الكرملي، وهي قبل سنوات في مكتبة المتحف العراقي (ضمن مخطوطات الكرملي).. وذلك بعد أن أسره «قيد الخمر» حيث راح يعاقر الدن ليل نهار، ولعله كان يدفن في لهيب حمياه رماد أحزانه، ويعزي النفس بما لحقها من حيف وعقوق، ولكنه كان، كالمستجير من الرمضاء بالنار. وظل على ديدنه هذا، حتى وافته المنية، في مساء يوم الأربعاء 27 ديسمبر (كانون الأول) 1944م.

وقد رثته صحيفة (البلاد) البغدادية، بكلمة صارخة، كتبها صاحبها الأستاذ: رفائيل بطي (ت - 1956م) بعنوان: «وفاة صحافي عراقي»، ثم تبعه الأستاذ: عبد القادر البرّاك، الذي جعل كلمة رثائه بعنوان: «للتاريخ فقط، من ضحايا الصحافة في العراق».. ونشرها في «البلاد» أيضا. وقرنه بالأساتذة: إبراهيم صالح شكر (ت - 1944م)، وإبراهيم حلمي العمر (ت - 1942م)، وهاشم الرفاعي.. الذين عدهم - بحق - من ضحايا القلم النظيف في العراق.