جسر فيكتوريا أقدم جسور دمشق.. يجدد شبابه

أخذ اسمه من أقدم فنادقها الذي أعد لاستقبال ملكة بريطانيا

جسر فيكتوريا.. من معالم دمشق الحيوية («الشرق الأوسط»)
TT

في منطقة من أهم المناطق التجارية والاقتصادية والشعبية في العاصمة السورية دمشق يقع جسر فيكتوريا، الذي يعد أول جسر يبنى في وسط المدينة بجانب نهر بردى. الجسر بني ليربط بين أحياء وأسواق أسست في بدايات القرن العشرين المنصرم، مثل ساحة المرجة أقدم ميادين دمشق العامة، وسوق البحصة الذي تخصص حاليا في تجارة الحواسيب وإكسسواراتها، ومحطة الحجاز، وشارعي سعد الله الجابري وبورسعيد (وكان يسمى سابقا شارع الملك فؤاد الأول نسبة لملك مصر قبل أن يتغير الاسم عام 1956 تخليدا لصمود مدينة بورسعيد المصرية في وجه العدوان الثلاثي على مصر). ويضم الشارعان الأخيران أقدم وأشهر مقاهي دمشق مثل «الهافانا» و«البرازيل». كما يوصل الجسر إلى شارع بيروت حيث مدينة معرض دمشق القديمة ومجموعة من المباني التاريخية. جسر فيكتوريا الذي شاخ مع الزمن شهد قبل أشهر أعمال تشذيب وتجميل من قبل الجهات المعنية في دمشق تضمنت إزالة جسري المشاة في منطقة الجسر، مما جعل المكان مفتوحا على مدى النظر. والغاية من ذلك، كما بررت هذه الجهات، هو إبراز النواحي الجمالية المعمارية لمنطقة جسر فيكتوريا وليستمتع الزائر والسائح بأقصى مشاهدة لمجموعة الشوارع التي يربطها الجسر، وللمباني القائمة بجانبه، التي أصبحت ذات قيمة تراثية معمارية في وسط دمشق.

كذلك كان الجسر قد شهد قبل فترة أعمال تجميل للمنطقة تحته من خلال تلبيس الجدران في الجهة الغربية منه بالحجارة البيضاء وإقامة بحرة تزيينية. ولقد أزيلت الإشغالات من جهته الشرقية حيث تحتاج جدرانه أيضا لأعمال تجميل شبيهة بتلك المقابلة له.

هذا الجسر الشهير، ينطلق شرقا من الشارع الفاصل بين ساحة المرجة ومنطقة ساروجة القديمة وينتهي غربا بجوار فندق «الفورسيزونز» وحديقة المنشية (الجلاء) التي شهدت أول احتفال رسمي سوري بجلاء الفرنسيين عن سورية قبل أكثر من نصف قرن. ولقد ذكره المؤرخون الدمشقيون، ومنهم عز الدين عربي كاتبي في كتابه «الروضة البهية» المنشور عام 1911م، ووصفه بـ«الجسر العظيم تجاه محطة العجلات والمصنوع من الحديد المحكم». ولكن أعيد بناء الجسر من جديد عام 1925 من قبل الفرنسيين، فأعيد تثبيت ركائزه من الحجر ونقل الجسر الحديدي القديم إلى منطقة باب توما حيث أقيم هناك، كما يذكر المؤرخ الدكتور قتيبة الشهابي. وكانت الغاية من تجديده أن يكون أقوى وأوسع لكي يتلاءم مع تطور آلة الحرب الفرنسية الثقيلة كالدبابات وغيرها. وأيضا شهد الجسر عملية إعادة بناء أخرى في ستينات القرن المنصرم بعدما اختفت معالمه تقريبا أثناء تغطية نهر بردى من ساحة المرجة وحتى جوار سينما دمشق الحالية.

أما عن أصل تسمية الجسر، فإنها جاءت من بنائه بجوار «فندق فيكتوريا» وهو أول فندق شيد في دمشق في أواخر القرن التاسع عشر على الطراز الأوروبي في العمارة، وذلك بعدما كانت الخانات القديمة تلعب دور الفنادق في القرون السابقة. وكان «فندق فيكتوريا» يعتبر من أجمل الأبنية المشيدة في دمشق في تلك الحقبة. وكان يحوي أجنحة فرشت على النسق الشرقي وأخرى على النسق الغربي، ويميز بواجهته الأنيقة من جهة الجنوب. وقد أعد الفندق لاستقبال الملكة البريطانية فيكتوريا لكن الزيارة لم تتم بسبب وفاة الملكة عام 1901، غير أن الفندق احتفظ لبعض الوقت بشرف حمل اسمها، قبل أن يأخذ لاحقا اسما آخر هو «فندق قصر الرشيد» بعد انتقال ملكيته من صاحبه الخواجة بترو إلى شخص آخر. وأزيل الفندق نهائيا عام 1955، حين شيد في مكانه مبنى تجاري إسمنتي ضم مكاتب ومحلات كثيرة. مع هذا، بقي الفندق حاضرا في ذاكرة المؤرخين والمسنين السوريين الذين عاصروه وعاصروا الأحداث التي شهدها والشخصيات الهامة التي نزلت فيه، ومنهم الحاكم العسكري التركي أحمد جمال باشا الملقب بـ«السفاح» الذي نزل فيه عام 1916، وبقي مقيما فيه طوال إقامته في دمشق. وكذلك جمال باشا المرسيني الملقب بـ«الصغير» الذي خلف أحمد جمال باشا وبقي فيه حتى سبتمبر (أيلول) عام 1918. وممن أقاموا في الفندق أيضا الجنرال البريطاني إدموند اللنبي عام 1918، كما أقامت فيه القيادة العسكرية العثمانية طيلة فترة الحرب العالمية الأولى، و«لجنة كراين» الأميركية التي حضرت إلى دمشق للاستفتاء حول الانتداب عام 1919، واللورد بلفور عام 1925 وخرجت المظاهرات الصاخبة في دمشق أمام الفندق احتجاجا على هذه الزيارة، كما يذكر المؤرخ الشهابي. وأيضا أقامت فيه القيادة البريطانية مع دخول الديغوليين عام 1941. وبعيدا عن الساسة، كان من أشهر من نزل فيه الممثل الهزلي الشهير تشارلي تشابلن في زيارته لدمشق لحضور عرض أحد أفلامه.

أما عن المباني التاريخية والهامة المجاورة لجسر فيكتوريا، فأبرزها مبنى فندق «خوّام» أو «المشرق»، الذي أنشئ على الطراز الشرقي وكانت فيه ساحة سماوية تتوسطها بركة ماء تحيط بها أشجار الليمون والياسمين، وصار في ما بعد مقهى «الصفا» ومطعم «سقراط». كذلك فندق «قصر عدن». وفي زاوية شارع بيروت بجوار الجسر من جهة الجنوب أنشئ فندق آخر أخذ اسم فيكتوريا أيضا ولكنه هدم في ما بعد، وأقيم مكانه في خمسينات القرن العشرين فندق «سميراميس» الذي ما زال قائما ويتميز بطرازه المعماري الجميل وشكله المميز وديكوراته الخارجية التي جددت قبل سنوات بشكل فني جميل.

ويجاور الجسر جامع الطاووسية (الخانقاه اليونسية)، الذي بني في العهد المملوكي عام 1382، وجدد البناء عام 1931، بجانب كثير من المباني التي سميت بـ«مباني الطاووسية» وأسست قبل أكثر من نصف قرن، والتي تحيط بالجسر، ويمكن مشاهدته من شرفاتها. كما يمكن مشاهدة كثير من مناطق دمشق وأسواقها القديمة من أعلى الجسر الذي تعبره يوميا آلاف السيارات وحافلات النقل العام التي تربط مناطق دمشق الشرقية بحارات وضواحي مناطق دمشق الغربية والجنوبية.