عاد الجدل من جديد حول الأحزاب السياسية التي تقف وراء مبادرة الحوار الوطني حول الإعلام، التي انطلقت الجولة الأولى لجلساتها في أول مارس (آذار) الحالي، بعدما لوحظ أن ممثلي حزب الأصالة والمعاصرة (معارضة برلمانية) كانوا أكثر عددا من ممثلي باقي الأحزاب السياسية الأخرى المشاركة في الحوار، وذلك خلال اللقاء الصحافي، الذي عقد أمس بمقر البرلمان.
ودفع التساؤل حول مغزى «الحضور المكثف» لممثلي حزب الأصالة والمعاصرة في اللقاء الصحافي، أعضاء هيئة إدارة الحوار إلى تبرير غياب ممثلي الأحزاب السياسية الأخرى عن اللقاء بأنه ناتج عن ظروف خاصة أو طارئة، ولا يعكس أي مقاطعة من جانبها للحوار، الذي تم بمبادرة من ثمانية فرق برلمانية.
وطمأن أعضاء الهيئة الصحافيين بأن وضعية الصحافي، وواقع المؤسسات الصحافية كانت في صلب الحوار، كما تم التركيز على أهمية إصدار قانون صحافة جديد، واتفقوا على أن هامش الحرية الصحافية في المغرب كبير جدا مقارنة مع دول عربية أخرى.
إلى ذلك، قال جمال الدين الناجي، المنسق العام للحوار، إنه اتضح من خلال جلسات الحوار أن الصحافي بحاجة إلى تكوين حقوقي، والسياسي بحاجة إلى تكوين إعلامي، لتقريب وجهات النظر والمواقف، كما أن الجميع اتفق على ضرورة منح الصحافي الحق في الوصول إلى المعلومة، وتمكينه من مصادر الخبر.
وحول اختيار الهيئة عقد جلسات مغلقة، بدل أن تكون مفتوحة، قال الناجي إن الحوار يجري مع مؤسسات تمثل الإعلاميين، وهي نقابة الصحافيين المغاربة، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، بالإضافة إلى وزارة الاتصال، وبالتالي فإن المسؤولين عن هذه المؤسسات على دراية بالواقع الإعلامي «ونعمل معا من أجل تشخيصه»، إذ لا يعقل، برأيه، أن يتم الاستماع إلى 3500 صحافي، وهو عدد الصحافيين الموجودين في المغرب.
واعتبر الناجي أن الجدل الدائر في الصحف عن الحوار الوطني حول الإعلام هو جزء من الحوار، الذي عقد في خمس جلسات، لمدة أكثر من 20 ساعة.
وأعلن الناجي أن الهيئة وجهت رسالة إلى الأحزاب السياسية المغربية من أجل تقديم ورقة تلخص تصورها حول الموضوع، مشيرا إلى أن الهيئة ستعقد في الأيام المقبلة جلسات حوار مع مسؤولي شركة التوزيع «سابريس»، ومع هيئات حقوقية، من بينها مركز الدراسات في حقوق الإنسان والديمقراطية، ومنظمة «ترانسبارنسي المغرب».
وقال الناجي إنه ستتم استضافة خبراء أجانب في مجال الإعلام ومدراء مؤسسات صحافية ناجحة من فرنسا ودول أخرى قصد الاستفادة من النماذج الإعلامية العالمية الرائدة في الميدان، سواء على مستوى تسيير المؤسسات الإعلامية، أو على مستوى قضايا الإعلام والقضاء.
وإلى جانب ذلك، ستنظم الهيئة يوما دراسيا مفتوحا حول الإعلام في المغرب، كما أنها بصدد إجراء بحث ميداني حول الشباب والإعلام.
من جهته، قال يونس مجاهد، رئيس نقابة الصحافيين المغاربة، إن الحوار الحالي يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة على المدى القريب، من بينها تعديل قانون الصحافة الذي أصبح مطلبا مستعجلا، وذلك حتى لا يتم «تعويم»الحوار، أو «تضييقه».
واقترح مجاهد الحسم في «القضايا الناضجة»، في مقابل أن يظل الحوار مفتوحا حول القضايا التي تتطلب نقاشات طويلة ودراسات، من دون أن يتطرق بالتحديد لهذه القضايا التي تحدث عنها.
وأوضح خليل الهاشمي الإدريسي، رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، أنه تم تضييع وقت طويل في الحديث عن حرية الإعلام، وتم التركيز على هذا الموضوع أكثر من اللازم، و«تجاهلنا واقع المؤسسات الصحافية، وكأن الصحافي يعمل في الهواء»، على حد تعبيره، مشيرا إلى أن «المؤسسة الصحافية الضعيفة تعطي منتوجا ضعيفا وغير مهني».
وقال الإدريسي إن الحوار حول الإعلام لم ينطلق من فراغ، بل سيعمل على تطوير ما أنجز، من أجل إصدار قانون صحافة جديد «عصري وليبرالي» يواكب ما يقع في البلاد من تحولات.
أما الإعلامية فتيحة العيادي، عضو مجلس النواب عن حزب الأصالة والمعاصرة، فترى أن الهدف من الحوار «هو أسمى من أن يفضي إلى تعديل قانون الصحافة، وأنه لا ينبغي أن نحصر طموحنا في هذا المطلب»، بل أن ننجح في تعريف من هو الصحافي، ومن له الحق في ممارسة مهنة الصحافة، التي أصبحت، من وجهة نظرها، «مهنة من لا مهنة له».
أما كريم تاج، مدير ديوان وزير الاتصال، فأكد أن «الحكومة منخرطة بشكل تلقائي وقوي في الحوار منذ انطلاقه»، في محاولة لنفي وجود أي موقف معارض للحوار من طرف وزارة الاتصال، حيث سبق لخالد الناصري، وزير الاتصال، أن احتج على إشراك وزارته في هذه المبادرة بشكل متأخر. وأشار تاج إلى أن الوزارة تنطلق من رؤية شمولية حول موضوع الإعلام، تشمل الدعوة إلى تحديث المؤسسة الصحافية، وتكوين المهنيين، وتحديث المنظومة القانونية المتعلقة بالصحافة والنشر في المغرب، مشددا على أهمية التنظيم الذاتي للمهنة وضمان استقلاليتها الكاملة.