وسط مخاوف متزايدة من الانتقام، تكثفت الدعوات الدولية لاحتواء التوتر في وسط نيجيريا أمس بعد يومين من المجزرة التي ارتكبها مربّو ماشية مسلمون ضد مزارعين مسيحيين، وخلفت 500 قتيل.
ورغم الهدوء الظاهر، كان التوتر شديدا أمس في القرى التي واصلت دفن قتلاها وبينهم عدد كبير من النساء والأطفال من كل الأعمار قتلوا بالسواطير أو حرقا. وقال شاب خلال دفن ضحايا في دوغو ناهاوا، وهي واحدة من ثلاث قرى تعرضت للهجوم: «سننتقم»، بينما نجا صحافي مسلم كان يغطي الجنازة من الضرب. وذكر مصدر عسكري أن جنديا قُتل أول من أمس في بوكورو على بعد نحو عشرين كيلومترا عن جوس بينما كان يحاول تهدئة شبان مسيحيين كانوا يخططون لعمليات انتقامية. وشوهد سكان يفرون من المنطقة أيضا خوفا من هجمات جديدة، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت باتريسيا سيلاس - 30 عاما - وهي تحمل رضيعها الذي يبلغ من العمر ستة أشهر: «نغادر قريتنا تان تان لأننا نخشى أن تكون الهدف المقبل».
وانتشر الجيش في المنطقة التي أعلنت فيها حالة التأهب القصوى مساء الأحد بأمر من الرئيس بالنيابة غودلاك جوناثان. وتفيد المعلومات أن مربي ماشية من المسلمين من إثنية الفولاني هاجموا مسيحيين من إثنية البيروم في ثلاث قرى. كانت المنطقة تخضع لمنع تجول جزئي من الساعة السادسة مساء حتى السادسة صباحا، منذ أعمال العنف التي شهدتها ليلا في يناير (كانون الثاني) الماضي وقتل مسيحيون خلالها 300 مسلم.
لكن حظر التجول هذا لم يمنع وقوع الهجمات ليل السبت - الأحد، استغرقت ثلاث ساعات قبل أن يتدخل الجيش حسبما ذكر ناجون، ما أثار مجددا الجدل حول إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب في هذه المنطقة التي تتكرر فيها أعمال العنف.
وقالت المنظمة المسيحية منتدى مسيحيي ولاية بلاتو: «لم نعد نثق بالقوات المسلحة النيجيرية المكلفة أمن ولاية بلاتو».
وفي مواجهة الاتهامات بعدم التحرك، ردت السلطات النيجيرية بالإعلان عن توقيفات. وقال مصدر رسمي إن 95 شخصا يشتبه بمشاركتهم في المجازر اعتقلوا. وقال بيان رسمي نشر في ختام اجتماع لمجلس الأمن القومي في أبوجا مساء أول من أمس إن الرئيس بالنيابة أقال مستشاره للأمن القومي الجنرال ساركي مختار.
وأعربت المفوضة العليا للأمم المتحدة نافي بيلاي عن «استيائها» من تجدد أعمال العنف الطائفي في جوس بنيجيريا. وكشفت المفوضة العليا أمس أن «النساء والأطفال والمسنين كانوا من بين الذين تعرضوا للقتل بوحشية» خلال مجازر نهاية الأسبوع الماضي ضد مسيحيين، ومجازر يناير الماضي ضد مسلمين. وأضافت أنه «بعد مجازر يناير (في المنطقة نفسها)، كان يفترض أن تستفيد القرى من حماية ملائمة»، داعية السلطات الوطنية والمحلية إلى بذل جهود منسقة للتصدي للأسباب الخفية للتوتر وأعمال العنف في المنطقة. وأوضحت المفوضة العليا في بيان أن «الأمر الضروري جدا يقضي ببذل جهود منسقة لمكافحة الأسباب الخفية التي تؤدي إلى تكرار أعمال العنف العرقية والدينية هذه التي كانت نيجيريا مسرحا لها في السنوات الأخيرة». وهذه الأسباب هي التمييز العرقي والفقر والنزاعات بسبب الأراضي. وأضافت المفوضة أن «على الحكومة التصدي لهذه المشكلات بطريقة مباشرة».
وقالت بيلاي إن من «الضروري» أن يكون عمل قوات الأمن في منطقة جوس «مرئيا» وأن يكون القضاء غير منحاز. وأضافت أن «العمل الذي تقوم به قوات الأمن والقضاء بالغ الدقة، ومن المهم الحؤول دون التسبب في أحقاد جديدة، مع التأكد في الوقت نفسه من أن المسؤولين عن الأعمال الوحشية هذه لن يفلتوا من العدالة».
بدورها، نددت منظمة المؤتمر الإسلامي أمس بتجدد العنف الطائفي في وسط نيجيريا، ودعت إلى المصالحة بين المسيحيين والمسلمين. وأدان الأمين العام للمنظمة أكمل الدين إحسان أوغلي في بيان العنف في منطقة جوس وسط نيجيريا ودعا السلطات إلى «وقف دوامة العنف والى الدفع باتجاه المصالحة بين الطائفتين» المسيحية والمسلمة. كما دعا إحسان أوغلي النيجيريين إلى «الحوار من أجل حل خلافاتهم وتعزيز أسس وحدة بلدهم».
من جهتها، أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان أنه «على الرئيس بالنيابة ضمان تحرك العسكريين والشرطة بسرعة لحماية المدنيين من كل الإثنيات، المهددين بهجمات جديدة أو بأعمال انتقامية». وأضاف البيان أن «هذا النوع من العنف أدى إلى سقوط آلاف القتلى في ولاية بلاتو في العقد الأخير لكن لم يتم تحميل أحد المسؤولية».
كذلك، رأى أكبر أحزاب المعارضة النيجيرية أن «إجراءات عملية لوقف العنف بدلا من إذراف دموع التماسيح، ستنهي أعمال العنف»، مذكرا بأن خمسة آلاف شخص قُتلوا منذ 2001 في منطقة جوس.
ويرى محللون أن النزاعات القبلية التاريخية وتلك المرتبطة بالأراضي والاستياء السياسي هي أبرز العوامل المسببة للعنف الذي تشهده بانتظام منطقة جوس في وسط نيجيريا، معتبرين أن العامل الديني يحل عادة في المرتبة الثانية.
وقال تاج الدين أكنجي مدير مركز السلام وحل النزاعات في جامعة أبادان (غرب): «إنه نزاع بين سكان محليين وبدو رُحّل له صبغة دينية». وفي مقابلة مع إذاعة الفاتيكان بُثّت أول من أمس استفاض جون أونايكان رئيس الأساقفة الكاثوليك في أبوجا في الحديث بهذا الصدد قائلا: «لا يتم الاقتتال بسبب الدين وإنما بسبب مطالب اجتماعية واقتصادية وقبلية وثقافية». من جهته قال سليمان نيانغ المتخصص في شؤون أفريقيا والإسلام في جامعة هاورد في واشنطن: «إنه نزاع عرقي وسياسي وليس له أي علاقة بالدين. البعض في نيجيريا لا يريد الاستقرار ويقوم بكل أنواع المناورات».