من بين نحو 3000 شخص يمثلون النخبة الحاكمة داخل الصين ويجتمعون في العاصمة بكين هذه الأيام لتدشين التجمع السياسي الأكبر خلال العام، يحظى شخص واحد باهتمام وسائل الإعلام الحكومية والمعلقين الإلكترونيين: إنه بو شي لاي. اختير بو في استطلاع أجرته صحيفة «الشعب اليومية» على الإنترنت «رجل العام»، كما كان موضوع مقطع فيديو جذاب انتشر على الشبكة الإلكترونية، ويحظى بالإعجاب من قبل عدد لا يحصى من المدونات. وعليه فإن بو مؤهل لأن يختار لشغل أحد المناصب البارزة داخل الصين خلال 2012، حيث يتوقع أن يتقاعد الكثير من القيادات الحالية داخل الصين في ذلك الوقت.
وخلال الأعوام الثلاثة التي شغل خلالها منصب المسؤول الأول داخل الحزب الشيوعي في بلدية شونجكين، وهي البلدية الأكبر داخل الصين، أحدث بو تغيرات كبيرة في الساحة السياسية الصينية إذ أصبح سياسيا يحظى بشعبية على نطاق واسع.
ويقول لي، لي، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 48 عاما: « بو شي لاي ناكر للذات، كما أنه شخص لا يعرف الخوف. في هذه الأوقات، نحتاج إلى مسؤولين حكوميين على غرار بو. فهو يبحث عن العدالة من أجل مواطنين عاديين». وقد ابتكر لي مقطع الفيديو على شرف بو بعد أن قرأ عن الإجراءات الصارمة التي اتخذها ضد المافيا في بلدية شونجكين، حيث لم تقف الحملة عند استهداف رجال الأعمال الفاسدين، وإنما استهدفت أيضا المسؤولين الحكوميين البارزين الذين تواطأوا معهم، على عكس الجهود التي كانت تبذل في السابق في هذا الصدد.
والهدف الرسمي من اجتماع مؤتمر الشعب الوطني، الذي انطلق في 5 من الشهر الحالي ويمتد حتى 14 منه، هو مراجعة وتمرير تشريعات جديدة. لكن في ضوء عدم الفصل بين السلطات داخل الصين، ولأن بعض من يصوتون على القوانين يشاركون في صياغتها، فإن ذلك التجمع يعد رمزيا إلى درجة كبيرة. وتحدث النقاشات الأكثر إثارة وراء الحجب، فمؤتمر الشعب العام الحالي يمثل البداية غير الرسمية لسباق تكميلي خاص بمؤتمر الحزب الشيوعي لعام 2012 حيث سيستلم خلاله الجيل المقبل من القيادات مقاليد الأمور من الرئيس هو جين تاو ورئيس الوزراء وين جياباو. وتركز جميع الأنظار على أي من «قيادات الجيل الخامس» مثل بو، يسير صعودا ومن منهم يسير هبوطا، وما ينبئه ذلك عن اتجاه البلاد.
وخلال عامين، يتوقع أن يتقاعد أكثر من نصف أعضاء اللجنة التنفيذية داخل الحزب الشيوعي أو أن يتركوا مواقعهم بسبب السن. ويمهد ذلك الساحة أمام أفراد جدد ليظهروا كأشخاص بارزين مسؤولين عن الشؤون السياسية والآيديولوجية للبلاد والإدارة الاقتصادية والمالية والسياسية الخارجية والعمليات العسكرية، حسب ما يفيد به تشينغ لي، وهو باحث مختص بالشؤون الصينية داخل «بروكينغز»، وهي مؤسسة أبحاث بارزة في الولايات المتحدة.
ومن بين هؤلاء لي كيكيانغ (55 عاما) وهو مزارع سابق حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد في إحدى الجامعات البارزة داخل الصين وهو حاليا نائب رئيس الوزراء ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه رئيس الوزراء المقبل. كما يعد شي جين بينغ (57 عاما)، وهو ابن شخصية كبيرة بارزة في الحزب الشيوعي ويعمل حاليا نائبا للرئيس، الوريث المحتمل لمنصب الرئيس.
وعلى الرغم من أن مسؤولين بارزين آخرين يميلون إلى التصرف بخجل وجبن أثناء تعاملهم مع الجمهور ووسائل الإعلام، تمكن بو من جذب الجميع تقريبا. وقد قاد جمهورا قدر بالآلاف في حفل غنائي تضمن أغاني «الثقافة الحمراء» وجلس في مفاوضات بثت عبر التلفزيون مع عمال محتجين وتواصل مع الطلاب عبر الرسائل النصية.
وحيث إنه يبلغ من العمر 60 عاما، فإنه لا ينظر إليه على أنه مرشح لمنصب رئيس الوزراء، لكن أكاديميين صينيين يقولون إنه من المحتمل أن يختار في اللجنة الدائمة داخل الحزب الشيوعية المكونة من 9 أفراد، وهي اللجنة الأكثر نفوذا لاتخاذ القرارات داخل الصين.
ويتميز بو بشخصية كاريزمية كما أنه مهندم وطويل حسب الشائع داخل الصين، وأصبح نموذجا على مجموعة من القيادات الصينية الناشئة التي تعرف باسم «الأمراء الصغار».
ويعكس ترشيحه إلى أي مدى تغير الحزب الشيوعي الصيني عن أصوله. وفي الوقت الحالي، يزداد جمهور الناخبين داخل الحزب المنتمين إلى الطبقة الوسطى كما أنهم، يهتمون بأمور مثل التجارة والمال أكثر من الآيديولوجيا الماركسية.
وكما هو الحال مع «الأمراء الصغار» الآخرين، وهم أبناء مسؤولين بارزين داخل الحزب الشيوعي، ترعرع بو في الأغلب داخل المناطق الصينية الساحلية الأكثر ثراء، وبلغ سن النضوج خلال الثورة الثقافية. كما أنه يتحدث الإنجليزية بطلاقة وحصل على درجة جامعية، وبدأ عمله داخل الحكومة بعد بدء إصلاحات اقتصادية تعتمد على السوق في نهاية السبعينات.
وفي المقابل، نشأت الكثير من القيادات الحالية داخل الصين غالبا في المناطق الداخلية لعائلات عادية وشقوا طريقهم وسط البيروقراطية الحكومية خلال مناصب بأقاليم نائية. ويعرف أن بو من الـ«توانباي»، في إشارة إلى رابطة الشباب بالحزب الشيوعي حيث كانوا أعضاء فيها وكانت مكانا لإعداد القيادات المستقبلية. ويُنظر إلى هؤلاء الرجال على أنهم تكنوقراط ساعدوا الصين على تنفيذ أهدافها التي حددتها أجيال سابقون، ولكن من دون إعادة صياغتها.
وفي القرارات الخاصة بالسياسات، يميل الأمراء الصغار إلى الاعتقاد أن المستقبل يكمن في تحسين مصالح الطبقة الوسطى، ويميل الـ«توانباي» إلى صرف اهتمام أكبر من الأمراء الصغار بالفئات المعرضة للمخاطر مثل المزارعين والعمال المهاجرين والفقراء داخل المناطق الحضرية.
ويقول تشانغ هونغليانغ، أستاذ علم الاقتصاد في جامعة مينزو ببكين، إن المواطنين يعتبرون بو مسؤولا عصريا أمينا ومستقيما. ويضيف أنه «يوازي الثناء الكبير الذي يحظى به بو انتقادات توجه لمسؤولين آخرين».
وبو هو ثاني أكبر ابن وسط سبعة أطفال لبو يي بو، الذي كان ضمن مجموعة من مسؤولي الحزب الشيوعي معروفين بـ«الثمانية الخالدين» تم تطهيرهم خلال الثورة الثقافية، بسبب دعمهم التجارة المفتوحة مع الغرب وغيرها من الإصلاحات ذات النمط الرأسمالي. وتعرض بو وباقي أفراد عائلته للسجن وضربت أمه حتى قضت نحبها داخل السجن. ولكن عندما صعد دنغ شياو بينغ إلى سدة الحكم عام 1978، أعاد بو يي بو إلى موقعه كنائب لرئيس الوزراء. وحقق بو شي لاي نجاحا خلال المدة التي قضاها أبوه في بكين، وتخرج في جامعة بكين بدرجة في التاريخ والتحق بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، وهي مؤسسة بحثية بارزة تابعة للحكومة، من أجل الحصول على درجة الماجستير.
وحاليا، بو هو المسؤول عن إدارة بلدية شونجكين، وهي منطقة يعيش فيها 32 مليون شخص على امتداد نهر اليانغتسي. وفي خريف 2008، حظي بو بثناء كبير بسبب الطريقة التي أدار بها إضرابات المدرسين والشرطة وسائقي التاكسيات داخل المدينة، عندما بدأ الاقتصاد الصيني في الانكماش. وعلى الرغم من أن قيادات إقليمية أخرى داخل الصين واجهت مشكلات مماثلة وتعاملت مع العمال المضربين كمجرمين وألقت القبض على قياداتهم وأرسلوهم إلى أقسام الشرطة، قام بو بما اعتبر أنه تحرك راديكالي داخل الصين: دعا ممثلي سائقي التاكسيات إلى الاجتماع معه في إطار ندوة بثت على التلفزيون الحكومي وتفاوض على شروط لإنهاء الإضراب.
وفي عام 2009، واجه بو رهانا سياسيا آخر، حيث دشن ما أطلق عليه «حملة الثقافة الحمراء» من أجل أن يتعايش الناس بعضهم مع بعض، وأن يقرأوا ويدرسوا ويتغنوا حول عمل ماو تسي تونغ من جديد. وعلى الرغم من أن عددا قليلا من الأكاديميين انتقدوا هذا الأمر، فقد كان له صدى كبير بين الجموع، حيث شارك مئات الآلاف خلال هذه الفعاليات.
«ساهم في التقرير الباحث وانغ جوان»
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»