«شانيل» تتوجه إلى القطب الشمالي.. و«كلوي» تقدم لون الكاراميل بحلاوة مركزة

في الأيام الأخيرة لأسبوع باريس

TT

باريس هي عاصمة النور والأناقة والسحر بلا شك، لكن طقسها البارد هذه الأيام لا يطاق، ويفسد الاستمتاع بأي من جمالياتها. فأينما توجهت، ومهما ارتديت من طبقات صوفية، فإن الهواء القارس يصفعك بقوة ويجعلك تريد أن تهرب منها إلى أي منتجع صيفي ما دام مشمسا يبث بعض الحرارة في الجسم والروح. ما يعرض على المنصات الباريسية، من فرو وجلود، يتماشى مع هذا الطقس، ويطمئن أن ما سنشتريه لفصل الشتاء يمكن أن ينفع في الربيع أيضا، بالنظر إلى تغير المناخ، بدليل أنه حتى دار «شانيل» التي اشتهرت بالتويد استعملت الفرو والجلد أكثر من أي وقت مضى. وإذا عرف السبب بطل العجب، فوجهة الدار في خريف وشتاء 2010 ستكون القطب الشمالي، الأمر الذي لمحت له في بطاقة الدعوة التي تلقاها الضيوف منذ أيام، وجسدت رسما يمثل دبا يبدو حزينا ووحيدا.

بداخل «لوغران باليه»، مكان العرض، تبين أن المصمم المعروف بحبه للموسيقى والتصوير الفوتوغرافي وغيرهما من الهوايات، عانق مناصرة حماية البيئة، وأخذ على عاتقه زيادة الوعي بمخاطرها. لكن على العكس من المخضرمة البريطانية فيفيان ويستوود التي تكتب رسائلها في هذا الشأن منذ فترة طويلة بالخط العريض والواضح، ارتأى لاغرفيلد أن يرسله بغمزة فنية لا يتقنها سواه ليصل إلى القلب والعقل، ويؤكد في الوقت ذاته أنه لا يزال ينجح في التفوق على نفسه في كل موسم ومفاجأتنا بالجديد. والمقصود هنا ليس الجديد فيما يخص الأزياء والتصميمات فحسب، بل خياله الخصب فيما يتعلق بالخلفيات التي يتصورها ويبنيها لاحتضان عروضه. فبعد حظيرة القش التي أتحفنا بها في الموسم الماضي، وأطلت علينا منها المغنية ليلي آلن من تحت الأرض، طلب هذه المرة بناء منصة مربعة يتوسطها نهر وجبال جليدية، تطلب صنعها نحو 240 طنا من الثلج ودرجة حرارة معينة حتى لا يذوب. عملية أشرف على صنعها فريق العمل الذي صنع أكبر فندق جليدي في السويد لما تحتاجه من دقة. ما إن ارتفعت الستائر الزجاجية التي كانت تخفي هذا الجليد بداخلها، حتى فهم الحضور سر القشعريرة التي شعروا بها بمجرد دخول «لوغران باليه»، وغبطوا العارضات، لأنهن كن أحسن حظا. فهن على الأقل كن مغطيات بالفرو من أعناقهن إلى أقدامهن، إلى حد أن بعضهن كن بدينات مثل الدببة، خصوصا في الجزء الأول من العرض. للوهلة الأولى، كان من الصعب تصديق الرؤية، لأن مناصرة البيئة واستعمال الفرو أمران متناقضان، لكن لاغرفيلد طمأن وسائل الإعلام بعد العرض بأنه فرو غير أصلي، وأن التقنيات الحديثة أصبحت تساعد على إنتاج أنواع لا تقل جودة عن الطبيعي، والأهم من هذا لا تفرق عنه في المظهر. لهذا، ولأول مرة، كان هذا الكم الهائل من الفرو في دار «شانيل». ففي الجزء الأول من العرض، مثلا، توالت المعاطف والتايورات وحقائب يد والأحذية عالية الساق المصنوعة من هذه الخامة المترفة. مظهر الفرو كان غامرا غطى على التايور التويد والفستان الناعم، ماركتي الدار المسجلتين، واللتين تم تقديمهما من الفرو أيضا، الأمر الذي خدم بعض التصميمات وأضفى عليها ترفا، فيما لم يخدم البعض الآخر. والسبب أنه أضفى على العارضات وزنا وعرضا، فما البال بامرأة عادية المقاييس، لا تتمتع لا بطولهن الفارع ولا بنحافتهن الأنوركسية؟

لنحو 15 دقيقة تقريبا، هي مدة العرض، لم تتغير الخلفية الجليدية ولا أصوات الرياح القطبية وتلاطم الأمواج، لكن الأزياء تغيرت في تنوع أنيق يشير إلى خيال خصب، وأيضا إلى حنكة ووعي بأحوال السوق. قسمها لاغرفيلد إلى مجموعات، وفي حين قد لا تكون المجموعة الأولى التي غلب عليها اللون البني، على ذوق امرأة شانيل، ببنطلوناتها المصنوعة من الفرو وأشكالها الضخمة، فإن ما تلاها كان متعة للعين. فقد أرسل عارضاته في مجموعة من التايورات والفساتين التي تطل بخجل من تحت جاكيتات مستديرة وواسعة، أغلبها باللون الأسود المطعم بجرعات من الأخضر أو الأحمر، مختتما العرض بمجموعة أنيقة جدا مكونة من فساتين من صوف الموهير على شكل كنزات طويلة باللون الأبيض وومضات باللون الأزرق السماوي والفرو البني، إلى جانب فساتين كوكتيل تحمل بصمات «شانيل» الراقية مثل فستان أبيض شفاف تداخل فيه الصوف مع الحرير تم تنسيقه مع «روب» من الفرو ظهرت فيه العارضة وكأنها ملكة ثلج خارجة من أساطير وحكايات الأطفال.

وكما العادة، فإن الإكسسوارات كانت حاضرة بقوة، خصوصا الحقائب التي جاءت بأشكال متنوعة، بعضها من الجلد وبعضها الآخر من الفرو والأحذية العالية الساق المصنوعة من الفرو والتي تدخل الدفء على النفس بمجرد النظر إليها، أو من الجلد بلوني الأبيض والأسود. المؤكد أنه إذا كان شتاء عام 2010 في برد هذه الأيام، فإن أرباح «شانيل» سترتفع حرارتها بشكل كبير.

في اليوم نفسه، كان عرض «كلوي» الدار التي عمل فيها لاغرفيلد في السبعينات، وأرسى أسلوبها الناعم الذي يحيي امرأة منطلقة وبوهيمية. العرض الذي كان في حدائق التويلرز، لم يعتمد على خلفية درامية لكنه عوض عن الفقر في هذا الجانب بأزياء وإكسسوارات في حلاوة الكاراميل. وإذا كانت هناك تشكيلة لم تتعارض فيها الآراء، وأجمع الكل أنها أنيقة ورائعة، فهي هذه بلا شك. فقد أكدت فيها المصممة حنا ماكغيبون أنها نضجت وتوصلت أخيرا إلى الوصفة الناجحة لامرأة عملية وأنيقة تريد أن تحتفل بأنوثتها، لكن في الوقت ذاته تريد أن تكون على استعداد لأي منافسة، ومن أي نوع. اللون الغالب كان هو البيج الغامق والكاراميل، والقطعة المثيرة للاهتمام هي المعطف الذي جاء بعدة أشكال وألوان أيضا بقلنسواته الواسعة، إلى جانب جاكيتات الجلد والتويد والبنطلونات العالية الخصر. ما قامت به المصممة حنا أنها غزت خزانة الرجل وسرقت كل قطعه الكلاسيكية وأنثتها بشكل مثير وناعم في الوقت ذاته. وكانت نتيجة هذه الخلطة مظهرا لامرأة قوية وواثقة من نفسها وأنوثتها لكنها في الوقت ذاته بعيدة كل البعد عن الاسترجال. كما أنها باعتمادها على الكاراميل بدرجاته الهادئة والخفيفة، والبيج المائل إلى المستردي أعطتنا درسا في أن اللون الواحد يمكن أن يكون حيويا وشابا. أما ما يحسب لها أكثر، فهو قدرتها على التقاط روح المرأة الباريسية المترسخة في الأذهان، والتي تصورها بسيطة في أناقتها، رومانسية في بوهيميتها، وإن كانت هناك إيحاءات من الغرب الأميركي في بعض المعاطف الطويلة التي تزينها شراشيب من الجوانب وبعض التصميمات المستوحاة من البنش. تجدر الإشارة إلى أن حنا ماكغيبون لم تلتحق بالدار الفرنسية إلا في عام 2008، وكانت مهمتها صعبة إلى حد الآن، تتمثل في التفوق على ما حققته البريطانية فيبي فيلو، مصممة دار «سيلين» حاليا، للدار في بداية 2000 حين تضاعفت الأرباح واكتسبت «كلوي» شهرة عالمية في وقت قياسي.