أعلن الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، عن قرار ضم قصر «السقاف» التاريخي في مكة المكرمة إلى ملكيات الهيئة، بأمر من ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، الذي أعلن عن تبرعه بمبلغ مليونَي ريال من أجل ترميم القصر التاريخي.
ورجع الأمير سلطان بن سلمان سبب ضم القصر إلى ما عاناه منذ فترات سابقة من عدة انهيارات وحرائق لعل آخرها ما شهده قبل شهر من الآن، مضيفا أن القرار الذي اتُّخذ وباشرت الهيئة بعده عملها في النقل وبدء أعمال الترميم، تَأتّى من خلال ما رفع من أمارة منطقة مكة المكرمة، إلى ولي العهد الذي أصدر القرار بتسليمه للهيئة.
وقال الأمير سلطان بن سلمان خلال حديثه لوسائل الإعلام على هامش افتتاح مكتب الهيئة العامة للسياحة والآثار في العاصمة المقدسة: «إننا نعمل في هدوء وفق التوجيهات الملكة السامية ووفق الخطط التي وضعتها الهيئة تحت مظلة توسيع مجال عمل الهيئة في ضم المكتبات الخاصة التي تحتوي على آثار وتحف قديمة وكذلك المدن الأثرية القديمة من أجل العمل على ترميمها وتهيئتها للزيارات الميدانية والطلابية والزيارات المتخصصة وحفظ المأثور لدى كل منطقة ومدينة».
وحول الآلية التي سوف تُتبع في تنظيم وترميم المواقع التاريخية في مكة ذكر الأمير سلطان: «سوف نوقع اتفاقية مشتركة بين أمانة العاصمة المقدسة والهيئة العامة للسياحة من أجل وضع استراتيجية خاصة وتسليم بعض المواقع للهيئة والقيام بعمل مشترك من خلالهما، كما أن هناك توجيهات سامية بالعناية بالآثار الإسلامية بشكل خاص والتاريخية في جميع مناطق المملكة بشكل عام ويتضح ذلك من خلال دعم المشاريع والأعمال القائمة للمحافظة عليها، لضمان دوامها ولن يكون التوسع العمراني في المدن على حساب هذه الآثار».
وعن ما قامت به الهيئة في مشروع عين زبيدة كشف الأمير سلطان بن سلمان عن الانتهاء من العملة التوثيقية لمسار درب عين زبيدة، وفتح مسار سياحي للعين مع مسارات طريق التوحيد في مدينة الرياض، وتأتي هذه الأعمال ضمن مهمة رصد الطريق التاريخية للملكة والتي كانت نقطة التقاء الحضارات الإسلامية والقوافل التجارية من مختلف الأقطار.
وعُرف قصر «السقاف» التاريخي بتنوعاته الهندسية، وأسلوب العمارة الإسلامية ذات الطابع الأخاذ لروعة أركانه وزواياه، التي حاكت براعة التفرد للعمارة التقليدية في بدايات القرن الماضي في مكة المكرمة.
وعلى الرغم من تقادم جدرانه وجنباته، فإن طلته تخبرك من كثب ببداية الحقبة السعودية في العاصمة المقدسة. فـ«القصر التاريخي»، الذي بُني في عهد الملك عبد العزيز قبل 84 عاما، جرت عليه محاولة ترميم وصفتها جهات تاريخية بـ«الضعيفة» إبان الاحتفالات السعودية بمئوية توحيد الديار السعودية، حيث تعرض هذا القصر في أوقات متفاوتة لحرائق قبل 3 أعوام، وهو ما أسهب في تعرض هيكله لهزات قوية، انهارت على إثره أجزاء محورية من واجهة قصر السقاف الكائن في مكة المكرمة، في حي المعابدة تحديدا والمجاور لأمانة العاصمة المقدسة.
وقال الدكتور ناصر الحارثي أستاذ التاريخ قبل وفاته، إن هذا القصر يعد الأقدم تاريخيا والأكبر حجما إذ بُنيت فيه معظم القصور الملكية، بما في ذلك قاعات استقبال الرؤساء والملوك وكبار ضيوف الملك عبد العزيز من سفراء وقناصل الدول العربية والإسلامية ورؤساء بعثات الحج وكبار الحجاج والمواطنين. ومن خلال الدراسة الميدانية والحديث للحارثي يتبين أن المبنى الواقع في الجهة الشرقية من هذا القسم يعود تاريخه إلى ما قبل عهد الملك عبد العزيز، أما المباني الواقعة في الجزء الأوسط فقد بُنيت في عام 1927 على أن مقدمتها المطلة على شارع القصر الملكي (السقاف حاليا)، بُنيت في أواخر عهد الملك عبد العزيز، وكذلك قصر الملك سعود الواقع في القسم الشمالي، حيث تتميز المباني بشرفاتها المتعرجة التي تنتهي بشكل نخلة، وأشكال الشابورة في سترة أسطحها، ومزاغلها (شقوقها السهمية)، وسقّاطاتها نصف البرميلية، وأفنيتها المتعددة وعقودها النصف دائرية، والموتورة.
وأضاف الحارثي: «يستند تخطيطها على صحن مكشوف في الوسط تطل من جوانبه الأربعة الكثير من المجالس وقاعات الاستقبال والغرف، كما لوحظ وجود مسجد في أحد القصور الواقعة وسط القسم الجنوبي، حيث لوحظ استغلال إحدى الغرف الواسعة وعمل محراب جداري فيها، أما واجهة القسم الجنوبي، وكذلك قصر الملك سعود، فطرازهما المعماري واحد، حيث تتميز الواجهات فيها بعقودها المدببة ومداخلها الفخمة، وأعمدتها الشاهقة، وشرفاتها (بلكوناتها) المثلثة، واستخدام الزخرفة الهندسية المعروفة باسم «مسدس» خاتما في السياج الرخامي في الشرفات.
من جانبه أوضح الدكتور فواز الدهاس أستاذ التاريخ في جامعة أم القرى، لـ«الشرق الأوسط» أن القصر يعد المقر الرئيسي والرسمي في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، حين ضم الحجاز، واستمر مقرا رسميا في البلاد حتى عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، مشيرا إلى أن القصر هو المكان الرئيسي للدولة في استقبال الوفود والقبائل، وكبار الشخصيات، والملوك والرؤساء.
وأضاف الدهاس أن قصر السقاف عُرف تاريخيا بالقصر الملكي في «المعابدة»، وهو أحد أكبر أحياء مكة القديمة، وكانت المعابدة آنذاك أحد الأحياء الخارجة عن مركزية مكة المكرمة، حيث كان من سياسة الملك عبد العزيز، في بناء قصور الحكم، أن لا تشكل عبئا وازدحاما على الحياة اليومية والنمطية للمواطنين، كما هو الحال في قصور الزاهر التي بُنيت خارج النطاق العمراني.
وأبان أن القصر الملكي في المعابدة هو مجموعة من عدة قصور بنيت عام 1346هـ واستمر بناؤه ولم يكتمل حتى قبيل وفاة الملك عبد العزيز، وحتى تقريبا عام 1373هـ. وزاد: «يوجد في القسم الجنوبي منه قصر الملك سعود، وبقية القصر عبارة عن قاعات ومجالس كبيرة وفي الجزء الخلفي تأتي دور إقامة العائلة الملكية».