نجاد في أفغانستان ينتقد وجود 120 ألف أجنبي.. ومصادر أفغانية لـ«الشرق الأوسط»: حديث المصالحة مع طالبان يقلق طهران

جمع التليفونات وزجاجات المياه من الصحافيين قبل المؤتمر الصحافي

أحمدي نجاد وكرزاي خلال مؤتمرهما الصحافي أمس (رويترز)
TT

تراشق الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بالكلمات أمس خلال فترة وجيزة أمضياها معا في أفغانستان حيث تنشر واشنطن قوات ستصل إلى 100 ألف جندي أميركي بحلول نهاية العام. وغادر غيتس كابول بعد فترة وجيزة جدا من هبوط طائرة أحمدي نجاد، لكنه وقبل مغادرته وصف توقيت زيارة الرئيس الإيراني بأنه «يغذي أفكار أصحاب نظريات المؤامرة» دون أن يدلي بتفاصيل. وأضاف وزير الدفاع الأميركي: «أبلغت الرئيس كرزاي أننا نريد لأفغانستان أن تكون لها علاقات طيبة مع جميع جيرانها. لكننا كذلك نريد من كل جيران أفغانستان البدء في التعامل بشكل صريح مع حكومة أفغانستان»، فيما انتقد الرئيس الإيراني في كابول انتشار قوات الحلف الأطلسي (الناتو)، وجلها قوات أميركية، وسخر من وزير الدفاع الأميركي. وتساءل الرئيس الإيراني: «ماذا كان يفعل على مسافة 12 ألف كلم» من بلاده؟.

وقال أحمدي نجاد في المؤتمر الصحافي مع نظيره الأفغاني حميد كرزاي بعد مباحثاتهما: «لا نرى أن وجود القوات العسكرية الأجنبية هو لجلب السلام إلى أفغانستان». وأضاف أن «الحل يمر عبر سيطرة الحكومة الشرعية لأفغانستان على الوضع». وأكد أن «إيران لا تلعب دورا في انعدام الأمن في أفغانستان. لطالما كنا إلى جانب الحكومة والشعب الأفغانيين بما يخدم الأمن في أفغانستان».

وحين طلب منه أحد الصحافيين التعليق على قول غيتس بأن إيران تلعب دورا مزدوجا في أفغانستان، ابتسم الرئيس الإيراني وقال: «السؤال هو بالأحرى: ما تفعل أنت (غيتس) في هذه المنطقة؟». وتابع: «أنت على مسافة 12 ألف كلم من الجانب الآخر للكرة الأرضية. ماذا تفعل هنا؟ هذا سؤال جدي»، مضيفا: «هل أنت هنا لوقف الإرهابيين؟ إن كنت هنا لسبب آخر، عليك أن تتحلى بالشجاعة الكافية للإقرار بذلك».

وكان غيتس اتهم إيران في يونيو (حزيران) 2009 بأنها تلعب «لعبة مزدوجة»، إذ تبدي صداقة لحكومة أفغانستان وترسل في الوقت نفسه أسلحة إلى المتمردين الذين يهاجمون قوات الحلف الأطلسي. ورد أحمدي نجاد أمس على اتهام غيتس بلعب دور مزدوج، متهما الأميركيين بأنهم هم من يلعبون دورا مزدوجا. وقال: «لماذا لا ينجح كل من يقول إنه يريد محاربة الإرهاب؟.. أعتقد أن ذلك لأنهم هم من يلعبون دورا مزدوجا». وتابع: «إنهم هم من وضعوا الإرهابيين على المسار، وهم الآن يقولون نريد أن نحاربهم. لكنهم لا يقدرون، هذا مستحيل». وأضاف: «ليس لدى إيران أي دور في زعزعة الاستقرار في أفغانستان، لكن في تحقيق السلام بها».

كما اتهم الرئيس الإيراني واشنطن باستخدام الإرهاب «ذريعة» لتبرير انتشار 121 ألف جندي أجنبي في هذا البلد. وقال في إشارة إلى حركة طالبان وتنظيم القاعدة إن الولايات المتحدة «خططت لهما وأعطتهما المال وأمدتهما بالدعم والمعلومات».

من ناحيته قال كرزاي في المؤتمر الصحافي: «أكدنا لأشقائنا في إيران أننا لا نريد أن تستخدم أراضينا ضد جيراننا». ولوحظ أنه خلال المؤتمر الصحافي تحدث الرئيس الإيراني أغلب الوقت فيما لم يتحدث الرئيس الأفغاني إلا بشكل متفرق ومحدود جدا.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إنه قبيل بدء المؤتمر الصحافي بين نجاد وكرزاي جمع حرس الأمن الأفغاني بقلق زجاجات المياه المعدنية نصف الممتلئة من الصحافيين. وقال أحدهم إن ذلك لمنع أي شخص من رشق أحمدي نجاد بزجاجة، كما جمعت أجهزة التليفونات الجوالة.

وفيما يواجه الرئيس الأفغاني انتقادات متزايدة من حلفائه الغربيين ومن بينهم أميركا وبريطانيا بالذات بسبب طريقة إدارته للبلاد وانتشار الفساد وتغييراته في الهيئة المشرفة على الانتخابات، التي تعزز سيطرته السياسية، قالت مصادر بحلف الناتو لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الأفغاني «أمامه أشهر اختبار صعبة وعليه أن يتخذ السياسات التي تساعد على إقصاء أو تحييد المتشددين من طالبان». وأوضحت المصادر، التي لا تستطيع الكشف عن هويتها لأنه ليس مخولا لها الحديث للصحافة: «زيادة عدد القوات الأجنبية كان مطلبا أوليا للنجاح. الآن تحركات الحكومة الأفغانية على الأرض وقراراتها ستحدد كيف ستسير عملية المصالحة. نحن لا نمانع حوار كابول مع الإيرانيين أو أي طرف آخر ما دام أن ذلك الحوار سيؤدي في النهاية إلى إحلال الأمن. لكن هذا شيء ينبغي أن ننتظر لنرى نتائجه. فما قاله الرئيس الإيراني يوضح أن كلا منا في طرف آخر من اللعبة. نحن لسنا في نفس الصفحة».

إلى ذلك قالت مصادر أفغانية لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الإيراني لم يتطرق في حديثه في المؤتمر الصحافي إلى مسألة الحوار مع حركة طالبان، على الرغم من الأهمية القصوى التي تتخذها هذه المسألة بالنسبة لحكومة كرزاي. وقالت المصادر إن حديث المصالحة بين كابل وطالبان «يقلق الجانب الإيراني». وأضافت المصادر موضحة لـ«الشرق الأوسط»: «لإيران نفوذ متنامٍ في أفغانستان منذ سنوات طويلة، لا سيما في المناطق الغربية، حيث تحتفظ طهران بعلاقات اقتصادية وثقافية قوية، هناك حسينيات ومراكز ثقافية إيرانية في هراة ومزار شريف، حتى في العاصمة كابل. بالإضافة إلى أن نائب الرئيس الأفغاني محمد كريم خليلي، وهو شيعي، ومدافع رئيسي عن حقوق أقليته من الهزارة في الشارع الأفغاني، الذين تبلغ نسبتهم نحو 20 في المائة من مجموع الشعب الأفغاني».

وذكرت قناة «تي.في» الحكومية أن الرئيس الإيراني جرى الترحيب به بشكل رسمي لدى وصوله إلى مطار كابول الدولي من قبل النائب الأول للرئيس الأفغاني محمد قاسم فهيم.

وهذه المرة الأولى التي يقوم فيها أحمدي نجاد بزيارة إلى أفغانستان منذ إعادة انتخابه هو وكرزاي في انتخابات مثيرة للجدل العام الماضي. وبعد مغادرة الرئيس الإيراني كابول، توجه كرزاي إلى باكستان مساء أمس ليلتقي المسؤولين الباكستانيين لبحث المصالحة مع طالبان.

وكان من المقرر أن يزور أحمدي نجاد في بادئ الأمر كابول الاثنين الماضي، لكنه أجّل زيارته في وقت لاحق. ولم يتضح ما إذا كان ذلك له صلة بزيارة وزير الدفاع الأميركي. يذكر أن إيران هي البلد الإقليمي الرئيسي الوحيد الذي رفض دعوة لحضور مؤتمر دولي بشأن أفغانستان في لندن في يناير (كانون الثاني).

وكان غيتس أعلن قبل مغادرته كابول تعليقا على وجود أحمدي نجاد في العاصمة الأفغانية أن الولايات المتحدة تود أن تقيم أفغانستان «علاقات جيدة» مع كل جيرانها. وتابع: «ولكننا نريد أيضا أن يلعب كل جيران أفغانستان لعبة صريحة متعاملة مع الحكومة الأفغانية».

وسيصبح لواشنطن 100 ألف جندي في أفغانستان بحلول نهاية العام، وتقول إنها تعتقد أن إيران تقدم بعض الدعم للمتشددين في أفغانستان على الرغم من أنه ليس تقريبا بنفس الحجم مثلما يحدث في العراق. ولإيران نفوذ واسع ومتنام في أفغانستان، ولاسيما في غرب البلاد، حيث توجد لها علاقات اقتصادية مهمة. وملايين الأفغان لاجئون في إيران خلال ثلاثة عقود من الحرب، كما تعد إحدى اللهجات المحلية للغة الفارسية الإيرانية، إحدى اللغتين الرسميتين في أفغانستان».

وتحافظ طهران على علاقات طيبة نسبيا مع كابول منذ الإطاحة بنظام طالبان في أواخر عام 2001 على الرغم من انتقاداتها المتكررة لوجود القوات الأميركية وقوات الناتو، التي تعتقد أنه السبب الرئيسي في المشكلات بأفغانستان.

إلى ذلك، وعلى الصعيد الأمني، قُتل جندي أفغاني واثنان من حرس الحدود الأفغان أمس بصاروخ أطلق على قاعدتهم في ولاية بكتيكا بشرق البلاد، على ما أعلن قائد الشرطة المحلية دولت خان زادران. وكانت السلطات المحلية أعلنت مقتل ثلاثة جنود واثنين من حرس الحدود في الهجوم. من جهة ثانية قتل ثلاثة مدنيين في انفجار قنبلة يدوية الصنع عند مرور حافلة صغيرة كانت تقلهم في البلدة الواقعة في ولاية هلمند، التي كانت هدف هجوم شنه جنود الحلف الأطلسي والجيش الأفغاني في 13 فبراير (شباط). وكان جنديان من حلف شمال الأطلسي قتلا مساء أول من أمس في هجوم نفذه انتحاري يرتدي بزة حرس الحدود في قاعدة مشتركة للقوات الأفغانية والأطلسية في ولاية خوست المجاورة. وتبنت حركة طالبان العمليتين.