وثائق كشف عنها مفتش أسلحة: صدام درس عرضا نوويا من عالم باكستاني في 1990

الصفقة التي عرضها عبد القدير خان كانت قيمتها 150 مليون دولار وشملت تصميمات لأسلحة نووية

مفتشا أسلحة في مجمع التويثة النووي العراقي في يونيو 2003 (إ.ب.أ)
TT

بينما كانت القوات تقف على حدود بلاده بالقرب من الخليج العربي، كان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين يدرس «صفقة» نووية قيمتها 150 مليون دولار شملت تصميمات أسلحة نووية، علاوة على مفاعلات إنتاج واستقدام خبراء أجانب للإشراف على صنع قنبلة نووية، وذلك حسب ما تضمنته وثائق كشف عنها مفتش أسلحة سابق تابع للأمم المتحدة.

قدم العرض في عام 1990 عميل له علاقة مع العالم الباكستاني عبد القدير خان، وضمن للعراق الحصول على خط تجميع أسلحة قادر على إنتاج رؤوس حربية نووية خلال 3 أعوام فقط. ولكن، ضاعت الفرصة على العراق حيث إنه بعد أشهر قامت قوات متعددة الجنسيات بهزيمة الجيش العراقي، وأجبرت صدام على التخلي عن طموحاته النووية، وفق ما قاله ديفيد أولبرايت، الخبير في الأسلحة النووية الذي تحدث عن الصفقة المقترحة في كتاب جديد.

وتظهر الوثائق أن المسؤولين العراقيين في ذلك الوقت تعاملوا مع العرض بجدية وطلبوا من الباكستانيين عينة من الرسومات لإثبات قدرتهم على ذلك. وكتب مسؤول عراقي في هامش أحد الأوراق: «بعد تطمينات المخابرات (هيئة الاستخبارات العراقية)، فإن العرض لا يتضمن عملية خداع».

وقد ورد اهتمام خان المزعوم ببيع أسرار نووية إلى صدام حسين في الكثير من الكتب والمقالات الإخبارية. وظهرت مذكرة داخلية للمخابرات في نهاية التسعينات ناقشت عرضا سريا من أحد وكلاء خان لبيع تصميم أسلحة نووية مقابل 5 ملايين دولار تدفع مقدما.

ولكن، تشير الوثائق التي كشف عنها مؤخرا إلى أن عرض خان تقديم مساعدة نووية كان أكثر شمولا مما كان معروفا في السابق. وخلال خطاب في عام 1990 نسب إلى أحد زملاء خان، عُرض على العراق فرصة لتجاوز الصعوبات الفنية التي تحول دون الحصول على أسلحة.

وبدأت إحدى المذكرات بالقول: «كان يجب على باكستان قضاء مدة 10 سنين وإنفاق 300 مليون دولار أميركي من أجل الحصول على ذلك. والآن على ضوء الخبرة العملية والعلاقات الدولية التي كونتها باكستان، يمكن أن تصبح لديك قنبلة ذرية خلال 3 أعوام وبإنفاق 150 مليون دولار»، وذلك حسب ما كتبه أولبرايت في «بيع الخطر.. كيف ساعدت التجارة النووية السرية على تسليح أعداء أميركا». وفي وقت عرض عام 1990، بدأ العراق برنامجا متسارعا لتصنيع أسلحة نووية في مواجهة هجوم محتمل تقوده الولايات المتحدة بسبب احتلال الكويت. وفي ذلك التاريخ، كان العلماء العراقيون قد حصلوا على كمية محدودة من اليورانيوم المخصب ليستخدم في أسلحة نووية، ولكن كانت تعوزهم الكثير من المكونات الهامة، ومن بينها تصميم يمكن تنفيذه لرأس نووي صغير.

ومما استحث الولايات المتحدة على الدخول في حرب ثانية مع العراق عام 2003 المخاوف من أن يكون العراق قد أعاد بناء برنامج الأسلحة النووية، على الرغم من أن مراجعة أميركية بعد ذلك قالت إن صدام حسين لم يكن قادرا على القيام بمحاولة جادة للحصول على قنبلة بعد 1991.

وكتب أولبرايت، المفتش السابق للأمم المتحدة الذي يترأس حاليا معهد العلوم والأمن الدولي غير الربحي، أن المساعدة من العالم الباكستاني كان يمكنها تسريع سعي العراق للحصول على أسلحة لولا نفاد وقت الزعيم العراقي. وتعهدت مذكرة، استشهد بها داخل الكتاب، بتقديم «جميع المحتويات والمواد الهامة» اللازمة لصنع المواد الانشطارية، وأضافت أنه «يمكن إقناع عالمين أو ثلاثة علماء داخل باكستان بالاستقالة والانضمام إلى العمل الجديد» في العراق. وعُرضت صور من الوثائق العربية الأصلية على صحيفة «واشنطن بوست»، وتضمنت الكثير منها كتابات بخط اليد في الهوامش.

ويشبه العرض الذي يزعم تقديمه إلى العراق إلى حد كبير مقترحات يقال إن خان عرضها على ليبيا وإيران خلال الثمانيات والتسعينات. ووضع خان، الذي يحظى باحتفاء كبير داخل بلاده ويوصف بأنه أبو القنبلة الذرية الباكستانية، تحت الإقامة الجبرية عام 2004 بعد أن اعترف بالدور الذي لعبه داخل مجموعة دولية لتهريب التقنية النووية. وتقول باكستان إن خان تصرف بمفرده في مسعاه لبيع أسرار بلاده النووية. ولكن، يقول خان في مذكرات وخطابات، حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست»، إنه نفذ تعليمات مسؤولين بارزين في الحكومة والجيش.

وفي كتابه، يقول أولبرايت يمكن إيقاف خان لو كانت الحكومات والمؤسسات الخاصة راغبة بقدر أكبر في تبادل المعلومات الاستخباراتية. ويذكر نتائج تحقيق هولندي سري حول أنشطة خان في تلك الدولة في السبعينات، وهو التحقيق الذي أكد على سرقة خان مخططات نووية حساسة، ولكنه لم يفض ذلك إلى تحقيق أوسع يتناول انتهاكا أمنيا خطيرا. وكتب أولبرايت: «ضاعت إحدى الفرص المبكرة القليلة جدا لإيقافه».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»