شارك آلاف النيجيريين في العاصمة أبوجا، أمس، في مسيرة اتجهت نحو بوابات قصر الرئاسة، مطالبين بتنحي الرئيس النيجيري العليل عمر يارادوا، بعد أسبوعين من عودته من السعودية حيث كان يعالج. ولم يظهر الرئيس (58 عاما) في أي مناسبة عامة منذ عودته من جدة بعد ثلاثة شهور للعلاج من مرض في القلب. ولم تصدر أي بيانات عن حالته الصحية، لكن مصادر رئاسية قالت إنه ما زال في الرعاية المركزة.
وأثارت عودته السرية في منتصف الليل، على الرغم من وهنه وعدم قدرته على الحكم، مخاوف من أن الدائرة المقربة منه، خاصة زوجته توراي، تقاتل من أجل الاحتفاظ بنفوذها وتعمل على تقويض سلطة الرئيس بالنيابة غودلاك جوناثان. ويمكن في حالة نشوب صراع على السلطة في هذا البلد النفطي الذي يضم 140 مليون نسمة، أن تصاب الحكومة بالشلل وتتعطل إصلاحات في قطاعات البنوك والنفط والغاز.
وفي مظاهرة، أمس، ارتدى كثيرون قمصانا قطنية كتب على صدرها «انقذوا جماعة نيجيريا» وعلى ظهرها عبارة «كفى»، وتجمعوا قرب فندق في وسط العاصمة تحت رقابة الشرطة. وقال باباتوندا أوجالا، وهو سياسي من لاغوس العاصمة التجارية للبلاد: «نريد تنحية الرئيس الخفي. ضقنا ذرعا برئيس لا نستطيع أن نراه ولا يستطيع أن يحكم. نريد أن نراه. إذا لم نستطع أن نراه نريد شخصا آخر يسمح له بأن يحكم».
وجاءت هذه المسيرة تزامنا مع توتر تشهده منطقة جوس بسبب تجدد العنف الطائفي بين المسلمين والمسيحيين خلال الأيام الماضية. وتحدث شهود عيان عن إطلاق النار مجددا الليلة قبل الماضية في جوس، التي تشهد حظرا للتجوال من السادسة مساء حتى السادسة صباحا. وقال فلفيس أدوبا، الذي يملك متجرا لبيع السلع الإلكترونية في جوس: «الجميع ظلوا يقظين منذ الليل حتى الصباح. لم ينم أحد». كذلك، قالت جوزفين إيمانويل، إحدى سكان بوكا أوكو الواقعة على بعد أربعة كيلومترات من جوس: «سمعنا إطلاق نار، وفر كل سكان الحي إلى ثكنات الشرطة». وقال شاهد عيان آخر يدعى محمد لادو: «إنه أمر مخيف، نسمع إطلاق نار. زوجتي وولداي وأنا موجودون في الثكنة، إنها أكثر أمانا».
في غضون ذلك، أعلن قائد شرطة ولاية بلاتو التي كانت مسرحا للأحداث مطلع الأسبوع، أن المجازر أسفرت عن سقوط 109 قتلى، نافيا بذلك الحصيلة التي أشارت في بادئ الأمر إلى 500 قتيل. كما أعلن قائد الشرطة إيكيشوكوو أدوبا عن اعتقال 49 شخصا من إثنية الفولاني يشتبه بضلوعهم في المجازر. وقال أدوبا خلال مؤتمر صحافي في جوس إن «عدد الضحايا الإجمالي يبلغ 109 قتلى، هذا الرقم صحيح ولا يمكن نقضه». وذكر أن جثث نحو أربعين طفلا دفنت، مستبعدا أي حصيلة أخرى ومعتبرا أن الحصيلة التي تحدثت عن سقوط 500 قتيل والتي أعلنت مسبقا، كانت «مفبركة»، وينبغي عدم الأخذ بها. وكان مسؤول الإعلام في ولاية بلاتو دان ماجانغ، أعلن مسبقا أن حصيلة المجازر تصل إلى 500 قتيل على الأقل، في حين تحدثت مصادر مدنية محلية عن سقوط ما بين 200 إلى 400 قتيل.
وتخضع جوس بالفعل لحظر تجول من الغروب حتى الفجر بعد الاشتباكات السابقة التي وقعت في يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي تسببت في مقتل أكثر من 400 شخص حسب تقديرات زعماء محليين. وقال أدوبا إن الأعصاب في المدينة باتت مشدودة بعد تلقي رسائل نصية قصيرة على الهواتف الجوالة تحذر من أن متشددين من عرقية الفولاني المسلمة، الذين تلقى عليهم اللائمة في هجمات الأحد الماضي، يأتون من مدينة ميدجوري الشمالية لشن حرب. وقال شهود إن عصابات من الشباب شكلوا مجموعات للدفاع الذاتي.
ودعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وجماعات حقوقية وسياسيون من المعارضة، السلطات للتأكد من تقديم المسؤولين عن المذبحة الأخيرة إلى المحاكمة، ودعوة قوات الأمن لحماية المدنيين. وقال بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر من روما: «أتوجه بأعمق التعازي لضحايا العنف الوحشي الذي أدمى نيجيريا ولم يترك حتى الرضع. أكرر أن العنف لا يحل المشكلات، وإنما يفاقم نتائجها المأساوية». وأضاف: «أدعو جميع من لديهم سلطة مدنية أو دينية في البلاد إلى العمل من أجل تعايش جميع السكان في أمن وسلام».
وأنحى جوناه جانج، حاكم ولاية بلاتو، باللائمة، أول من أمس، على الجيش الذي تولى السيطرة على الوضع الأمني في يناير الماضي لتقاعسه عن التجاوب، مع تحذيره من أن سكان القرى أبلغوا عن تحركات رجال مسلحين قبل هجمات يوم الأحد بفترة قصيرة. وقالت الشرطة إن 93 شخصا اعتقلوا بعد أعمال العنف الأخيرة، بينما حذرت جماعات حقوقية من أن المسؤولين عن تلك الهجمات قد لا يقدمون للمحاكمة فعليا.