كانت الأزمات هي تخصصه، ثم تفوق رجل الأعمال المكسيكي، كارلوس سليم، على نفسه، فلم يكن يتحرك إلا عندما يعجز الآخرون عن الحركة. عندما ترنحت المكسيك في ثمانينات القرن الماضي من أزمة إلى أخرى، بدأ سليم عمليات شراء كبيرة، الواحدة تلو الأخرى.
استثمر، على سبيل المثال، في شركات مثل شركة «رينولدس ألمنيوم»، وفي سلسلة مطاعم «سانبورنس» المكسيكية العريقة، وفي شركة «جنرال تاير» لإطارات السيارات، كما اشترى شركة «سيجروس» المكسيكية للتأمين.
ولم تؤثر الأزمة المالية الحالية في الملياردير سليم، مما جعله يصبح أغنى أثرياء العالم، حسب تقديرات مجلة «فوربس» الأميركية التي قدرت ثروته بنحو 53.5 مليار دولار، ليأخذ مكان الملياردير الأميركي بيل جيتس، صاحب شركة «مايكروسوفت» العملاقة للبرمجيات، والمستثمر الأميركي وارين بوفيت.
كانت الخطوة الحاسمة في صعود سليم إلى قمة الثراء هي خصخصة شركة «تيل ميكس» الوطنية للاتصالات التي كان اشتراها من المكسيك مقابل 1.8 مليار دولار.
ويعتقد الخبراء أن السعر الحقيقي لهذه الشركة هو أربعة أمثال هذا المبلغ.
تحولت هذه الشركة من محتكر حكومي إلى محتكر خاص، ولم تتأثر كثيرا بفتح سوق الاتصالات الهاتفية في المكسيك عام 1997.
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، فعلى الرغم من الانتقادات كلها الموجهة إلى هذه الصفقة، فإن أحدا لم يستطع قط اكتشاف أي ثغرات قانونية أو مخالفات يمكن أن تكون شابتها.
وصف الصحافي المكسيكي خوسيه مارتينيز، مواطنه كارلوس سليم، لدى كتابة سيرته التي نشرها في كتاب عنه قبل نحو عشر سنوات بأنه «أسطورة، إنسان أسطوري يتحدث عنه الكثيرون، ولكنهم لا يعرفون عنه الكثير، ولكنه حاضر بقوة في عالم المال وعالم السياسة».
ورأى مارتينيز أن سليم «رمز للسلطة الحقيقية، وشخصية جوهرية في المكسيك».
وسواء اتصل المكسيكيون ببعضهم هاتفيا، أو حجزوا في الفنادق، أو تناولوا طعامهم في المطاعم أو اشتروا خبزهم، فإنهم غالبا ما يسهمون زيادة أرباح سليم وثرائه.
أسس سليم شركة «إنبورسا» الاستثمارية عندما كان لا يزال في الخامسة والعشرين، ثم أنشأ شركة «كارسو» للعقارات وتزوج سمية دومط جميل، المكسيكية، لبنانية الأصل.
ومنذ ذلك الحين، اشترى سليم عددا من الشركات أكثر مما يشتري الإنسان العادي قمصانه.
ومن بين الشركات التي تنتمي إلى إمبراطورية سليم، 70 عاما، شركة «تيل ميكس» وشركة «تلسيل»، وبنوك وفنادق وشركات معمار ومحال تجارية.
كما دعم سليم العام الماضي صحيفة «نيويورك تايمز» الشهيرة بقرض قيمته 250 مليون دولار لينقذها من الانهيار، حيث هو أكبر مساهم في الصحيفة.
أصبح سليم الرجل الأقوى في المكسيك، وربما في دول أميركا اللاتينية ككل من خلال مجموعة شركاته، ومن خلال تبرعاته السخية لمعظم الأحزاب السياسية في المكسيك.
يبلغ عدد موظفي شركات سليم أكثر بكثير من ربع مليون عامل. ويجيد سليم التعامل مع مختلف الجبهات السياسية في بلاده حيث موّل، على سبيل المثال، الحملة الانتخابية للرئيس المكسيكي فيسينت فوكس، الذي تولى رئاسة المكسيك في الفترة من عام 2000 حتى عام 2006. ويقال إنه دعم أيضا هيلاري كلينتون للترشح عن الحزب الديمقراطي رئيسة للولايات المتحدة.
هاجر والده، جوليان سليم حداد، من لبنان إلى المكسيك، وكان بعد في الثامنة عشرة من عمره، لكي لا يخدم في صفوف الجيش العثماني الذي كان لبنان تابعا له آنذاك. وحالف الحظ الأب أثناء الثورة المكسيكية التي استمرت في الفترة من عام 1910 حتى عام 1920، حيث تاجر في العقارات، وأسس شركة تجارية مهمة في مكسيكو سيتي.
ورث عنه ابنه كارلوس، المولود عام 1940، هذه المهارة التجارية، كما تعلم منه المبادئ الرئيسية للنجاح في عالم التجارة والاستثمار وهي: التفاني والموهبة والجدية.
يضاف إلى ذلك كله الحسابات المجردة من العواطف، وهذا ما عانت منه أسرة «لينس» الألمانية، التي كانت تستثمر في صناعة الورق في المكسيك، وكانت تمتلك أكبر مصانع الأوراق في أميركا اللاتينية. ولكن عندما تعثرت أعمال هذه الأسرة بداية الثمانينات من القرن العشرين، انقض عليها سليم واشتراها من الأسرة الألمانية، وأنشأ المقر الرئيسي لإمبراطوريته «كارسو» على أرض المصنع في مدينة بينا بوبر.
تخصصت شركة «كارسو» في مشاريع خيرية لمكافحة الفقر في أميركا اللاتينية، ومول سليم الكثير من المؤسسات، وكذلك أسهم في إعادة بناء المركز التاريخي لمدينة مكسيكو سيتي، أقدم مدينة في أميركا اللاتينية على الإطلاق.
وقال سليم ذات مرة: «التحديات التي تواجهني في حياتي هي تحسين الظروف الصحية والتربية والتعليم وخلق فرص عمل».
وسئل سليم في أحد مؤتمراته الصحافية النادرة قبل ثلاث سنوات عن شعوره كأحد أغنى أغنياء العالم في بلد به 50 مليون فقير، فكانت إجابته: «لن آخذ شيئا معي عندما أموت».