كانت أجواء العزلة والتعاسة تخيم على الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون؛ حيث كانت تستعين بمجموعة من الشخصيات المتكبرين والغادرين، الذين ربما يكون ضعف أدائهم هو ما أدى إلى حرمانها من البيت الأبيض. وبالتالي، فليس مستغربا أن يتساءل الناس عن نوع الإدارة التي سوف تأتي بها كلينتون إلى وزارة الخارجية.
وبعد مرور عام على وجودها في منصبها كوزيرة للخارجية، يقر أنصارها ومعارضوها على حد سواء بأنها بذلت جهودا حثيثة لتوسيع دائرتها واجتذاب المسؤولين في الخدمات الخارجية والخدمات المدنية، الذين قال الكثير منهم في اللقاءات التي أجريت معهم إنها بثت طاقة جديدة في مبنى الوزارة بأسره.
فيقول باتريك كيندي، أحد المسؤولين الكبار في الشؤون الخارجية: «لقد كان الكثير من وزراء الخارجية يولون اهتماما بالغا بتلك المؤسسة؛ ولكن لم يحاول أي منهم أن يقوم بمثل ذلك القدر من التواصل الداخلي».
ومن جهة أخرى، أثارت طريقة كلينتون في الإدارة الكثير من الانتقادات أيضا؛ حيث انتقد البعض تخليها عن جزء من سلطاتها لصالح المبعوثين الخاصين، فيما انتقد البعض الآخر أنها تعمل وكأنها تدير حملة عالمية لإعادة بناء الصورة الأميركية، من خلال رحلات السفر المكثفة، والدعاية الإعلامية الدولية. ولكن، في الوقت نفسه، تفوق معدلات الرضا عن أدائها معدلات الرضا عن أداء الرئيس أوباما.
وأشار أحد أنصار كلينتون بالوزارة - تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته كي يتمكن من الحديث بحرية حول الموضوع - إلى أن كلينتون تقوم بالكثير من المهام في وقت واحد؛ حيث إنها لم تضع قائمة محددة من الأهداف التي تسعى ورائها أو تركز على حل القضايا الأساسية التي سوف تقترن بفترة وجودها في المنصب. مضيفا: «إن ما يزعجني هو أننا نبذر عددا غير محدود من البذور... والخُطب حول كل القضايا من دون ترابط منطقي».
ومن جهته، أقر ستيوارت باتريك، الزميل بمجلس العلاقات الخارجية الذي كان يعمل بوزارة الخارجية تحت إدارة كولن باول، بأن كلينتون تبدو «وكأنها ما زالت تجد صعوبة في تحديد أولوياتها»؛ كما أعرب عن تشككه فيما إذا كانت لديها «رؤية استراتيجية متماسكة».
ولكنه أضاف، «ليس هناك شك، من وجهة النظر الدبلوماسية العامة، في أن لديها الكثير الذي يمكن أن تقدمه في أجزاء متفرقة من العالم»، نظرا لشعبيتها. كما ذكر أن المعنيين داخل الوزارة « سعداء للغاية بما آلت إليه الأمور. فهذه هي المرأة التي كان الجميع يتوقعون أن تعتمد سياستها على الدفاع عن النفس وإدارة المكان من خلال زمرة محددة من المسؤولين. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث».
ومن المعروف أن هيلاري كلينتون تعطي اهتماما كبيرا للولاء؛ فيقول بعض إنها تولي لذلك اهتماما كبيرا إلى الحد الذي يجلب الانتقادات، لأنها تقدر الولاء أكثر من المؤهلات الوظيفية. وما زالت محاطة بالمستشارين، الذين كانت تعرفهم منذ أن كانت السيدة الأولى بالبيت، ثم سيناتور بمجلس الشيوخ والذين يشار إليه عادة بـ«هيلاري لاند» (أرض هيلاري). بالإضافة إلى شبكتها الواسعة من المساعدين بالبيت الأبيض، ومجلس النواب، ومساعدي حملتها، وأنصارها المنتشرين في كل طابق من طوابق مبنى الخارجية.
ولكن قبل أن تحصل على المنصب، كانت هيلاري كلينتون تعمل بالفعل على توسيع دائرتها: فقد طلبت من اثنين من المسؤولين المحبوبين بوزارة الخارجية في الشوؤن الخارجية - كيندي، ووليام بارنز وكيل الشؤون السياسية - أن يبقيا. وقد اقتربت من هذه الدائرة، التي تتكون من 60 ألف دبلوماسي وموظف مخضرم حول العالم، كسياسي يحاول أن يحشد حوله التأييد في دائرة انتخابية. ومن جهة أخرى، فإن هؤلاء الذين التقينا بهم سواء داخل الوزارة أو خارجها قالوا إن كلينتون قد قامت بعمل طيب من خلال التدخل في التوترات التاريخية بين الدبلوماسيين المحترفين بالوزارة والآخرين والقادمين الجدد الذين يتجددون كل مدة رئاسة ويلتحقون للعمل بها، من خلال الاعتماد على استشارة المسؤولين الكبار بالشؤون الخارجية وسياسة التقارب بصفة عامة. كما أنها تسير في الردهات، وتظهر فجأة في المكاتب، وشكلت فريق عمل إلكتروني، وعقدت سبعة اجتماعات داخلية كي تستمع إلى المظالم حول كل شيء؛ بدءا من السياسة ووصولا إلى الطعام في الكافيتريا وتذمر الزملاء في أماكن العمل. وقد قامت بتثبيت ستة أجهزة دوش جديدة كان العداءون قد أوصوا بها، كما أنها تتخذ خطوات من أجل معالجة ذوي الدخول المحدودة بالخارج، بالإضافة إلى أنها أقرت سياسة تسمح لشركاء الدبلوماسيين المثليين من الحصول على معاشهم. كما أنها أصبحت بطلة في عيون الشؤون الخارجية عندما حاولت الحصول على تمويل لنحو 3000 موقع بالشؤون الخارجية متعلقين بعمليات وزارة الخارجية والهيئة الأميركية للتنمية الدولية - وهو أول زيادة بذلك الحجم منذ عقدين.
ومن جهة أخرى، فإن جيفري فلتمان، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى والشؤون الخارجية هو أحد الأشخاص الذين أدهشتهم كلينتون وتمكنت من إقناعه. فقد كان يبحث بالفعل عن عمل، وذلك عندما تمكنت من التواصل معه بمحل الحلاق بعد 24 ساعة فقط من توليها المنصب، لكي تلتمس نصحه. وبعد ذلك بعدة أسابيع طلبت منه البقاء.
فيقول فلتمان: «لقد سمعنا ذلك من قبل: أجل، أمور دبلوماسية. يبدو ذلك رائعا، ولكنا نميل إلى السخرية من مثل تلك اللغة مقارنة بالموارد الحقيقية المخصصة لوزارة الدفاع في مقابل الخارجية. ولكنها حاولت أن توضح أن الأمر لا يقتصر على الكلام وأنها تقاتل من أجل الحصول على الموارد... كما أنها تجيد الإصغاء إلينا».
أما كيندي فقال: «إنها تعي تماما أنها عندما جاءت كان هناك برنامج ضعيف ومتحلل. وأنه كانت هناك حاجة إلى أشخاص جدد بدماء جديدة، وذلك هو ما حصلنا عليه بالفعل».
ومن جهة أخرى، كان لدى كلينتون شرط واحد يتقدم على كل الشروط الأخرى، عندما كانت تفكر في عرض أوباما كي تصبح وزيرة الخارجية؛ فقد طالبت بالحصول على سلطة التعيين في الوزارة، في ما يتعلق بالوظائف السياسية كافة - نحو 200 - سواء في المناصب الكبرى أو الوظائف الصغرى، التي تشتمل على نحو 20 باحثا. وفي السابق، كان الرئيس هو المخول بتعيين تلك الوظائف السياسية، وليس هناك من يتذكر أن هناك وزيرا في التاريخ الحديث طلب ذلك أو حصل على مثل تلك الصلاحية بالتعيين.
ومن النادر أن تجد أشخاصا تابعين لأوباما بالوزارة حتى إن أليك روس - نجم الإنترنت في حملة أوباما، الذي سعى من دون كلل إلى العمل مع كلينتون - يشار إليه على سبيل المزاح بأنه «فتى أوباما».
وخلال العام الماضي، كان هناك ثلاثة من كبار أعضاء «هيلاري لاند»؛ وهم شيرل ميلز التي كانت نائب مستشار بإدارة كلينتون، وماجي وليامز، كبيرة الموظفين لهيلاري كلينتون بالبيت الأبيض، وتامارا لاثاتو كبيرة الموظفين لهيلاري كلينتون بمجلس الشيوخ، الذين كانوا يعرفون جميع من عملوا من قبل مع كلينتون والذين يأملون في أن ينضموا إليها في الخارجية. كما أنهم عينوا، أيضا، خبراء رفيعي المستوى لم يكونوا يعملون مع كلينتون ولكن لم تكن تربطهم في الوقت نفسه أي صلات بأوباما.
ومن بين الثلاثة، لم تنضم سوى ميلز إلى الخارجية، ككبير موظفي كلينتون بالإضافة إلى عدد من الأشخاص الحائزين على ثقتها والأعضاء بـ«هيلاري لاند»: خبيرة المرأة ميلان فيرفير، ورئيس البروتوكول كابريتشيا مارشال، والمتحدث الرسمي فيليب رينس، ومساعد السفر هوما أبدين، وكاتبة الخطب ليسا موسكاتين ومدير مكتب الإدارة والموازنة بإدارة بيل كلينتون، ونائب وزير الخارجية جاكوب ليو.
ومن جهة أخرى، كان هناك استياء كبير عندما لم يتم تعيين مؤيدي أوباما والعاملين المخلصين بالحملة الانتخابية في وزارة الخارجية. فيقول أحد المستشارين البارزين بإدارة كلينتون، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته: «لقد أيد الرئيس تماما رغبتها في تأسيس فريق خاص بها. ولكن ما لا يعرفه جميع الناس أنه كانت هناك توترات بالفعل.
كانت هناك بعض التوترات الداخلية، أيضا، بين الحرس القديم لكلينتون وبعض الوافدين الجدد ضمن طاقمها. وكان أهمها داخل مكتب العلاقات العامة، الذي ضم 200 موظف والذي ساده حالة من انخفاض المعنويات والمشكلات التنظيمية قبل وصولها، التي تضاعفت مع المطالب الجديدة التي جلبتها شهرتها وأسفارها العديدة وحاجة موظفيها إلى القيام بالعمل بأنفسهم. ويقول مصدر مطلع بوزارة الخارجية إن الموقف المثير للقلق داخل الوزارة يتلخص فيمن يقوم في النهاية بالحديث في المؤتمرات الصحافية، وقال مشترطا عدم ذكر اسمه: «بات الأمر أشبه بحالة من الفوضى داخل الوزارة». وقال مساعد مدير الشؤون العامة، بي جيه كراولي، الذي عمل في إدارة كلينتون السابقة، والذي لا تربطه علاقة سابقة بهيلاري كلينتون، في رسالة بريد إلكتروني، إنه يرد على تقرير المفتش العام الذي صدر مؤخرا حول مكتبه، مما جعل التغيرات الوظيفية والهيكلية ضرورية. وقد تناول التقرير الانقسام بين كراولي ورينز المقرب من كلينتون. وقد اعترف الرجلان بوجود الكثير من الخلافات بيد أن كراولي قال: «إن هناك تعاونا الآن أكثر من ستة أشهر مضت، فلدينا الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به». وتشير مصادر أخرى مطلعة على القرارات الخاصة بالأفراد العاملين في وزارة الخارجية، والتي تحدثت شريطة عدم ذكر أسمائها، إن البيت الأبيض قدم طلبا مهام العالم الماضي بأن تقوم بتعيين جيمس شتاينبيرغ الخبير بالسياسة الخارجية، الذي عمل مع زوجها والذي استثناه أوباما من منصب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، مساعدا لها. وهناك عدة آراء حول مدى حماسة كلينتون لتعيين شتاينبيرغ، لكن هناك وجهة نظر واحدة حول ما إذا كان صالحا للمنصب. فعدد من المصادر داخل وزارة الخارجية وخارجها يشير إلى عدم سعادة شتاينبيرغ بالمنصب، وقد رفض طلبين لإجراء مقابلة معه. بعد تعيين شتاينبيرغ، قامت كلينتون بتعيين ليو كنائب ثانٍ ليشغل المنصب للمرة الأولى منذ إنشائه قبل عقد مضى. ويصر المقربون منها على أن الهدف من ذلك لم يكن تقليص مهام شتاينبيرغ بل زيادة الجهود لزيادة ميزانية الوزارة واستعادة قدرتها على إدارة برامج التنمية. كان مكتب ليو ملحقا بمكتب ميلز، التي يرتبط مكتبها بمكتب كلينتون. وقال عدد من الموظفين إنهم اندهشوا من مستوى تدخل كلينتون في شؤون الإدارة الداخلية، وخاصة أنها خلفت سلفها الأكثر تحفظا كوندوليزا رايس. وخلال أولى جولاتها داخل المبنى قبل تسلم مهماتها بصورة رسمية، طلبت جلسة استماع بشأن الميزانية. ويقول كيندي إن ما تعنيه اتضح فيما بعد، وهو أنها لم تكن تقصد مراجعة وفقط، بل مراجعة دقيقة لكل سطر داخل الميزانية وهو ما استغرق ثلاث جلسات للانتهاء منه.
وقد عملت تشاميلا تشودري، طيلة سنوات في مكتب باكستان، عندما وجدت نفسها ذات يوم في إحدى لجان الاستماع أمام كلينتون. وقالت تشودري (32 عاما) عن الاثنين: تنازعا حول عقلانية التفاوض مع مراكز قوى غير حكومية في باكستان، حيث عبرت كلينتون عن تشككها. وعبرت تشودري عن وجهة نظرها قائلة: «ينظر إلينا على أننا لا نتفاوض معهم وهو ما يضرنا بشدة»، وأشارت إلى أنه على الرغم من حالة الاختلاف بينها وبين كلينتون فإن النقاش لا بد أن يسير بهذه الصورة. فهذه هي الصورة التي أرادتها في إدارة العمل». وخلال 48 ساعة من لقائهما، تمت ترقية تشودري إلى وظيفة مهمة في مكتب تخطيط السياسات.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»