لقي أربعة يمنيين، أمس، مصرعهم وجرح ما لا يقل عن 20 آخرين، في مصادمات بين قوات الأمن ومتظاهرين من قوى الحراك الجنوبي وأحزاب المعارضة، إثر مظاهرات شهدها عدد من المحافظات اليمنية مع اختلاف الشعارات التي رفعتها. وخرج عشرات الآلاف من النشطاء الجنوبيين في مظاهرات في محافظات: الضالع، لحج، أبين وشبوة، وذلك بمناسبة «يوم الأسير الجنوبي»، الذي حددته قوى وفصائل الحراك الجنوبي بيوم الخميس من كل أسبوع. وإلى جانب المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين من نشطاء الحراك، طالب المتظاهرون، وهم يرفعون الأعلام الشطرية، بما يسمونه «فك الارتباط» و«استعادة الدولة» أو الانفصال عن شمال اليمن. وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن الآلاف في مدينة الضالع رغم إجراءات الأمن المشددة، منذ عدة أيام، خرجوا إلى الشوارع يتظاهرون مطالبين برحيل القوات الشمالية من الجنوب، وأدى رفع الأعلام الشطرية إلى مصادمات بين الشرطة والمتظاهرين، أسفرت عن سقوط قتيلين من المتظاهرين، وإصابة عدد آخر من المتظاهرين والجنود.
وقال مصدر معارض إن قوات الأمن استخدمت الغازات المسيلة للدموع ومضخات المياه لتفريق المتظاهرين. وقال شهود إن السلطات أغلقت شبكات الهاتف المحمول في بعض المناطق في الجنوب، منها أجزاء من محافظتي الضالع ولحج. وذكرت وسائل الإعلام في اليمن أن وزارة الاتصالات أصدرت أوامر بفصل الشبكات في الجنوب كإجراء أمني. وفي مدينة طور الباحة بمحافظة لحج، دارت مواجهات مماثلة أسفرت عن سقوط قتيلين، أيضا، وعدة جرحى، وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر محلية أن مسلحين تمكنوا من اختطاف طاقم عسكري وعلى متنه ثمانية جنود، لا يعرف مصيرهم حتى اللحظة، في حين اتهمت مصادر رسمية محلية، مسلحين يتبعون الحراك، بإطلاق النار على مراكز أمنية، فلم تسجل أي حوادث أمنية لمظاهرات الحراك في المحافظات والمناطق الجنوبية الأخرى. وقال مسؤول يمني محلي إن قوات الجيش شنت أمس هجوما لاستعادة مبنى حكومي احتله المحتجون في بلدة طور الباحة، مما أدى إلى نشوب معركة بالأسلحة النارية. وقال شهود إن رجال قبائل مسلحين سدوا كل الطرق المؤدية إلى وسط البلدة وطوقوا قوات الأمن. وقال المسؤول المحلي «قوة كبيرة من القوات الحكومية توجهت لاستعادة المبنى الحكومي، لكن مسلحين من الحركة الجنوبية واجهوهم وتبادل الجانبان إطلاق النيران». وقال إن مجموعة كبيرة من المسلحين كانت تحتل مقر البلدية في بلدة طور الباحة منذ شهور.
وذكرت المصادر أن تعزيزات أمنية وعسكرية وصلت إلى مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج. وقالت مصادر معارضة إن مدينة الحوطة تعيش حالة من الطوارئ غير معلنة، حيث استحدثت 4 نقاط عسكرية على الخط الرئيسي الذي يربط هذه المدينة بمدينة عدن.
ومن مقر إقامته في النمسا، ندد الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي سالم البيض، بما سماه «قمع المظاهرات السلمية» في الجنوب، وطالب البيض في بيان صادر عن مكتبه، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخه منه، الدول العربية والأمم المتحدة و«كل دول العالم وأصحاب الضمائر الحية»، بالتحرك من أجل «إدانة هذه الجرائم الوحشية»، في الجنوب، حسب تعبيره. وفي صنعاء أعلنت منظمة موالية للحكومة تطلق على نفسها «اليمن أولا»، أنها تعكف حاليا وعبر محاميين وقانونيين، على دراسة طلب بإعادة فتح ملف البيض ومحاكمته «على جرائمه»، وأكدت المنظمة في بيان لها، أنها بصدد رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم ضد من وصفتهم بـ«العناصر الخارجة عن النظام والقانون»، والتي تسعى إلى «المساس بالثوابت الوطنية ومحاولة العودة بالوطن إلى عصور التمزق والتشتت». وتتهم صنعاء الكثير من نشطاء الحراك الجنوبي بـ«المساس بالوحدة الوطنية»، وتحاكم عددا منهم.
على الصعيد ذاته، دخلت أحزاب المعارضة اليمنية الرئيسية والمنضوية في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك، على خط المواجهة مع الحكومة اليمنية، وذلك بعدما خرج أنصارها، أمس، إلى الشوارع ونظموا اعتصامات في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية والجنوبية، وأفاد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» بأن ما لا يقل عن 12 متظاهرا جرحوا في تفريق قوات الأمن لاعتصام كبير في وسط مدينة تعز، كبرى المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان، نظمته أحزاب اللقاء المشترك وتحول إلى مسيرة غاضبة بعد تفريق الاعتصام. وأشارت المصادر إلى أن بين الجرحى، قياديين في التكتل بالمحافظة. ودعت أحزاب «المشترك»، وهو تكتل يضم حزب التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمن، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، واتحاد القوى الشعبية، وحزب البعث (السوري)، وحزب الحق، أنصارها إلى التظاهر احتجاجا على ما سمته «قمع المظاهرات السلمية في الجنوب»، واحتجاجا على «عسكرة الحياة المدنية»، وعقد مهرجان خطابي حافل في ملعب الظرافي وسط ميدان التحرير في قلب العاصمة صنعاء، شارك فيه الآلاف من أنصار المعارضة، يتقدمهم أمناء عموم تلك الأحزاب وقيادات فيما تسمى لجنة الحوار الوطني، وبالتزامن مع هذا الاعتصام والمهرجان اعتصم المئات في مدينة الحديدة غرب البلاد، كما اعتصم عشرات النساء أمام مقر اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، لإيصال رسالة احتجاج إلى السلطات حول أسلوب تعاملها الأمني مع «الحراك السلمي» في الجنوب. ودعا المعتصمون إلى إعادة الاعتبار للوحدة اليمنية التي أعلنت في 22 مايو (أيار) من عام 1990، من خلال المشاركة الحقيقية لكل أبناء الشعب اليمني في «الثروة والسلطة والمواطنة المتساوية».
وجاءت احتجاجات المعارضة، بعد نحو 48 ساعة من خطاب للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، فتح فيه النار عليها وهاجمها، وأعلن إلغاء اتفاق فبراير (شباط) الذي وقع بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وتكتل المعارضة عام 2009، وتضمن اتفاقا على تأجيل الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في أبريل (نيسان) 2009، لمدة عامين، يجري خلالهما إجراء إصلاحات سياسية وعلى النظام الانتخابي، وكذا تأكيده إجراء الانتخابات العام المقبل، سواء بمشاركة المعارضة أو دون مشاركتها.