«نظرات على المجتمع السعودي»، عنوان المؤتمر الذي استضافه مجلس الشيوخ الفرنسي طيلة يوم أمس بدعوة من مجموعة الصداقة الفرنسية - السعودية - الخليجية، ومن معهد استراتيجيات التنمية الثقافية بحضور الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، والأميرة لولوة الفيصل، ووفد سعودي غالبيته من النساء جاء خصيصا للمناسبة.
والمؤتمر كان عاما وشاملا بفضل المواضيع المتنوعة والإشكاليات الكثيرة التي طرحها من العلاقات الاستراتيجية والسياسية إلى التعاون الاقتصادي والتجاري. غير أنه أفرد مكانا خاصا للجوانب الثقافية والحضارية، وهو ما برز في الكلمة التي ألقاها الأمير خالد الفيصل الذي أطلق مبادرتين رئيسيتين: الأولى دعوته إلى قيام «تحالف للقيم» التي تجمع الإنسانية بكل أطيافها، وتحديدا حضارة الإسلام وحضارة أوروبا الغربية انطلاقا من فرنسا، والثانية إقامة مركز ثقافي فرنسي - سعودي يكون ميدانا للتفاعل والتعاون البناء بين البلدين.
وجاءت مبادرتا الأمير خالد الفيصل بعد عرض لما يجمع بين الحضارتين الإسلامية والغربية، معتبرا أن القيم التي ينتهجها الغرب تتقارب كثيرا مع القيم التي يدعو إليها الإسلام مثل التآخي والعدالة والتنوع الثقافي والتعددية والدعوة إلى نهل العلم. وأقام الأمير خالد الفيصل مقارنة بين دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى حوار الأديان وما تجسد في مؤتمر نيويورك عام 2008، وما يدعو إليه أيضا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمكان الذي يفرده للأديان في قيام الحضارات وتحاورها. وكان رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه قد أطلق أعمال المؤتمر تحت شعار التعريف الأفضل بالمملكة العربية السعودية وبالتحولات التي تعرفها، معتبرا أن زيارة الأمير خالد الفيصل تعد «شرفا» لمجلس الشيوخ، ومشيدا به داعية لحوار الحضارات والثقافات. ونوه لارشيه بالعلاقات الفرنسية - السعودية وبالدور الذي تلعبه السعودية كقطب استقرار وتوازن في المنطقة والعالم وبوزنها الاستراتيجي، مطالبا بدفع هذه العلاقات إلى مزيد من التطور. وذهب رئيس مجموعة الصداقة فيليب ماريني الذي كلفه الرئيس الفرنسي بمهمات رسمية في الخليج والشرق الأوسط في الاتجاه نفسه، بتأكيده أن السعودية «قوة أساسية» في الشرق الأوسط، ولها وزنها على المستوى الدولي. وشدد ماريني على أن عدو الطرفين هو الجهل، ولذا فإنه نوه بأهمية الندوة التي كانت مناسبة لعرض التحولات التي تعرفها السعودية في ميادين التربية والتعليم، وهو ما قدمته الأميرة لولوة الفيصل، وكذلك دور المرأة وتطور موقعها في قطاعات الرياضة والوسائل الإعلامية والاقتصاد والمجتمع المدني.
وكانت العلاقات السعودية - الفرنسية بكل جوانبها السياسية والدبلوماسية والثقافية والتعليمية موضوع مداخلة من باتريس باولي، مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية، فيما عرض أمين عام غرفة التجارة الفرنسية - العربية الدكتور صالح بكر الطيار العلاقات الاقتصادية والتجارية والشراكات والمشاريع المشتركة بين الجانبين. ورأى رئيس الغرفة الوزير السابق هيرفيه دو شاريت أن وجود جالية مسلمة كبيرة في فرنسا يعد «قيمة مضافة»، داعيا إلى الاعتراف بحق الإسلام في التعبير عن نفسه في إطار المؤسسات الفرنسية، وأن يحترم بفضل القيم التي يحملها.
وأشار دو شاريت إلى أن السعودية «تطمح كل يوم لدور أكبر»، معتبرا أن هناك حاجة لدور سعودي لمصلحة الاستقرار والسلام، داعيا إلى تطوير الشراكة الفرنسية - السعودية في كل المجالات.
وكشف باولي أن خادم الحرمين الشريفين سيزور باريس أواسط شهر يوليو (تموز) المقبل بمناسبة تدشين معرض «مسالك المملكة» الذي سيقام في متحف اللوفر بالتعاون بين باريس والرياض، وبدعم من مؤسسة «توتال». وستكون هذه الزيارة هي الثانية التي يقوم بها العاهل السعودي إلى باريس بعد زيارته في صيف عام 2007. وذكر أكثر من متدخل أمس أن ساركوزي زار السعودية ثلاث مرات منذ انتخابه ربيع عام 2007. وأعلن باولي أن الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، سيأتي إلى فرنسا قريبا، فيما سيتوجه وزير الثقافة فريدريك ميتران إلى السعودي في السابع عشر من مارس (آذار) بمناسبة انطلاق فعاليات مهرجان الجنادرية، حيث ستكون فرنسا ضيف الشرف لهذا العام. ووصف المسؤول الفرنسي السعودية بأنها «بلد محوري» في المنطقة، و«لاعب عالمي»، مشيرا إلى دورها في إطار مجموعة العشرين، ومنوها بالتعاون القائم بين العاصمتين بشأن بؤر التوتر القائمة. وعبر باولي عن نظرة فرنسا إلى مجلس التعاون الخليجي، ورغبتها في قيام شراكة بينه وبين الاتحاد الأوروبي، مبديا الرغبة الفرنسية في التغلب على الصعوبات التي حالت حتى الآن دون توقيع اتفاقية تعاون معه ذات معنى.