بالنسبة لرعد علي، ستحدد نتائج الانتخابات التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي ما إذا كان الرجال أمثاله سيتمكنون من البقاء داخل العراق في صورته المعاصرة.
ينتمي علي إلى العرب السنة، وقد سبق له العمل ضابطا في القوات الخاصة في عهد صدام حسين. وقد فر من العاصمة قبل الانتخابات البرلمانية بشهور هربا من اضطهاد سياسي واضح. والآن، إذا جاءت النتائج في صالح الائتلاف الذي يتزعمه الشيعة بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي، يخشى علي من أنه سيستمر والآخرون من أبناء الأقلية السنية التي كانت مهيمنة على البلاد ذات يوم في المعاناة من التهميش.
وعلق علي، 45 عاما، بالقول: «سيكون المستقبل مظلما، وستستمر أعمال العنف».
على الرغم من مشاركة ملايين العرب السنة في الإدلاء بأصواتهم، الأحد - في تحول راديكالي عن موقفهم في الانتخابات الوطنية السابقة المنعقدة في ديسمبر (كانون الأول) 2005، عندما جاء إقبال الناخبين ضعيفا بسبب أعمال العنف ومقاطعة السنة للانتخابات - يساور القلق كثيرين منهم إزاء أن الانتخابات لن تجدي كثيرا في توفير قدر أكبر من النفوذ لهم يعينهم على تعزيز مصالحهم. وأوضح بعض المسؤولين الأميركيين أن هذا الوضع ربما يسفر عن تفجر أعمال عنف سياسي مع تقليص المؤسسة العسكرية الأميركية أعداد قواتها المرابطة في العراق إلى 50.000 جندي. وربما يتحول السنة، الذين كانوا في بادئ الأمر من أشد رافضي الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة التي يتزعمها الشيعة، إلى حركة معارضة منفية، بجانب العراقيين العلمانيين.
في هذا الصدد، أعرب أحد المسؤولين العسكريين، رفض الكشف عن هويته لحساسية القضية، عن اعتقاده أن «السنة يشعرون أن أميركا خانتهم، ويدركون أن السبيل الوحيد لتحقيق توازن داخل الحكومة هو العنف. أما إذا كانت الانتخابات حرة ومنصفة، فإن الاحتمال الأكبر أنهم سيحاولون التكيف مع النتائج».
خلال محادثاته مع زعيم قبلي سني، قال المسؤول إن الطرف الآخر أخبره أنه إذا لم تحقق الانتخابات تغييرا، فإن «رد الفعل سيكون سريعا وقويا ومميتا على نحو يثير الدهشة».
من ناحية أخرى، توحي النتائج الأولية لفرز الأصوات بحصد قائمة المالكي غالبية الأصوات في محافظتين جنوبيتين، بينما قدم الائتلاف المنافس العلماني أداء قويا في محافظتين شماليتين. ولم تعلن حتى الآن نتائج الانتخابات عن معظم أنحاء العراق، بما في ذلك بغداد التي تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان. وأكد علي شعوره بقلق بالغ وتخطيطه بالفعل للرحيل عن العراق.
حتى قبل عقد الانتخابات، خيمت على الانتخابات ضجة بشأن منع قرابة 500 مرشح من خوض الانتخابات بسبب ولائهم المزعوم لـ«حزب البعث» المحظور الذي كان يتزعمه صدام حسين. وقد استبدل مرشحون آخرون بغالبيتهم. ومع ذلك، نظر كثيرون إلى هذا الإجراء - الذي استهدف في الجزء الأكبر منه مرشحين سنة وعلمانيين - باعتباره محاولة لإقصاء أبناء الأقلية السنية، وكذلك التيار العلماني، الاعتقاد الذي يرجع في جزء منه إلى ترؤس مرشحين شيعة للجنة المسؤولة عن رفض المرشحين.
عشية الانتخابات، حظرت اللجنة مشاركة 55 آخرين كان قد وقع الاختيار عليهم كي يحلوا محل بعض المرشحين الذين سبق منعهم من خوض الانتخابات. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان سيجري حساب الأصوات التي حصدها هؤلاء المرشحون. جدير بالذكر أن الكتلة العراقية بقيادة إياد علاوي، الشيعي العلماني ورئيس الوزراء السابق، اتهمت، الخميس، اللجنة الانتخابية بالتزوير.
الملاحظ أن الولايات المتحدة وحلفاءها حاولوا منذ أواخر عام 2005 ضم السنة الساخطين إلى الحياة السياسية، واضطلعوا بدور الوساطة للمصالحة بين السنة والحكومة التي يقودها الشيعة. يذكر أن عشرات الآلاف من السنة، كثير منهم متمردون سابقون، كانوا أعضاء في جماعة «أبناء العراق» أو «الصحوات»، وهي ميليشيا تدعمها واشنطن. وتلقى أعضاء الميليشيا أموالا من واشنطن مقابل تطهير الشوارع التي يسيطرون عليها من أعضاء «القاعدة» منذ منتصف عام 2007 حتى خريف عام 2008، قبل أن تتولى الحكومة العراقية زمام الأمور خلفا للمؤسسة العسكرية الأميركية. وأكد كثير من قادة «أبناء العراق» أنه منذ وضع الميليشيا تحت سلطة الحكومة، تعرض أعضاؤها لإلقاء القبض عليهم أو اضطروا للهرب. ويختفي الآن بعض القادة الأصليين للميليشيا أو يعيشون في المنفى أو في السجون العراقية. ويشعر معظم أفراد الجماعة بأن واشنطن تخلت عنهم.
كان علي، وهو أب لثلاثة أطفال، من بين من حملوا السلاح مع «أبناء العراق». ومنذ ذلك الحين، تعرض للاحتجاز مرتين لفترة وجيزة، فيما بدا له محاولة من قبل الحكومة، التي عارضت منذ البداية تشكيل هذه الميليشيا، لاستهدافه. ومنذ بضعة شهور، غادر العاصمة، وينتابه القلق حاليا من أنه سيظل في حالة فرار إلى الأبد.
قضى علي، الأحد، ساعات عدة في البحث عن اسمه في كشوف الناخبين قبل أن يتملكه اليأس ويكف عن البحث. وقد فشل هو وآلاف غيره في العثور على أسمائهم.
وقال علي إن الشيعة «سيستهدفون كل شخص له صلة بالنظام السابق. سيقتلونني. وهذا ما أتوقعه يوميا».
كل صباح، يستيقظ علي لأداء صلاة الفجر في المنزل الذي يختبئ به. ولا تزال أسرته في العاصمة. وعبر الهاتف، يحرص على توجيه النصح إلى نجله الأكبر، سعد، الذي يتسم بصلف معظم أبناء الثامنة عشرة من العمر الذين يحسبون أنفسهم أكبر من أن ينصتوا إلى آبائهم. ويحاول شرح أسباب غيابه لابنته الصغيرة، 9 سنوات، التي ينتابها البكاء خلال زياراته القصيرة والنادرة لبغداد. ودائما ما تسأل إذا كان بإمكانها الذهاب معه. ودائما ما يرد بالنفي.
في جنوب بغداد، خطط مصطفى كمال شبيب، الزعيم السابق في جماعة «أبناء العراق»، للترشح في الانتخابات، لكنه أجبر على سحب ترشحه، حيث واجه هو الآخر اتهامات بالولاء لـ«حزب البعث»، على الرغم من تعرض 17 من أبناء قبيلته للإعدام على يد صدام حسين.
وقال شبيب إنه يشعر بأن القوات الأميركية تخلت عنه، في وقت يجري استهدافه من جانب «القاعدة» في العراق، ويتعرض للتهميش من جانب الحكومة الراهنة. وقد أدلى بصوته، الأحد، لإدراكه أن نتيجة الانتخابات ستحدد مصيره. لكنه غير متفائل تجاه النتيجة. وبرر ذلك بقوله: «لقد خذلنا الأميركيون، ولم تحتضنا هذه الحكومة. أنا ومن عملوا معي وأسرنا سنرحل عن البلاد بحثا عن مكان يتقبلنا».
* خدمة واشنطن بوست خاص بـ«الشرق الأوسط»