نطقت السفارة الأميركية في بيروت أمس، بعد صمت استمر أسبوعين، ردا على المعلومات التي تحدثت عن طلبها «معلومات حساسة» تتعلق بقطاع الاتصالات الجوالة. وأتى هذا الرد بعد أن تولد خلال اجتماعات لجنة الاتصالات والإعلام النيابية ملف آخر يتعلق باتفاقية أمنية بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية يتضمن التدريب، ويقضي باستبعاد «كل شخص ينتمي إلى منظمة إرهابية» من برامج التدريب الأمنية الممولة من الولايات المتحدة. وذلك بعد أن أصبح هذا الملف ككرة ثلج سياسية يدحرجها فريق المعارضة سعيا لإلغاء الاتفاقية و«التصويب على الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة من جهة، وزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى العاصمة السورية من جهة أخرى» كما قالت مصادر وزارية من فريق الأكثرية لـ«الشرق الأوسط».
وانتقل النقاش في هذا الملف من «الشق التقني» إلى الشق السياسي الذي أكد عضو كتلة المستقبل النيابية، التي يرأسها الحريري زياد القادري، أنها ليست من اختصاص لجنة الإعلام، بل من اختصاص الدولة اللبنانية التي عليها عندئذ أن تناقش سياستها الخارجية وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن وزير الاتصالات شربل نحاس قد ألف لجنة فنية من خبراء في قطاعات الاتصالات بدأت بحث موضوع «الطلبات الأميركية» ومدى تأثيرها على «الأمن القومي» اللبناني، على أن ترفع هذه اللجنة تقريرا بذلك إلى الوزير، ومنه إلى لجنة الاتصالات خلال 15 يوما.
وأكد مصدر دبلوماسي أميركي في بيروت لـ«الشرق الأوسط» أن البرامج المشتركة مع الحكومة اللبنانية فيما يتعلق بموارد التدريب للجيش وقوى الأمن الداخلي «لن تتأثر بالسجالات الدائرة حولها»، مشيرا إلى أنها «برامج طويلة الأمد، بدأت منذ أعوام، وتأتي بناء على طلب من الحكومة اللبنانية». ونفى المصدر وجود «أشياء غير معلن عنها في هذه البرامج». وفي ما يتعلق بالنص على «عدم جواز انتماء المستفيدين من هذه البرامج إلى منظمات إرهابية»، قال المصدر إن «هذا النص إلزامي ويرد في كل الاتفاقات المماثلة التي توقعها الحكومة الأميركية مع أي دولة في العالم، لأن القوانين الأميركية تجبر الحكومة قبل التوقيع على أي اتفاقيات على الالتزام بهذه الشروط»، مبررا ذلك بأنه «علينا أن نتأكد أن كل المستفيدين من برامجنا ليسوا منتمين إلى تنظيمات إرهابية، علينا القيام بإجراءات كي نتأكد أن ليس هناك من يستفيد من موارد أميركية لمصالح إرهابية».
ورفض المصدر اتهام السفارة في بيروت بالسعي إلى «التنصت» على شبكة الهاتف الجوال، بقوله: «كل البرامج التدريبية المشتركة مع الحكومة اللبنانية نقوم بها حسب طلبات هذه الأخيرة، وبناء على مناقشات تحدد الفرص المناسبة التي تؤمن الإفادة الفاعلة للضباط والشرطة اللبنانيين».
وفي المقابل، قال مصدر بارز في لجنة الاتصالات من فريق المعارضة لـ«الشرق الأوسط»: إن الموضوع التقني قيد البحث، لكن الملف السياسي الذي برز من خلال ظهور اتفاقية من العدم يثير قلقا كبيرا لدى فريق كبير من اللبنانيين، مشيرا إلى أن لجنة الاتصالات سوف تسير في هذا الملف حتى النهاية. وقال المصدر إنه بغض النظر عن «الاستغلال السياسي» من الطرفين لهذا الملف، فإن هناك الكثير من الأسئلة الواجب طرحها في ما يخص هذه الاتفاقية لجهة عدم مرورها عبر القنوات المتعارف عليها في ما يخص المعاهدات الدولية، أي رئيس الجمهورية ثم البرلمان، أو لجهة فرضها الشروط الأميركية ومفهوم الإرهاب الأميركي على الحكومة اللبنانية أو لجهة نصها على إنشاء شبكة اتصالات خاصة بقوى الأمن الداخلي. وأوضح المصدر أن هذه الأسئلة سوف تكون على طاولة لجنة الاتصالات بشقيها السياسي والتقني الأسبوع المقبل.
وأكد النائب القادري لـ«الشرق الأوسط» أن ما يثار من مواضيع سياسية ليس من اختصاص لجنة الإعلام التي عليها أن تبحث في الملف التقني الذي أثير عن طلب معلومات عن أعمدة الإرسال في ضوء التقرير المنتظر وصوله من قبل لجنة الاختصاصيين، أما الجانب السياسي الذي يحاول البعض إثارته فهو يعود لسياسة الدولة العامة التي يقررها مجلس الوزراء مجتمعا وفقا للدستور، وبالتالي هو المكان الصالح للمناقشة.
واستغرب القادري «اللغط الذي يثار حول هذا الملف»، مشيرا إلى أن ما جرى الحديث عنه «ليس اتفاقية دولية، بل هو عبارة عن هبة أميركية لتدريب قوى الأمن الداخلي جرى قبولها في مجلس الوزراء وفقا للأصول»، معتبرا أنها «ليست اتفاقات تخضع لأصول التفاوض»، مشيرا إلى أن «الترتيبات الأمنية لا تمر عبر وزارة الخارجية بل عبر الأجهزة المختصة في البلدين، الواهب والمتلقي، تحت غطاء من مجلس الوزراء». كاشفا عن وجود نسخة مماثلة لهذه الهبة تماما للجيش اللبناني مع مبلغ أكبر يصل إلى 400 مليون دولار بدلا من 50 مليون دولار لقوى الأمن، معتبرا أنه يجب فتح كل الملفات إذا أردنا التعاطي بهذه الطريقة. وأضاف: «إذا أرادوا فتح الموضوع، فلنبحث الاتفاقات والهبات التي تستفيد منها كل الأجهزة الأمنية والبلديات وغيرها، ولنحدد ماهية سياستنا إزاء الولايات المتحدة الأميركية والعلاقة معها، لكن بالتأكيد ليس داخل لجنة الاتصالات».
وشجب النائب القادري بشدة ما يثار من «غبار حول مؤسسة قوى الأمن الداخلي»، متسائلا عن المستفيد من هذه الإثارة وتأثيراتها السلبية على المؤسسة ومعنويات عناصرها وأجهزتها التي كانت من أبرز المساهمين في كشف الشبكات الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية. معتبرا أن هذه الهجمة «أمر خطير جدا لا يجوز الاستمرار فيه»، مستغربا كيف أن «الإسرائيليين لاموا الأميركيين والأوروبيين على دعم قوى الأمن الداخلي بالبرامج التدريبية، بينما نجد من يهاجمها في لبنان».
أما وزير الاتصالات السابق النائب مروان حمادة فقد أشار إلى أنه «يشاطر رأي رئيس الحكومة سعد الحريري بأن هذه الحملة في غير محلها، واللواء أشرف ريفي فوق كل الشبهات، والتدريب في قوى الأمن الداخلي سمح بكشف الشبكات الإسرائيلية في البلد، وربما أزعج البعض لأنه كشف بعض الخيوط في خدمة التحقيق الدولي في قضية اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري».
وتابع، حزب الله حملته على الاتفاقية، واعتبر عضو كتلة الحزب النائب نواف الموسوي أن «الكلام الذي قاله المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي لـ(الشرق الأوسط)، أمس، ليس موجها إلينا»، موضحا في هذا السياق: «قلت للواء ريفي إن الأميركيين يقدمون إلينا الفتات مقابل إعطائهم الأساس لإسرائيل». وآمل في أن «ينظر اللواء ريفي من زاوية وطنية لهذا الموضوع، ومن زاوية تحصين السيادة اللبنانية بوجه الاستباحة الأميركية». ولفت الموسوي إلى أن «لجنة الإعلام والاتصالات النيابية وضعت يدها على الملف، ووجهت أسئلة أعطيت إجابات عليها، وستسير في الموضوع حتى النهاية»، معتبرا أن «كل الاتفاقيات من هذا النوع يجب أن تلغى، إلى جانب ضرورة تحصين قوى الأمن ومنع أي محاولة أميركية للهيمنة على قرارها أو لاختراق صفوفها». وشدد على أن هذا الموضوع يشكل معركة وطنية، وليس هناك معركة سياسية في وجه الرئيس الحريري.
وأكد مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله، عمار الموسوي، أن الاتفاقية الأمنية مع السفارة الأميركية ملف في غاية الخطورة، لأننا أمام استباحة للأمن اللبناني من مختلف الزوايا. واعتبر أن هذا الأمر أتى بعد قناعة سياسية ومناخ سياسي معين في فترة معينة، ما أدى إلى توقيع هذه الاتفاقية مع فريق معين من اللبنانيين كان يستأثر بالسلطة، داعيا إلى الدخول من هذا الملف إلى ملفات أخرى، مضيفا: «من الممكن أن يكون المخفي أكبر من الظاهر». مؤكدا أن «تنظيف البلد من هذه الممارسات ليس موجها ضد أحد، بل نريد الذهاب في هذا الملف إلى النهاية». وشدد على ضرورة عدم التقليل من «هذا الأمر ومحاولة إظهاره وكأنه حالة طبيعية»، رافضا أن تكون «الهبات المالية مدخلا للوصاية على البلد».