أعلنت النيابة العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي أنها وجهت لوائح اتهام ضد اثنين من القادة الميدانيين من جنودها بغية محاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال العدوان على قطاع غزة قبل سنة ونيف.
وهذه أول مرة تعلن فيها إسرائيل عن مثل هذا الإجراء. وهو يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تحاول البرهنة على أنها تحقق في حيثيات الحرب العدوانية المذكورة. ورفض ناطق بلسان النيابة اعتبار هذه الخطوة تجاوبا مع تقرير لجنة غولدستون المنبثقة عن المجلس العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي أكدت أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب خلال عملياتها الحربية، وقال «إن الجيش الإسرائيلي يعمل وفقا لقوانين وأخلاقيات محددة. وعلى عكس الغالبية الساحقة من جيوش العالم أو التنظيمات الإرهابية الإسلامية، نحن نجري تحقيقات نزيهة داخل الجيش ونحاكم من يخرق التعليمات».
والمتهمان هما قائدان ميدانيان صغيران برتبة شاويش، ويتهمان بأنهما استخدما عددا من المواطنين الفلسطينيين العزل كدروع بشرية خلال تنقلهما من بيت إلى بيت في حي تل الهوى في مدينة غزة، خلال الحرب. وكان بين هؤلاء المواطنين طفل في التاسعة من العمر. وتدعي لائحة الاتهام أن تعليمات الجيش بمنع مثل هذا الأسلوب واضحة تماما، وأن الجنديين خالفاها بشكل صريح.
المعروف أن لجنة غولدستون كانت قد منحت إسرائيل مهلة ستة شهور لكي تحقق في 56 حالة تعتبر جرائم حرب. وقد رفضت إسرائيل التجاوب معها، وراحت تهاجم اللجنة ورئيسها، القاضي ريتشارد غولدستون. ومع أنه قاض يهودي كان قد تطوع لخدمة إسرائيل في الكثير من سنوات عمره، فقد اتهموه باللاسامية والعداء لليهود ولإسرائيل. فتدخلت الولايات المتحدة لتقنعها بضرورة التجاوب مع اللجنة، مؤكدة أن عدم التجاوب سيصعب على الولايات المتحدة اتخاذ قرار باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل حول هذا الموضوع. وبناء على ذلك، وافق المجلس العالمي على تمديد المهلة بخمسة شهور أخرى، على أن تحقق إسرائيل من جهة وحماس من جهة ثانية في الأحداث التي اعتبرها التقرير جرائم حرب.
ويتضح، حسب مصدر في النيابة العسكرية، أنها فتحت 31 ملف تحقيق في «حوادث حربية شاذة»، تم إغلاق 15 ملفا منها بدعوى أنها لم تجد اتهامات راسخة وثابتة فيها. لكن المتهمين فيها أنهوا خدمتهم العسكرية كنوع من العقاب. وهذا هو أول ملف ينتهي بلائحة اتهام. وهناك لوائح اتهام إضافية ستعلن في القريب، بينها ضد عدد من الضباط الكبار ومتوسطي الدرجات.
وكان الجيش حاكم أحد الجنود في الماضي لأنه سرق بطاقة اعتماد بنكية من بيت مواطن فلسطيني خلال الحرب.
وهاجم عدد من قادة الجيش السابقين هذا القرار بشدة، واعتبروه نفاقا خطيرا للعالم، ورضوخا رخيصا للجنة غولدستون. وقال العقيد في جيش الاحتياط، الذي شغل في الماضي منصب نائب المدعي العام العسكري في الجيش الإسرائيلي، إيلان كاتس، إن الجيش فشل في الدفاع عن نفسه وعن أخلاقياته أمام مؤسسات الأمم المتحدة، فقرر البحث عن كبش فداء بين الجنود والضباط الصغار، وأعفى القادة الكبار من المسؤولية. وفي هذا انقلاب على سياسة الجيش المتبعة عبر التاريخ، حيث إن أولئك الذين يخوضون معارك تكون فيها حياتهم في خطر يعاقبون، بينما الضباط الذين يجلسون بكروش منفوخة في المكاتب يواصلون حياة الرفاهية والرخاء.
وأضاف أنه التقى عددا من الجنود الذين جرى التحقيق معهم، فشكوا أمامه بأنهم شعروا بالإهانة «فنحن ذهبنا للحرب معرضين حياتنا للخطر دفاعا عن الوطن، ونفذنا الأوامر ولم نتمرد عليها، وبعد هذا نصبح مجرمين نستحق العقاب من الجيش الذي يفترض أنه يدافع عنا؟».