يأمل أكثر من عشرين ألفا في المغرب الاستفادة من فرصة ثانية لإعادة تسجيل عقود زواجهم، بعد أن وافق العاهل المغربي الملك محمد السادس على منحهم هذه الفرصة. ومعظم هؤلاء تزوجوا في البوادي والأرياف المغربية اعتمادا على بعض الشهود، ومن دون مأذون، وبقراءة الفاتحة، وفي حضور الأهل أو المعارف.
وتقول إحصائيات وزارة العدل المغربية إن نحو 24 ألفا استفادوا في المرحلة الأولى من إثبات الزواج قانونيا، وهي المرحلة التي كانت بدأت في فبراير (شباط) 2004 وامتدت إلى فبراير من العام الماضي، وكانت مجموعات برلمانية من الأغلبية والمعارضة طالبت الحكومة بتمديد الآجال القانونية لتوثيق عقود الزواج لتمكين المغاربة الذين لم يستفيدوا في المرحلة الأولى من توثيق عقود زواجهم، وحل مشكلات كثيرة تعلق بحقوق الأبناء والزوجات.
وتقول جمعيات حقوقية إن عددا كبيرا من المغاربة متزوجون طبقا للقواعد الإسلامية وبحضور شهود، لكن هذه الزيجات لم يتم توثيقها عن طريق مأذون، أي دون عقد رسمي يثبت الزوجية. وتقول عائشة القرش، وهي نائبة برلمانية ومنسقة القطاع النسائي في حزب التقدم والاشتراكية وعضو مكتبه السياسي، إن الثقافات والأعراف والعادات والتقاليد في البوادي والأرياف المغربية يعتبر السبب الرئيسي وراء عدم استفادة شريحة كبيرة من المغاربة من الفرصة الأولى التي منحتها لهم الحكومة لتوثيق عقود زواجهم، لأن عددا كبيرا منهم عاشوا وتعودوا على ثقافة «الوعد» أي أن الرجل «يعد باحترام علاقة الزوجية» ويعتبر وعده التزاما كاملا، لذلك تزوج كثيرون بقراءة الفاتحة.
وقالت القرش لـ«الشرق الأوسط» إن هناك عددا من سكان الأرياف يمتنعون عن توثيق عقود زواجهم، والسبب يرجع في أغلب الأحيان إلى سوء نية بعض الأزواج الدين يلجأون إلى «زواج الفاتحة» لأنهم يريدون إبقاء المرأة في البيت لإنجاب الأطفال، دون السماح لها بالانفتاح على المجتمع وحرمانها من الإرث. وزادت موضحة: «بعضهم يعرفون أن قاضي الأسرة لن يرخص لهم بالزواج مرة أخرى».
ويمنح قانون الأسرة في المغرب للقاضي حق رفض الزواج لأي شخص إذا اعتبر أنه لن يكون قادرا ماديا على تحمل مصاريف امرأة ثانية أو ثالثة. كما يمكنه رفض ذلك إذا لم توافق الزوجة الأولى على زواج زوجها من جديد. ومن بين الأسباب كذلك جهل معظم الناس في البوادي والأرياف بصدور قانون جديد ينظم حقوق الأسرة. وحملت القرش في هذا الباب المسؤولية للحكومة والمجتمع المدني والجمعيات الحقوقية التي لم تقم بدورها في الإخبار والتوعية بقانون مدونة الأسرة والتعريف بها في جميع أنحاء البلاد، على حد اعتقادها. وتقول في هذا الصدد: «لاحظنا جهلا عميقا بمحتويات المدونة وفهما خاطئا من طرف الناس بالقوانين التي نصت عليها. إن الأمية القانونية سواء في المدن أو البوادي من الأسباب الأساسية وراء أغلب المشكلات الأسرية».
وتعد حالة محمد حمد مودن، وهو من مدينة أزيلال (جنوب شرق المغرب)، واحدة من حالات عدم تسجيل عقد الزواج في المغرب، إذ تزوج مودن من حفيظة حيرة، وهي زوجته الثانية، وقال مودن لـ«الشرق الأوسط» إنه واجه صعوبات كبيرة في توثيق عقد زواجه، بعد أن رفضت الزوجة الأولى منحه الإذن بالزواج، وبعد أن تقدم للقاضي بطلب الزواج مرة ثانية رفض الطلب بدعوى أن مودن ليس قادرا على إعالة أسرتين، ولا يملك موافقة الزوجة الأولى. هذا الرفض اضطر محمد مودن إلى الزواج عبر الأسلوب التقليدي المعتمد في البوادي والمناطق النائية، حيث لم يجد عائقا للزواج عبر قراءة الفاتحة بحضور شهود، لأن معظم الأسر في منطقة أزيلال تتعامل به.
وبعد مدة طويلة من الزواج الثاني الذي أثمر عن ولادة طفل من الزوجة الثانية حاول محمد مودن لطلب توثيق زواجه من جديد، لكن طلبه قوبل مرة أخرى بالرفض وبصعوبات كثيرة في الحصول على الوثائق اللازمة التي يتطلبها توثيق الزواج، مما اضطره في كثير من الحالات إلى الاستعانة ببعض المعارف والوساطات للحصول على الوثائق الإدارية المرتبطة بزواجه الثاني. وربما يتيح قرار التمديد الجديد فرصة أمام محمد مودن، لوضع حد لمعاناته من البحث عن الوساطات والاستعانة بالمعارف كلما أراد الحصول على وثيقة إدارية.
وتقول زاهية عمومو، وهي محامية وعضو «الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المرأة» إن مرحلة التمديد التي منحتها الحكومة لإعادة توثيق عقود الزواج، طبقا للمادة 16 من قانون مدونة الأسرة، لن تحل المشكلات أو تحقق جديدا، لأن معظم المعنيين بإعادة توثيق زواجهم من البوادي، الذين يعانون من الأمية وعدم الوعي بأهمية التوثيق، ويتزوجون عن طريق قراءة الفاتحة، إضافة إلى أن الدولة لم تقم بدورها في التوعية خلال المرحلة الانتقالية التي دامت خمس سنوات. وقالت عمومو لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التمديد جاء ثمرة تنسيق بين مجموعة من الجمعيات الحقوقية كانت أولها «جمعية إيطو» التي نظمت قوافل بالتنسيق مع «جمعية إنصاف» و«الجمعية المغربية لحقوق المرأة» إلى إقليم أزيلال من أجل توعية سكان المنطقة، إيجاد حلول للمشكلات التي كانت تعيق تنفيذ المادة 16 من قانون الأسرة حول توثيق عقود الزواج، والتي تتمثل أحيانا في استغلال البعض لهذه المادة بالتحايل على النص من أجل تعدد الزوجات. وأضافت أن القرار الذي جاء بمبادرة من العاهل المغربي يهدف للعمل على التغيير، لكن الصيغة التي سيتم العمل بها ليست واضحة لحد الآن، ولا تزال هناك تساؤلات، هل سيتم تطبيق المادة 16 على مدى خمس سنوات كما في المرحلة الماضية، أم سيكون هناك تعديل للمادة وتمديدها إلى عشر سنوات كما ذكرت بعض الصحف المحلية. ودعت عمومو إلى أن يواكب التمديد حملة توعية في جميع المدن المغربية، وتسهيل الإجراءات القانونية، والحصول على الوثائق الإدارية التي يفترض توفرها لثبوت الزوجية، حتى لا تبقى ملفات طلب توثيق الزواج عالقة في المحكمة. وترى زاهية عمومو أنه إذا تم التعامل مع طلبات توثيق الزواج خلال مرحلة التمديد الجديدة، فإنها لن تأتي بجديد ولن تحل المشكلة «في نهاية المطاف سنحصل على النتائج نفسها التي توصلنا بها بعد مرحلة التمديد الأولى»، على حد قولها.