سمير الرفاعي: المبادرة العربية الجهد الأكثر تأثيرا خلال عقدين

رئيس وزراء الأردن في حوار شامل مع «الشرق الأوسط»: التعنت الإسرائيلي تعبير عن الضعف لا القوة

رئيس الوزراء الأردني سمير الرفاعي («الشرق الأوسط»)
TT

ليس من السهولة أن تحصل على موعد مع رئيس الوزراء الأردني، سمير الرفاعي، فجدول أعماله دائما مزحوم ومكتظ، وانشغالاته كثيرة وكثيرة، والملفات المطلوب التعامل معها متنوعة داخليا وخارجيا.. اقتصاديا وسياسيا. يضاف إلى ذلك اهتماماته بمتابعة أدق التفاصيل، فعندما طلبنا إلى مكتب رئيس الوزراء موعدا لإجراء حوار صحافي، وذلك في أواسط فبراير (شباط) الماضي، كان هناك قبول من حيث المبدأ على إجراء الحوار، لكن الذي لم يجر الاتفاق حوله هو الموعد، وطلب الانتظار إلى حين تقديم تصورات وخطط الحكومة لمعالجة القضايا الاقتصادية. وطال الانتظار. وجاء الفرج في اتصال هاتفي من مكتب رئيس الوزراء، يحدد ظهر يوم الجمعة موعدا لإجراء الحوار في مكتبه في عمان. وكان الموعد مفاجئا.. فيوم الجمعة يوم عطلة رسمية. وصلت ومعي المصور الزميل محمود جبر حسب الموعد، وكان «دولة الرئيس»، كما يطلق عليه في الأردن، في الانتظار، معتذرا عن اختيار يوم الجمعة موعدا.. فقلنا له إن الصحافة عمل على مدار الساعة، لا فرق فيها بين جمعة ولا سبت ولا خميس. ويزيد من أهمية المقابلة مع الرئيس الرفاعي في هذا الظرف، توقيتها، إذ جاءت بعد مرافقته العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في زيارتين مهمتين إلى بريطانيا وروسيا، ولقاؤه في عمان نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، كما جاءت قبل جولته لعدد من الدول العربية والخليجية التي بدأت بالسعودية أمس.

بداية سألت «الشرق الأوسط» دولة الرئيس عن جولة الملك عبد الله الثاني إلى بريطانيا وروسيا وزيارة بايدن، فقال: «إنها تأتي استكمالا للجهود التي يقوم بها جلالة الملك لحل القضية الفلسطينية، بعد أن تم تشكيل موقف دولي إزاء تأمين قيام دولة فلسطينية وفق حل الدولتين، إضافة إلى بحث ملف عملية السلام والتحضيرات للقمة العربية، ونتائج اجتماعات وزراء الخارجية العرب حيال ملف عملية السلام التي تنبثق عن الموقف السعودي والمصري، باتجاه دعم الموقف الفلسطيني». وأضاف أن المباحثات تناولت تعزيز العلاقات الثنائية مع كل من بريطانيا وروسيا، وبخاصة في المجالات الاقتصادية. وبالنسبة إلى زيارة بايدن فهي تأتي ضمن جولة له شملت إسرائيل والأراضي الفلسطينية، «ولمسنا منه تفهم الولايات المتحدة للموقف الفلسطيني في ظل تعنت إسرائيل».

وتابع القول بأن زيارة بايدن ليست بديلة لزيارة المبعوث الخاص، جورج ميتشل، وإنما هي مكملة له، «وأكدنا له ضرورة الوقف الفوري للإجراءات الإسرائيلية الأحادية، التي تقوض فرص تحقيق السلام، خصوصا بناء المستوطنات والإجراءات التي تستهدف تغيير هوية القدس والأماكن المقدسة فيها».

وتناولت المباحثات الجهود المستهدفة، لتجاوز العقبات، التي تعترض تحقيق تقدم على أرض الواقع لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، الذي يشكل الشرط الأساسي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، «ولمسنا منه جدية في التحرك للخروج من المأزق واستئناف عملية السلام».

* ما البديل في رأيكم؟

- لا يوجد خيار إلا السلام، ويجب علينا التعامل مع منطق السلام أمام العالم، حتى تعود الكرامة إلى المواطن الفلسطيني وتعود حقوقه، لأنه لا يوجد احتلال في القرن الحادي والعشرين إلا الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وإذا لم يتم إحراز تقدم في العملية السلمية فإن المنطقة مقبلة على كارثة.

وفي رأيي الشخصي، فإنها ستكون حرب في جهة ما وكارثة على شعوب المنطقة، ولكن أعود وأكرر، أنا متفائل بالخروج من هذا النفق.

* أعلنت حكومتكم حربها على الإرهاب، وكان لهذا الإعلان صدى وتفاعلات كبيرة، ما التداعيات؟ وكيف تنظرون إلى الأمر؟

- نحن لم نعلن الحرب، حديثا، على الإرهاب.. حربنا على الإرهاب قديمة، وبأكثر من شكل. نحن نحارب الإرهاب كبيئة وكمقدمات، قبل أن نحاربه كنتائج واستهدافات مباشرة. وقد قدم الأردن إسهامات فكرية وثقافية مهمة في حربه على الإرهاب، لعل أبرزها «رسالة عمان»، التي تشكل وثيقة إجماع مرجعية، للدفاع عن قيم الإسلام وصورته. وفي حربنا مع الإرهاب، كظاهرة عالمية نحن نحمي بلدنا وثوابتنا ومواطنينا وأشقاءنا. والحقيقة هنا، أن الأردن مستهدف، منذ عقود، من قبل الإرهاب على اختلاف أشكاله وألوانه. وهناك أسباب كثيرة لهذا الاستهداف، في مقدمتها: موقع الأردن الجغرافي، الذي ترتب عليه استحقاقات كبيرة، وثانيها موقف الأردن العقلاني المعتدل، والمدافع عن القضايا العربية، والمتصدر للدفاع عن صورة الإسلام السمح الوسطي، في مجابهة تيارات الغلو والتطرف وقوى الظلام عامة.

لقد جاء موقف الحكومة، لا كإعلان حرب على الإرهاب، فهذه الحرب قائمة ما دام الإرهاب يستهدفنا، ويستهدف صورة ديننا وكل ثوابتنا وقيمنا.. موقفنا هو تأكيد على هذه الحقيقة، ولجلاء الصورة لشعبنا ومواطنينا، وبكل شفافية، وليس لدينا أبدا ما نخفيه، خصوصا أن المصلحة العليا لبلدنا وأمتنا هي الدافع الوحيد لكل إجراءاتنا وسياساتنا.

* كيف تقيمون العلاقات الأردنية السعودية سياسيا واقتصاديا وأمنيا؟ وهل تدخل العلاقات المشتركة بين البلدين في إطار سياسة المحاور؟ وما تطلعاتكم في هذا المجال؟

- العلاقة الأردنية السعودية علاقة عريقة ومتينة، وذات تقاليد راسخة، ولا ترتبط بقضايا أو مسائل آنية. نحن نشعر بأننا والأشقاء السعوديين في خندق واحد، ندافع عن قضايا الأمة، ونسعى لحماية منطقتنا وأمنها واستقرارها ومستقبل شعوبها. ومعلوم للجميع أن العلاقة التي تربط جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، بأخيه خادم الحرمين الشريفين، هي علاقة خاصة ومميزة. ونحن نسعى لأن تكون العلاقات الأردنية السعودية، وفي المجالات كافة، بمستوى العلاقة التي تربط القيادتين، وبما يحقق تطلعات الإرادة السياسية العليا، في البلدين الشقيقين كليهما، نحو المزيد من التعاون والتنسيق وخدمة الشعبين العربيين الشقيقين.

ولا بد أن أعبر عن مشاعر الاعتزاز والفخر، بالدور الرائد الذي يقوم به جلالة خادم الحرمين الشريفين، وسعيه الحثيث لتعزيز روابط الأخوة والتكافل، في زمن تبدو الأمة فيه أحوج ما تكون إلى فكره السديد وجهوده المباركة وخلقه العروبي الأصيل، وحرصه الدءوب على تحقيق معاني التضامن العربي، وبما يخدم صورة الإسلام السمح، ويديمها مشرقة ناصعة.

كذلك، فإن العلاقات الشعبية الأردنية السعودية هي علاقات متشابكة ومتينة. وهناك جذور اجتماعية وثقافية تعزز روابط العلاقة، وتدفع بنا إلى المزيد من التعاون النوعي، للقيام بواجباتنا إزاء حقائق التاريخ والجغرافيا.

وفيما يخص قضية المحاور، أود أن أنوه أن الأردن أعلن رفضه المبكر والمبدئي لمنطق المحاور. ونرفض استعادة هذه الحقبة من التاريخ، التي كانت آثارها سلبية ومدمرة فيما يخص ترابط الصف العربي ووحدة الموقف.

الأردن والسعودية، معا، ضمن إطار التضامن العربي.. وتحقيق موقف عربي موحد لخدمة قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات العملية السلمية، وكل ما يخدم القضية الفلسطينية ومستقبلها نحن معه. وكل ما يدفع باتجاه التحايل على أولوية هذه القضية ومركزيتها نحن ضده. هذا هو العنوان الواضح والرئيسي للموقف العربي المطلوب. وأيضا، فقد وقف الأردن والسعودية، معا، وضمن إطار التضامن العربي، للحيلولة دون نجاح محاولات خارجية سعت للزج بالمنطقة، في صراعات إقليمية دولية، وبحيث تتحول المنطقة، لا قدر الله، إلى ساحة نفوذ خارجي وصراع على المكاسب، وعلى حساب أمنها واستقرارها وعروبتها.

هذا الموقف المبدئي، لا يعني بحال من الأحوال، تمحورا أو محاور، وإنما هو منطق عربي، يسعى لتأسيس موقف عربي موحد، على قاعدة التكافؤ والتعاون المشترك وبأعلى درجات التنسيق.. للتعامل مع التحديات التي تطرأ، ولغايات الدفاع عن القضايا العربية وأولويتها دوليا.

* كيف تقيمون العلاقات الأردنية السعودية اقتصاديا؟

- على الصعيد الاقتصادي، يمكن القول بأن المملكة العربية السعودية أضحت الشريك التجاري الأول للأردن خلال العامين الماضيين. وتظهر أرقام حجم التبادل التجاري استمرار النمو بالاتجاهين، حيث بلغ حجم الصادرات الأردنية إلى المملكة العربية السعودية خلال عام 2009 نحو 377.5 مليون دينار، كما بلغت قيمة الواردات نحو 1.729 مليار دينار. وتستوعب السعودية 50% تقريبا من إجمالي العمالة الأردنية في دول مجلس التعاون الخليجي، بإجمالي 80 ألف عامل. في الإطار ذاته، تصدرت الاستثمارات السعودية قائمة أكبر 10 دول صنفت على أنها الأكثر استثمارا في الأردن، حيث بلغ حجم الاستثمارات السعودية المباشرة في الأردن، التي استفادت من قانون تشجيع الاستثمار منذ عام 1996 وحتى نهاية العام الماضي، 940 مليون دينار. واحتل قطاع الصناعة الحجم الأكبر من الاستثمارات السعودية، بقيمة 730 مليون دينار، تلاه قطاع الفنادق بـ150 مليون دينار. في حين توزعت قيمة الاستثمارات الأخرى على قطاعات الزراعة والنقل والمستشفيات ومدن التسلية والترويح السياحي.

كما توجد استثمارات سعودية تزيد على 4 مليارات دولار في قطاعات خدمية كالنقل والبنية التحتية والطاقة والخدمات اللوجيستية والقطاع المالي والتجاري والإعلامي. وأيضا، يصل حجم الاستثمارات السعودية في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة نحو 80% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية فيها. وتعتبر الاستثمارات السعودية ذات قيمة مضافة، وذات تأثير مباشر على الاقتصاد والعمالة، فالمستثمر السعودي «جاد»، وهو من أفضل المستثمرين في الأردن، والحكومة تقدم له أشكال الدعم كافة.

تم عقد اجتماعات الدورة الثانية عشرة للجنة السعودية الأردنية المشتركة في الرياض خلال الفترة 13 - 14 يناير (كانون الثاني) 2009، حيث بحثت اللجنة أوجه التعاون المشترك كافة، وخصوصا تعزيز التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري والاستثماري، والعمل على زيادته بما يحقق المصلحة المشتركة للبلدين الشقيقين من خلال الكثير من الآليات، حيث تم الاتفاق على إزالة المعوقات كافة غير الجمركية، التي تحد من دخول بعض البضائع الأردنية إلى السوق السعودية، والتوصل إلى حلول نهائية لها من خلال نقاط الاتصال المشكلة في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وقد وعدت المملكة العربية السعودية بدعم الطلب الأردني في توقيع اتفاقية تعاون اقتصادي وتبادل تجاري حر مع دول مجلس التعاون الخليجي، عند بحثه في إطار المجلس. ونتطلع إلى عقد اجتماعات اللجنة الأردنية السعودية المشتركة، في دورتها الثالثة عشرة في عمان، خلال شهر مايو (أيار) القادم إن شاء الله.

وعلى الصعيد ذاته، يرتبط الأردن بالسعودية بالكثير من الاتفاقيات والبروتوكولات، ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية التي تنظم العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ونتطلع إلى استكمال المباحثات حول مشروع اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي وإبرام اتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمارات بين البلدين.

* هل مشروع اللامركزية في الأردن ما زال قائما؟

- مشروع اللامركزية قائم، وهو في طور الاستعدادات. والحوارات مستمرة بشأن الشكل والتشريعات المطلوبة وموعد إجراء الانتخابات.. لا رجعة أبدا عن هذه الرؤية، وعن هذا المشروع. وكل ما نقوم به الآن، هو لغايات استكمال الاستعدادات، وبحيث تكون الصورة النهائية متكاملة وواضحة.

الحكومة تنظر إلى مشروع اللامركزية بوصفه واجبا يستحق التنفيذ، وبالسرعة اللازمة، على أن يتم استكمال الخطوات. وتعلمون أن هناك نصا صريحا في كتاب التكليف السامي للحكومة بشأن إعداد مشروع قانون للانتخابات اللامركزية هذا العام، على أن يتم تحديد موعد لإجرائها، وبالكفاءة المطلوبة.

* ما الهدف السياسي وراء مشروع اللامركزية؟ وهل له علاقة بما يجري على الأرض الفلسطينية؟

- الهدف الأساسي من اللامركزية هو تنموي. والشق السياسي منه، يرتبط أيضا بهذا الهدف، فنحن نتحدث عن تنمية سياسية، جنبا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية والتنمية الثقافية والاجتماعية وغيرها. والجانب السياسي يقتصر على غاية واضحة، وهي توسيع قاعدة المشاركة، ومنح أهالي وأبناء المحافظات حق تحديد أولوياتهم الخدمية ومشاريعهم التنموية والاقتصادية المتنوعة.. على أن يتم ذلك، بعد القيام بجهود حقيقية باتجاه بناء القدرات وتأهيلها.

هذا هو فهمنا لمشروع اللامركزية. وهو استحقاق داخلي تنموي يمثل نقلة نوعية على صعيد المشاركة والتفاعل. والأردن بلد يعرف كيف يطور مؤسساته ويوسع قاعدة المشاركة.. وهذا دأب الدولة الأردنية، بغض النظر عما يحدث حولنا.

وبخصوص ما يجري على الأراضي الفلسطينية، فالموقف الأردني حاسم ونهائي. وقد عبر عنه جلالة الملك بلغة واضحة، لا تحتمل التفسير ولا التأويل، بأننا مع حل الدولتين، وبموجب الشرعية الدولية ومرجعيات العملية السلمية.. ولا نقبل بأي حل آخر، بل وينظر الأردن إلى الدعوات خارج إطار هذا الحل، على أنها محاولات للتحايل على الحق الفلسطيني، وعلى الشرعية الدولية وقراراتها الحاسمة، لصالح إنهاء الاحتلال، واستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية كافة.

وعليه، فلا يوجد أي أبعاد خارجية لقراراتنا واستراتيجياتنا الداخلية. والدولة الأردنية دولة قوية وراسخة ومنسجمة مع رسالتها ومبادئها التي قامت عليها. ونحن لسنا الطرف الضعيف الذي يتم ترتيب الاستحقاقات على حسابه.

يقوم مشروع اللامركزية على أساس تفويض ونقل وإعادة توزيع الصلاحيات والمسؤوليات والموارد المتعلقة بالشؤون الإدارية والتنموية والخدمية ذات الطابع المحلي، بين الحكومة والمحافظات والهيئات المحلية المنتخبة، وتعزيز المشاركة الشعبية في تحديد الاحتياجات وترتيب الأولويات لتمكين المواطن من المشاركة في صنع واتخاذ القرار، ووضع الخطط اللازمة لتنفيذها ومتابعتها وتقييمها ووضع آليات لترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة والعدالة، وأن تخضع هذه الهيئات والإدارات المحلية لأجهزة الرقابة الحكومية. ويهدف إلى تعزيز مشاركة المواطن في صنع القرار، وذلك استكمالا لعملية الإصلاح السياسي والإداري ودفع المسيرة الديمقراطية.

* ما موقف الأردن من حركة حماس؟ وهل هناك اتصالات مع قياداتها؟

- الأردن يتعامل، رسميا، مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها. وكما هو معروف، فنحن لا نتعامل مع فصائل ولا تنظيمات، بل مع حكومات، وعبر القنوات الرسمية والدبلوماسية.. وفي الحالة الفلسطينية، نحن نتعامل مع السلطة الوطنية ورئيسها السيد محمود عباس.. ونسعى مع أشقائنا العرب إلى تحقيق حل الدولتين، وبما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة، وعاصمتها القدس. هذا هو هدفنا، وهذا ما نسعى لتحقيقه، لخدمة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

أما بالنسبة إلى العلاقة بين حركتي فتح وحماس، فقد كنا ولا نزال مع المصالحة الفلسطينية. ومع إنهاء حالة الانقسام الجغرافي والسياسي الفلسطيني الفلسطيني، لأنه، بالإضافة إلى كل عواقبه وآثاره السلبية، يسهم في إضعاف صورة الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، ويعطي إسرائيل مبررات إضافية باتجاه المماطلة والتسويف، والتحايل على استحقاق التسوية العادلة.

* ما موقف الأردن من تعنت نتنياهو إزاء حل الدولتين، وانصياع الإدارة الأميركية إلى طلبات القيادة الإسرائيلية؟

- موقف الأردن هو ما عبر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، بدقة ووضوح، وأكثر من مرة، أن على الإسرائيليين أن يعلموا أن أمنهم ومستقبلهم لا يتحقق من خلال التمترس وراء ذهنية «القلعة»، وإنما بالسلام الشامل وإعادة الحقوق لأصحابها، والاندماج الطبيعي في المنطقة. وهذا لا يتم إلا عبر صيغة واحدة، هي صيغة «المبادرة العربية». أن تعنت الحكومة اليمينية الإسرائيلية وتشددها، وكل مساعيها باتجاه المراوغة والتحايل على الحقوق الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية، كل ذلك لا يعني نهاية المطاف، فالمجتمع الدولي، بأسره، مع حل الدولتين. والموقف العالمي ضاغط لصالح تحقيق السلام، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية. والحقيقة أنني أنظر إلى التعنت الإسرائيلي بوصفه تعبيرا عن الضعف، لا عن القوة. ولن تتمكن حكومة اليمين من التحايل طويلا على استحقاقات الشرعية الدولية. إن البديل الوحيد عن حل الدولتين، موضوعيا، هو حل الدولة الواحدة الذي تخشاه إسرائيل، ويضعها أمام الاستحقاق الديموغرافي.

* لكن، هناك أصوات كثيرة عربية، ترى أن الأسلوب الأمثل لمواجهة تعنت نتنياهو، هو في إلغاء المبادرة العربية، ما دام الطرف الآخر متشنجا، وغير راغب في السلام.. كيف تنظرون إلى هذه الدعوة؟

- بغض النظر عن الظروف التي تأتي فيها هذه الدعوة، وأجواء الغضب إزاء الانتهاكات الإسرائيلية، ومع الاحترام للنيات الحسنة التي تقف، في بعض الحالات وراءها، فأنا أعتقد، يقينا، أن أكبر خدمة ممكن أن تقدم اليوم إلى التعنت اليميني الإسرائيلي هي إلغاء المبادرة العربية، والتي تعد من أبرز مصادر قوة الموقف العربي، ومرجعية مهمة ورئيسية للعملية السلمية. ولا ننسى، كذلك، إن المبادرة العربية وضعت المجتمع الدولي، بأسره، أمام مسؤولياته، عندما قدمت صيغة للسلام العادل المنسجم مع الشرعية الدولية وطموحات المجتمع الدولي، تجاه حل القضية الفلسطينية، وإحلال السلام الإقليمي الذي سينعكس إيجابا على السلم الدولي، وفي أكثر من مجال وملف.

وأرجو أن أوضح هنا، أن قوة القضية الفلسطينية، ليست فقط من قوة العامل الفلسطيني، أو العامل العربي. وإذا كنا أكثر صراحة، فإن هذين العاملين يمران بمرحلة ضعف وتشتت.. إن قوة القضية الفلسطينية الأكثر تأثيرا، هي من قوة شرعيتها، ومن قوة الموقف الدولي الداعم لها والمؤيد لحلها. ومن هنا، جاءت المبادرة العربية، بالانسجام مع هذه الحقيقة، ولمخاطبة المجتمع الدولي، باللغة التي يفهمها ويقبلها، لا بأي لغة أخرى.

المبادرة العربية، كما نقرأها في الأردن، هي الجهد العربي الأكثر تأثيرا، خلال العقدين الأخيرين، في مجابهة التعنت الإسرائيلي. وهي وثيقة إدانة لليمين الصهيوني. والتخلي عنها اليوم، مهما كانت الظروف أو المشاعر والنيات، لا يخدم إلا الحكومة اليمينية المأزومة. في حين أن التمسك بالمبادرة والإصرار عليها يزيد من إحراج الطرف المتعنت وعزلته أمام المجتمع الدولي.

* قامت حكومتكم، مؤخرا، بإحالة قضية الفساد في توسعة مصفاة البترول إلى القضاء، وشملت عددا من كبار المسؤولين السابقين وحتى الحاليين.. أين وصلت الأمور في القضية؟

- الملف من أوله وحتى تتضح نهايته هو ملف قضائي. والحكومة مارست دورها الإجرائي، بإحالة الملف إلى التحقيق، حسب الأصول المتبعة. وعلى اعتبار أن الأفعال الواردة في الشكوى، تمس أمن الدولة الاقتصادي، وهي تتعلق بقطاع حيوي استراتيجي هو قطاع الطاقة، فقد تم نقل ملفها إلى محكمة أمن الدولة، وبموجب صلاحيات منصوص عليها في قانون «أمن الدولة».

هذا هو فقط دور الحكومة. وهو دور إجرائي لا أكثر. والمهم بالنسبة إلينا، وقبل أي اعتبار آخر، هو احترام استقلالية القضاء.. وبالأساس، أن تتم عملية مكافحة الفساد التي تعهدنا بها في كتاب الرد على كتاب التكليف السامي، بأكثر صور الدقة والشفافية، وبإجراءات قانونية سليمة، خصوصا أننا نعتز بأن الأردن هو دولة قانون ومؤسسات، بالدرجة الأولى. ولدى أي مشتكى ضمانات كافية ومنصوص عليها تجعله بمنأى عن أي اعتبارات أخرى.

وأؤكد هنا، أن الحكومة ملتزمة التزاما مطلقا بمكافحة الفساد، بكل أشكاله، من مالي وإداري وغيره. وعبر المؤسسات والهيئات المحترمة والمستقلة، التي تقوم بهذه المهمة وتتولى إحالة القضايا إلى القضاء المستقل النزيه.. وبحيث تتأكد مؤسسية ومنهجية مكافحة الفساد، وتتجذر أكثر، لمجابهة هذا الداء، الذي أؤكد هنا، مرة أخرى، أنه أخطر عدو للدولة، أي دولة، ذلك أنه ينخر المؤسسات من داخلها، ويفقد المواطن ثقته بالعدالة والقيم التي نشأ عليها.

* ماذا عن الانتخابات النيابية، التي التزمت حكومتكم أن تجريها في الربع الأخير من هذا العام؟ وما إجراءات الحكومة لتحفيز المواطنين على المشاركة بعد موجة الاستياء من مجلس النواب السابق؟

- الانتخابات النيابية ستجري، حتما، في الربع الأخير من هذا العام. هذه أولوية متقدمة، لا لبس فيها ولا نقاش. ونحن الآن في المراحل الأخيرة لإعداد قانون الانتخاب الجديد، الذي نريد له أن يمثل في حد ذاته، نقلة نوعية، وحافزا للمواطنين للمشاركة الواعية، الواسعة، وبأعلى درجات الدقة والنزاهة والشفافية. وأرجو أن أؤكد مرة أخرى، أن الحكومة تعهدت بذلك والتزمت به في كتاب الرد على كتاب التكليف السامي، الذي أمر فيه جلالة الملك، حفظه الله، بإجراء الانتخابات النزيهة المطلوبة، وفق قانون جديد أكثر تلبية ومواءمة لطموح المواطنين.

على صعيد الإجراءات وخطوات التحفيز، ستقوم الحكومة بكل ما يلزم، لإنجاز الواجب. وبدأت بالفعل الخطوات والبرامج لتنطلق في هذا الاتجاه. إن للحكومة مصلحة وحيدة في هذا السياق، وهي بتوسيع قاعدة المشاركة، وأن يكون المجلس القادم ممثلا لأكبر شريحة ممكنة من المواطنين. وبدأنا التحرك في هذا الاتجاه نحو قطاعات مهمة وحيوية، بأمل رفع مستوى مشاركتها. وكانت البداية من قطاع الشباب، لما له من دور مهم ورئيسي، خصوصا أن جلالة الملك يستثمر في هذا القطاع، ويراهن على طاقات الشباب، الذين أطلق عليهم جلالته وصف «فرسان التغيير».. وستكون لنا تحركات مكثفة باتجاه قطاع المرأة الأردنية، بهدف رفع مستوى مشاركتها وتمثيلها في المجلس القادم.. وهناك خطوات أخرى كثيرة سيعلن عنها في حينه.

* هناك حديث كثير عن الوضع الاقتصادي الأردني، والصعوبات الجدية التي يواجهها.. كيف تتعاملون مع هذه الحقيقة؟

- المعطيات لدينا ليست سهلة، وتمثل تحديا حقيقيا للحكومة، في التعامل معها. من هنا، اتخذت الحكومة جملة من الإجراءات المهمة، في مقدمتها إعداد خطة تنفيذية، لتحديد أولويات الحكومة، وتأجيل المشاريع والبرامج التي يمكن، وبصعوبة، تأجيلها. وبالفعل، اعتمدنا الحد الأدنى، والضروري للمشاريع التي تتطلب نفقات، في سبيل دعمها، وعدم اللجوء إلى قرارات يترتب عليها رفع للدعم، أو رفع لأسعار السلع الأساسية.

كذلك، أصدرنا قرارات بضبط الإنفاق الحكومي، حتى حدوده الدنيا، بما في ذلك تشكيل الوفود الرسمية، وشراء اللوازم والأثاث، ووقف التعيينات الحكومية. وهذه كلها قرارات صعبة، ولكنها ضرورية ولا بد منها في هذه الظروف. والهدف النهائي هو حماية الأمن الاقتصادي الأردني، وهذا ما يتفهمه مواطننا، ويقدره.

والصحيح أن المواطن الأردني واع ومثقف، وقادر على تحمل واجباته الوطنية، حتى وإن تحمل الكثير، فهو يشعر بمعاني الشراكة، ومسؤول عن مستقبل أبنائه. والأهم بالنسبة إليه أن يشعر بالعدالة والجدية من قِبل الحكومة.. وأن تكون الدولة ومقدراتها بعيدة عن أيدي الفساد والفاسدين.

وهنا، لا بد من الحديث حول حقيقة أخرى، لا تقل أهمية، وهي أن جزءا رئيسيا من إنفاقنا ومقدراتنا، هو لخدمة دورنا العربي، والدفاع عن ثوابتنا. وهذه مسائل مكلفة سياسيا ومكلفة اقتصاديا. ونحن مستعدون للتحمل سياسيا، ونسعى بكل جد أن نواصل التحمل اقتصاديا، ما دمنا أصحاب رسالة.. وموقفنا العربي هو ثابت ورئيسي. ونحن أيضا جزء من هذا الإقليم وأمنه واستقراره.