جدل حول سعي «المارينز» لإدارة عملياته في أفغانستان بمعزل عن الجيش الأميركي

التنمية الاقتصادية والتواصل مع السكان طرق مبتكرة لمحاصرة معاقل طالبان

TT

ديلارام، هذه القرية الصغيرة الواقعة جنوب غرب أفغانستان، والتي يقيم بها بضع مئات من العائلات العاملة في مجال الزراعة، والمحاطة بمئات الأميال من الصحراء القاحلة، لا تمثل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى قادة القوات الدولية في كابل، فقد أطلق عليها أحدهم، على ديلارام التي تقع على بعد ساعة بالسيارة من أقرب مدينة إليها، أنها «أبعد مكان على سطح الأرض»، وأطلق عليها آخر «غير ذات صلة بأصل مهمتنا، من هزيمة طالبان، وحماية الأفغان».

بيد أن قادة القوات الأميركية لديهم وجهة نظر مختلفة تجاه الصحراء القاحلة المحيطة بالقرية، فهم يرون أن السيطرة على هذه المنطقة من إقليم نمروز النائي أمر ضروري لتعزيز التنمية الاقتصادية والدفاع عن المناطق المأهولة بالسكان في جنوب أفغانستان. ويحاول المارينز، مشاة البحرية الأميركية، تعزيز وجودهم العسكري في قواعد ضخمة على أطراف القرية، التي سيقام بها مهبطان للطائرات، ومستشفى عسكري، متقدم ومكتب بريد، ومتجر ضخم، وعدد من المنازل التي تمتد على مدى الرؤية. وبحلول الصيف، سيتمركز هنا أكثر من 3.000 جندي من المارينز، من الجنود الإضافية الذين أمر الرئيس أوباما بإرسالهم إلى أفغانستان في ديسمبر (كانون الأول).

ومع اقتراب يوليو (تموز) 2011، الموعد الذي حدده الرئيس أوباما لخفض القوات الأميركية في أفغانستان، اختارت قوات المارينز إدارة المعركة على طريقتها الخاصة.

وقال البريغادير جنرال، لورانس نيكلسون، قائد قوات المارينز في أفغانستان: «إذا كنا سننجح هنا، فعلينا أن نجرب أسلوبا مختلفا، وأن نقبل بالمخاطرة، فالقيام بما يقوم به الآخرون لن يعمل على إنهاء الحرب».

وفي سبيل تحقيق استراتيجية مختلفة، تدفقت قوات المارينز صوب المعقل السابق لحركة طالبان. وأقاموا أول مدرسة في نوعها لتدريب ضباط الشرطة. وأحضروا شيوخا للصلاة مع الملالي المحللين، ونشروا فرقا من مجندات المارينز للتواصل مع النساء الأفغانيات.

وقد حازت هذه الطريقة، وهي مبتكرة وجريئة وغير متشددة، على استحسان الكثيرين داخل الجيش، حيث أكد على أهمية الدوريات الراجلة والتواصل مع السكان، الذي أسهم في تحويل الكثير من معاقل طالبان السابقة على وادي نهر هلمند إلى مجتمعات مستقرة إلى حد كبير، بها أسواق مزدهرة ومدارس نشطة، مما جعلها نموذجا للطريقة التي ينبغي للقوات انتهاجها لتطبيق استراتيجية مكافحة التمرد.

لكن أساليب المارينز، وإصرارهم على الحصول على نوع من الاستقلالية، التي لا تتوافر داخل الجيش الأميركي، أثارت غضب الكثير في سلسلة القيادة في كابل وواشنطن، ودفعت البعض إلى الإشارة إلى منطقة عملياتهم في الجنوب. واعتبروا أن التوسع في ديلارام، وما وراءها، يناقض استراتيجية حماية المناطق المأهولة التي تبناها الجنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأميركية، وقوات الناتو في أفغانستان، ومن ثم حاولوا فرض المزيد من السيطرة على المارينز.

تلك التطورات دفعت كارل إيكنبيري، السفير الأميركي لدى أفغانستان مؤخرا إلى الإشارة إلى أن القوات الدولية في أفغانستان تشعر بأنها مؤلفة من 42 دولة لا 41 دولة، لأن المارينز يتصرفون باستقلالية عن القوات الأميركية.

وقال مسؤول كبير في إدارة الرئيس أوباما، والذي يطلع على السياسة الأفغانية: «لدينا تنسيق أفضل في العمليات مع حلفائنا في الناتو عنه مع قوات المارينز».

وقد أعرب بعض من قادة الإدارة والبنتاغون ومقر قيادة ماكريستال عن رغبتهم في نشر بعض من جنود المارينز الذين سيصلون إلى أفغانستان بحلول الصيف الحالي حول مدينة قندهار، ثاني أكبر المدن الأفغانية، للمساعدة على إحكام السيطرة على المدينة، وإبعادها عن قبضة طالبان عوضا عن التمركز في إقليم هلمند المجاور، وبعض المناطق في الغرب. ويشير محللون في مجلس الأمن القومي إلى أن 1% من السكان الأفغان يعيشون في مناطق عمليات المارينز.

وتساءلوا عن جدوى العملية الضخمة التي بدأت الشهر الماضي لطرد مقاتلي طالبان من مارجا، المدينة الزراعية الفقيرة في وسط هلمند، وعما إذا كانت تمثل الاستغلال الأمثل لموارد المارينز. وعلى الرغم من انخفاض حجم القتلى بين صفوفها أكثر المتوقع، وإسهام ذلك في إحداث حالة من الزخم للعملية التي تقودها الولايات المتحدة، فإن المهمة ستظل مرتبطة بكتيبتين من المارينز حتى حلول الصيف.

وتساءل مسؤول بالإدارة: «ما الذي نفعله في هلمند؟ لماذا لا يتوجه كل الـ20.000 جندي من المارينز إلى قندهار؟ إنها المدينة الرئيسية للملا عمر قائد طالبان. فإذا ما أردت تضييق الخناق على الملا عمر، فيجب عليك أن تحقق تقدما في قندهار. وإذا ما أردت أن تقول لطالبان إنه لا سبيل لعودتهم، فيجب عليك أن تحقق تقدما في قندهار».

حتى بداية الشهر الحالي، كان ماكريستال يفتقد السيطرة في مناطق العمليات على المارينز، التي كانت ستسمح له بنقلهم إلى المناطق الأخرى من البلاد. وقد تركزت السلطة في يد جنرال في المارينز في القيادة المركزية الأميركية، فقد أصر هو وكبار القادة الآخرين في المارينز على أن قواتهم في أفغانستان لديها مناطق عمليات متجاورة تمنعهم من الانفصال والذهاب إلى قندهار، لأنهم يعتقدون ضرورة دعم المارينز بالمروحيات ووحدات الدعم اللوجيستي التابعة لهم، الموجودة في هلمند، بدلا من الاعتماد على الجيش.

بعد المخاوف بشأن الترتيبات التي أعدها البيت الأبيض، أصدر الجنرال بترايوس، الذي يرأس القيادة المركزية، أمرا في بداية شهر مارس (آذار)، يمنح الجنرال ماكريستال سلطة في مناطق العمليات على قوات المارينز في أفغانستان. لكن السلطة الجديدة الممنوحة لماكريستال - نتيجة مفاوضات واسعة بين محامي الجيش - لا تزال تتطلب موافقة المارينز على أي خطة تفصل قوات المشاة عن الدعم الجوي، وهو ما سيحد، بحسب تصريحات لمسؤولين في وزارة الدفع، من قدرته على تحريكهم.

وقال جنرال المارينز، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «في نهاية المطاف لم يحدث شيء. لا يزال هناك الكثير من المحاذير التي تحول بيننا وبين نقلنا».

طلب قوات المارينز الحصول على الدعم من طائراتها، وفرق الدعم اللوجيستي التابعة لها، ليس وليد اليوم، بل له جذور تمتد إلى معارك الحرب العالمية الثانية، التي خاضتها في غواداكانال وتاراوا، حيث لم تتلق قوات المارينز الدعم الذي توقعته من السفن والطائرات الحربية التابعة للبحرية لدى هبوطها على جزر المحيط الهادي. ومنذ ذلك الحين، أصرت قوات المارينز على الانتشار مع طائراتهم، ووحدات إمدادهم الخاصة. وقد قاموا بذلك في كل من العراق وأفغانستان.

على الرغم من الحاجة إلى السفر بكامل معداتهم، فإن المارينز مستعدون للتحرك سريعا. فقد عرض قائد قوات المارينز، الجنرال جيمس كونواي، تقديم ثلث القوات التي طلبها أوباما في ديسمبر. في المقابل، فإن العدد من وحدات الجيش، التي تدخل ضمن القوات الجديدة، لم تغادر الولايات المتحدة بعد.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»