الانتخابات الإقليمية في فرنسا: ضعف المشاركة وانقلاب في الموازين لصالح اليسار

ساركوزي انتخب مع زوجته كارلا إسكاتا للشائعات

ساركوزي وزوجته كارلا بروني لدى وصولهما إلى مركز اقتراع في باريس أمس (أ.ب)
TT

كان عشرات المصورين ينتظرون الرئيس ساركوزي وزوجته كارلا عندما وصلا، أمس، إلى مركز الاقتراع الذي أقيم بمدرسة جان دو فونتان في الدائرة السادسة عشرة من باريس، للقيام بواجبهما الانتخابي في الدورة الأولى من الانتخابات الإقليمية التي ستحدد ملامح المشهد السياسي الفرنسي للشهر والسنوات القادمة. وحشرية الصحافيين كانت تتغذى من الشائعات التي راجت في الأسابيع والأيام الأخيرة حول صعوبات يعرفها الثنائي الرئاسي، بحيث إن وصولهما معا مبتسمين يدا بيد أريد منه تكذيب الأقاويل. وحرص ساركوزي على مصافحة بعض المواطنين، الذين تجمعوا خارج هذا الموقع القائم في حي معقود الولاء لليمين وسط بعض التصفيق من هنا وهناك.

وكما ساركوزي، فإن غالبية المسؤولين والمرشحين ارتادوا مراكز الاقتراع التي شهدت إقبالا ضعيفا، يتناسب مع ما توقعته استطلاعات الرأي. ووفقا للأرقام التي أذاعتها وزارة الداخلية ظهرا، فإن نسبة المنتخبين زادت زيادة طفيفة على 16 في المائة، مما يشكل تراجعا قدره 2 في المائة عن عام 2004. وخلال الانتخابات الأخيرة، بلغ التغيب نسبة 38 في المائة، ومن المنتظر أن ترتفع هذه النسبة ما بين خمس وعشر نقاط.

ويفسر المراقبون السياسيون هذا التراجع بالطابع المحلي للانتخابات، التي لن تؤثر بشكل آلي ومباشر في وضع السلطتين التنفيذية والتشريعية وبعجز الأحزاب السياسية عن «تعبئة» المواطنين وإشعارهم بأهمية الانتخابات. وأجمعت استطلاعات الرأي على أن النتائج معروفة سلفا بالنظر إلى التقدم الكبير لليسار والاشتراكيين والخضر على حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم والمتحالف منذ الدورة الأولى مع أحزاب اليمين والوسط باستثناء الحركة الديمقراطية، التي يقودها المرشح الرئاسي السابق فرنسوا بايرو وحزب التجمع الديغولي، التي يقودها النائب نيكولا دوبون دينيان. والسؤال الذي ستكشف عنه نتائج الدورة الأولى هو موقع ومستقبل اليمين المتطرف، الذي يقوده جان ماري لوبن والذي عرف منذ انتخاب ساركوزي رئيسا للجمهورية في ربيع عام 2007 ضمورا في شعبيته. وثمة سؤالان آخران ينتظران أجوبة: الأول، صورة ميزان القوى بين الحزب الاشتراكي بقيادة مارتين أوبري من جهة وحزب الخضر المتمحور حول ثلاث شخصيات رئيسية هي دانيال كوهين بنديت، الزعيم الطلابي السابق والنائب الحالي في البرلمان الأوروبي، والقاضية السابقة أيفا جولي وجوزيه بوفيه، أحد رموز مناهضة العولمة بفرنسا. والسؤال الآخر هو مستقبل حزب بايرو (الحركة الديمقراطية)، الذي حل ثالثا في السباق الرئاسي عام 2007، لكن حزبه يتخطى بصعوبة نسبة الـ5 في المائة في الوقت الحاضر.

وشكلت الانتخابات فرصة لتطعيم اللوائح بمرشحين يعكسون «تعددية» المجتمع؛ أي استدعاء مرشحين متحدرين من أصول مهاجرة عربية وأفريقية على وجه الخصوص. وكان هذا الاتجاه أكثر وضوحا في لوائح أقصى اليسار واليسار والخضر منه في لوائح اليمين الكلاسيكي على الرغم من أن ساركوزي كان أول من أوكل حقائب وزارية من الدرجة الأولى إلى متحدرين من أصول مهاجرة. وطبقت على اللوائح حرفيا قاعدة المناصفة بين الرجال والنساء. غير أن الأنظار ستتجه، على وجه الخصوص، نحو معرفة مصير الوزراء ومنهم ثمانية يرأسون لوائح انتخابية بينما بلغ عدد المنخرطين في الانتخابات بتشجيع من الرئيس ساركوزي الضعف. وكانت وزيرة التعليم العالي، فاليري بيكريس، قد خاضت منافسة داخلية حامية لترؤس لائحة اليمين ضد وزير (سابق) مقرب من ساركوزي هو روجيه كاروتشي في منطقة العاصمة الفرنسية المعقودة اللواء منذ سنوات للاشتراكي جان بول هوشون. وبحسب استطلاعات الرأي، فإن لائحة هوشون الخضر ستفوز بسهولة في الجولة الانتخابية الثانية الأحد القادم. وبعد أن اعتبر اليمين بداية أن الانتخابات ستكون فرصة لكسب عدد من المناطق الـ22، التي يسيطر اليسار على عشرين منها، فإن همه تراجع إلى محاولة الاحتفاظ بالمنطقتين التابعتين له، وهما كورسيكا ومنطقة الألزاس (شرق فرنسا).

وتأتي هذه الانتخابات في منتصف ولاية الرئيس ساركوزي الذي يعاني منذ شهور تراجع شعبيته، التي مردها بالدرجة الأولى للصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها فرنسا وضمور النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة وتراجع القوة الشرائية. وحتى هذه الانتخابات، استفاد ساركوزي من انقسام اليسار والحرب بين أركان الحزب الاشتراكي وانقسام اليسار ونجاحه في اجتذاب بعض من أركانه مثل وزير الخارجية برنار كوشنير ووزير الهجرة والهوية الوطنية أريك بويسون إلى الحكومة، و«إبعاد» الاشتراكي دومينيك شتروس خان بمساعدته على ترؤس صندوق النقد الدولي. والحال أن نجاح اليسار سيمده بدينامية جديدة وسيقوي شوكة المعارضة، بينما في المقابل سيضعف هيمنة الرئيس على اليمين مما يعني مزيدا من الصعوبات في إقرار وقيادة سياسة متوازنة تحظى بدعم قوي من صفوف اليمين.