«يوشاهيدي».. وسيلة أفريقية لمواجهة الأزمات عبر العالم

موقع يضاهي «ويكيبيديا» أثبت فعاليته في هايتي وتشيلي والشرق الأوسط

«يوشاهيدي» تتبنى نموذجاً جديداً لمواجهة الأزمات يعتمد على بيانات يرسلها متطوعون من الميدان («نيويورك تايمز»)
TT

هل يمكن أن تعثر تقنية «ويكي» على أسامة بن لادن؟ تخيل لو قام كل باكستاني بإرسال رسالة نصية دون ذكر الاسم إلى السلطات يقترح عليها مكانا تبحث فيه. يمكن حينها وضع كل مكان على خريطة، وقد تتفرق النقاط على نطاق واسع، ويتعذر التمييز بين الجد والهزل. ولكن يوما ما، قد تشير زيادة في عدد النقاط إلى قرية ما بعينها، فيما لا يمكن أن يمثل مصادفة. وحينها يمكن إصدار أوامر لقوات الأمن كي تدخل.

يتغير العالم بسبب تلك الطريقة التي يتم من خلالها عمل خرائط اعتمادا على معلومات يدلي بها أشخاص من مختلف أنحاء العالم، وتدخل ثورة «ويكيبيديا» إلى نشاط عمال الإغاثة ومهمات الجنود الذين يهبطون باستخدام المظلات داخل مناطق بها مقدار قليل من المعلومات الجيدة. وتوجد قوة هامة تقف وراء هذا التحول وهي منظمة صغيرة بدأت عملها داخل كينيا تدعى «يوشاهيدي» (وهي كلمة سواحيلية تعني «شهادة»)، وقد أصبحت تلك المنظمة الكيان البارز خلال الزلزالين اللذين ضربا هايتي وتشيلي، قد يكون لديها شيء أكبر تُطلِعنا عليه يتعلق بمستقبل العمل الإنساني والإبداع وطبيعة ما نقول إنه حقيقة.

بعد الانتخابات المتنازَع عليها داخل كينيا عام 2007، اندلعت أعمال عنف. حينها، كانت المحامية الكينية والمدونة أوري أوكولوه تقيم في جنوب أفريقيا لكنها ذهبت إلى كينيا للإدلاء بصوتها والإشراف على الانتخابات. ووصلتها تهديدات تتعلق بعملها ولذا عادت إلى جنوب أفريقيا. ونشرت على الإنترنت فكرة عن رسم خرائط على الإنترنت لمساعدة الناس على إرسال تقارير عن أعمال العنف وغيرها من التصرفات السيئة دون ذكر أسمائهم. ورأى أشخاص بارعون في مجال التقنية رسالتها تلك وأسسوا موقع «يوشاهيدي» الإلكتروني. قام الموقع بجمع تقارير باستخدام الهواتف الجوالة حول أعمال الشغب واللاجئين العالقين وعمليات القتل والاغتصاب، ووضعت على خريطة باستخدام المواقع التي ذكرها الأشخاص. وتمكن الموقع من جمع عدد من الشهادات بسرعة أكثر من أي مراسل أو مراقب انتخابي. وعندما وقع زلزال هايتي، مضت منظمة «يوشاهيدي» إلى ميدان العمل مجددا. وأعلن عبر الإذاعة عن استقبال رسائل الطوارئ. ووصلت إلى الموقع الآلاف من الرسائل عن ضحايا محاصرين. وقام بترجمتها فريق كبير من الأميركيين الهايتيين داخل الولايات المتحدة وتم وضعها على «خريطة أزمة». ومن غرفة عمليات داخل مدرسة «فلتشر للقانون والدبلوماسية» في ميدفورد، خارج بوسطن، تواصل متطوعو «يوشاهيدي» مع حرس السواحل الأميركيين داخل هايتي وأخبروهم أين يبحثوا. وعندما وقع زلزال تشيلي، مضت «يوشاهيدي» إلى ميدان العمل مجددا.

يمكن أن يقع الكثير من الأخطاء خلال القيام بهذا الجهد، حيث يمكن أن يكذب بعض الأفراد، أو يخطئوا في العنوان، ويبالغوا في مواقفهم. ولكن، خلال عملية تجميع البيانات، تساعد خرائط الأزمة على الكشف عن أشياء مستترة: ما المساحة داخل البر التي يكون الإعصار فيها مميتا؟ وهل تنتشر عمليات الاغتصاب على نطاق واسع أم تتركز بالقرب من مواقع عسكرية؟

تظهر «يوشاهيدي» نموذجا جديدا من العمل الإنساني، فمن خلال النموذج القديم كان الصحافيون الأجانب وعمال الإغاثة يسافرون ويوردون تقارير حول الكارثة ويوزعون المساعدات على ضوء البيانات التي لديهم. ولكن من خلال النموذج الجديد يقوم الضحايا بتقديم بيانات واقعية، ويترجم متطوعون كثر من مختلف أنحاء العالم رسائل نصّية، ويساعدون على تنظيم عملية الإغاثة، ويقوم الصحافيون وعمال الإغاثة باستخدام البيانات للتعامل مع الوضع. تمثل «يوشاهيدي» جبهة جديدة للإبداع. وقد كان «وادي السيلكون» النموذج المسيطر للإبداع، على ضوء الجامعات والممولين والمعلمين والمهاجرين وبراءات الاختراع الخاصة به. وتأتي «يوشاهيدي» من عالم آخر، المبادرة فيه ثمرة الكد والتعب، ويركز المبدعون داخله على بذل المزيد باستخدام مقدار قليل بدلا من بيع شيء جديد متطور. لم يسعَ أحد للحصول على براءة اختراع خاصة بـ«يوشاهيدي» أو احتكارها، لأنها ظهرت خلال أزمة. وجعلت «يوشاهيدي» مشروعها يعمل من خلال الهواتف الجوالة لأن كينيا فقيرة ويصعب على الكثيرين الوصول إلى أجهزة كومبيوتر. وتستخدم «يوشاهيدي» برنامجا مفتوح المصدر، ولذا كانت حرة في السماح للآخرين باستخدام وسيلتها في مشروعات جديدة، ويرجع ذلك إلى أن «يوشاهيدي» ليس لديها كيان يدعمها. استخدمت وسيلة «يوشاهيدي» داخل الهند من أجل مراقبة الانتخابات، وداخل أفريقيا من أجل تحديد أوجه النقص في الأدوية، وداخل منطقة الشرق الأوسط لجمع تقارير من أعمال العنف وقت الحرب، وداخل واشنطن دي سي حيث عقدت «واشنطن بوست» شراكة من أجل رسم خريطة للطرق المغلقة وأماكن الثلوج.

تخيل ذلك، عاصمة الدولة العظمى الوحيدة تغمرها الثلوج. ولكن إلى مَن تتجه صحيفتها المحلية للمساعدة على إزالة الثلوج؟ تتجه إلى كينيا. ومع كل تطبيق جديد، تقوم «يوشاهيدي» بتحويل فكرة الشاهدة على مأساة. ولوقت طويل، كان يقوم الصحافيون بذلك أولا، وتبعهم الضحايا/ الكتاب مثل آني فرانك، وفي النهاية المؤرخون. ولكن، في هذا العصر الفوري، يواجه هذا النوع من الشهادات نوع أكثر سرعة: نوع يرتبط بالحقائق الجيدة بمقدار كافٍ. ويقول باتريك ميير، وهو طالب يدير عملية رسم خرائط الأزمات داخل «يوشاهيدي»: «نتحرك إلى ما بعد فكرة أن المعلومة صحيحة أو زائفة تماما».

وعليه، ما الذي سيعنيه أن تكون لديك شهادة في المستقبل؟ يقولون إن التاريخ يكتبه المنتصرون. ولكن حاليا، قبل أن يفوز المنتصرون، توجد فرصة للحديث بصوت عالٍ من خلال رسالة نصية لن تختفي. ما الذي كنا سنعلمه حول ما وقع بين الأتراك والأرمن وبين الألمان واليهود لو كان أمام الجميع فرصة ليقول لجميع الأزمان: «أنا كنت هنا، وهذا ما حدث معي».

* خدمة «نيويورك تايمز»