المفكر المصري الدكتور فؤاد زكريا.. عاش ومات مناضلا من أجل «سلطة العقل»

انتقد في آخر حديث لـ «الشرق الأوسط» شيوع اللاعقلانية في التفكير العربي ووقف ضد صدام حسين في «عز جبروته»

TT

لم يكن المفكر المصري الدكتور فؤاد زكريا، مجرد أستاذ للفلسفة عاش ومات، فبقدر ما قضى فؤاد زكريا عمره (83 عاما) مهموما بقضية الحرية وإعمال العقل، بقي سؤاله الذي واجهنا به في شجاعة نادرة: لماذا تخلفنا؟ معلَّقا في أعناقنا، وإما أن نتخذ إجابته عن السؤال طريقا لنا، بإعمال سلطة العقل في شؤون حياتنا، أو أن نبقى «ضيوفا على العالم».

الدكتور فؤاد زكريا، الذي وافته المنية يوم الخميس الماضي بعد صراع مع المرض، امتلك شجاعة سياسية نادرة في الثمانينات حين طالب العرب بعدم مساعدة صدام حسين، لأنه دكتاتور سيقود العراق حتما إلى خراب لا نهائي، وستؤدي تصرفاته إلى كوارث للأمة العربية، وحينذاك حسب البعض الدكتور فؤاد زكريا على الكويت، لأنه كان يعمل بجامعتها أستاذا للفلسفة.. لكن، لم تمض سنوات قليلة حتى دخل صدام بجحافل قواه غازيا الكويت ليعيد الأمة العربية مائة سنة إلى الوراء ويرهن تخلف الأمة باقيا عشرات السنوات الأخرى.

ولد الدكتور فؤاد زكريا في ديسمبر (كانون الأول) عام 1927 بمحافظة بورسعيد (شمال شرق مصر)، وتخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1949، ونال درجة الدكتوراه عام 1956 من جامعة عين شمس، التي ظل يعمل بها حتى سفره إلى جامعة الكويت عام 1974 حتى عام 1991، حيث كان إلى جوار عمله بقسم الفلسفة مستشارا لتحرير سلسلة (عالم المعرفة) الكويتية. وللراحل ترجمات ومؤلفات في النقد الثقافي والفلسفة منها (اسبينوزا) عام 1962، ونال عنه جائزة الدولة التشجيعية في مصر، و(نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان)، و(الإنسان والحضارة)، و(التعبير الموسيقي)، و(مشكلات الفكر والثقافة)، و(التفكير العلمي)، و(خطاب إلى العقل العربي)، و(الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة)، و(الصحوة الإسلامية في ميزان العقل)، و(الثقافة العربية وأزمة الخليج)، الذي ناقش فيه مواقف بعض المثقفين العرب من دخول الجيش العراقي الكويت 1990 وتحرير البلاد على يد قوات قادتْها الولايات المتحدة عام 1991.

ونال زكريا جائزة الكويت للتقدم العلمي وجائزة العويس الإماراتية وجائزة الدولة التقديرية في مصر.

ويعد واحدا من أبرز المفكرين والفلاسفة في العالم العربي، وقد خاض مجالات عديدة كانت وما زالت أفكاره وآراؤه بمثابة الكشاف الذي يضيء الطريق للكثير من قرائه وتلاميذه. وفي آخر حديث له قبل وفاته بأسابيع قليلة خص به «الشرق الأوسط»، شدد الدكتور فؤاد زكريا على أن أهم مشكلة مزمنة يعانيها العقل العربي والثقافة العربية الآن.. هي مشكلة الحرية، مطالبا بترك كامل الحرية للكتّاب والمفكرين في أن يقولوا ما يعتقدونه وما يريدونه من دون قيود مفروضة عليهم من أي نوع ومن دون فرض تحريمات أو قيود عليهم في أهم الميادين التي يرتادونها أو المجالات المعرفية والفكرية التي يعالجونها ويدرسونها، وجميع المجالات المطروقة للدراسة والتفكير. وفسر زكريا مشكلة العقل العربي، قائلا: «إن التحليل الدقيق لمشكلة العقل العربي يؤكد استمرار أو سيادة نمط واحد محدد من أنماط التفكير أو شيوع التفكير اللاعقلاني وغياب المنطق وحضور الخرافة»، وأضاف: «كل هذا يؤدي في النهاية إلى تكريس وتثبيت الأوضاع الصعبة التي تعانيها الشعوب العربية. وبقاء هذه الأوضاع حتى الآن يعني أن التفكير العلمي السليم ما زال بعيدا عن التغلغل في أذهان الناس وحياتهم العامة على المستويات والطبقات كافة».

وأوضح زكريا أن «العقول لا تتغير من فراغ، فلا معنى لدعوة تغيير طرق التفكير عند الناس أولا، ثم بعد ذلك تغيير الظروف والأوضاع، لأن الدعوة بهذا الشكل دعوة معكوسة، فالعقول لا يعاد تشكيلها بقرار فوقي أو خطة طويلة المدى، العقول لا تبدأ التغير إلا بعد أن تتغير الأوضاع من حولها».. وتابع: «ما زال لدينا أناس يدافعون ويروجون للشعوذة والسحر والدجل إلى يومنا هذا، ومنهم من يؤمنون بهذا، وهم حاصلون على مستويات تعليمية عليا، وكل هذا نتيجة إحساس الإنسان بالعجز عن مواجهة أزماته ومشكلاته التي يواجهها».

ووفقا لما جاء في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الدكتور فؤاد زكريا يعتقد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، كانت لها علاقة بالإرهاب المباشر، وأكد أن محاولات الدفاع عن الإسلام وتقديم الصورة الصحيحة له في الغرب لم يكن لها نصيب كبير من النجاح، لأن كل الأعمال الإرهابية التي وقعت كانت تتقنع وتتحدث باسم الإسلام، وفي الوقت نفسه لم يحاول بعض المسؤولين ورجال الدين المسلمون القيام بما يتحتم عليهم القيام به من كشف وفضح زيف وادعاءات هذا الفريق من المسلمين، الذين يقومون بأعمال إرهابية باسم الإسلام.