أبو القنبلة النووية الباكستانية يكشف عن تفاصيل مساع إيرانية لشراء قنابل ذرية

خان أفاد في وثيقة بأن طهران تسلمت سرا رسوما وأجهزة لتخصيب اليورانيوم وأسماء موردين مقابل 10 مليارات دولار

TT

كتب أبو البرنامج النووي الباكستاني، عبد القادر خان روايته الرسمية التي يشرح فيها التفاصيل المتعلقة بالمساعي الإيرانية لشراء قنابل ذرية من باكستان في نهاية الثمانينات.

فيقول خبير القنابل خان في الوثائق التي تمكنت «واشنطن بوست» من الحصول عليها، إن باكستان لم تعط إيران سلاحا نوويا، ولكنها أعطتها رسوما تتعلق بتصنيع القنابل النووية وأجزاء من أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم بالإضافة إلى القائمة الدولية السرية للموردين. يذكر أن أجهزة الطرد المركزي الإيرانية تعتمد إلى حد كبير على نماذج وتصميمات حصلت عليها من باكستان.

وتثير اعترافات خان التساؤلات حول المزاعم الإيرانية الدائمة بأنها لم تسْعَ من قبل للحصول على أسلحة نووية. فقد قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال الشهر الماضي: «نحن لن نفعل ذلك لأننا لا نؤمن بامتلاكها».

كما تتعارض تلك الاعترافات مع تأكيد الحكومة الباكستانية بأن خان كان ينشر المعلومات النووية من دون موافقة الحكومة.

ولم تكن باكستان قد أفصحت قبل ذلك عن روايات خان المدونة. كما أغفل ملخص الاستجوابات التي قامت بها الاستخبارات الباكستانية مع خان وأربعة آخرين في عام 2004 وقدمته لاحقا للولايات المتحدة الأميركية والمسؤولين بالاستخبارات، ذكر أي مساعٍ لشراء قنبلة نووية ولكن أحد كبار المسؤولين الباكستانيين في الجيش كان قد أشار إلى ذلك عام 2006.

وفي اللقاءات التي أجريت معهم، أنكر اثنان من كبار المسؤولين العسكريين الذين قال خان إنهم كانوا مشاركين في المفاوضات مع إيران أنهم تفاوضوا على بيع سلاح نووي مكتمل. من جهة أخرى، رفض المتحدث الرسمي باسم المبعوث الإيراني لدى الأمم المتحدة أو السفارة الباكستانية في واشنطن التعليق على الموضوع.

على أية حال، قال أحد كبار المسؤولين الباكستانيين الحكوميين في ذلك الوقت إن علي شامخاني، وهو المسؤول العسكري البارز الذي ذكره خان، قد جاء إلى إسلام آباد بباكستان لطلب المساعدة بشأن الأسلحة النووية. وأضاف المسؤول السابق إن خان، بمعرفة كبار المسؤولين، قدم عددا من المساعدات السرية.

من جهته، قال روبرت أوكلي، السفير الأميركي السابق لدى باكستان في ذلك الوقت، في مقابلة أجريت معه، إنه يعتقد أن أحد المسؤولين الباكستانيين العسكريين الكبار قد حث خان على مساعدة لإيران، مقرا بمساعدته لها في ما يتعلق بالقنابل.

يعد خان شخصية مثيرة للجدل، كما كان يعرب دائما عن شكواه من القيود الدائمة التي تفرضها الحكومة الباكستانية على تحركاته، التي توحي بأنها تحاول التأكد من أنه لن يعقد أي صفقات نووية. وبناء على ذلك، فقد كان خان توّاقا لأن يصور الآخرين باعتبارهم أكثر تورطا منه في تلك الصفقات، وفقا لعدد من الخبراء الأميركيين.

ويعتقد معظم المراقبين حاليا أن عمل خان مع إيران كان يخضع لإدارة «عناصر بارزة في الجيش الباكستاني إن لم يكن لإدارة زعمائها السياسيين»، وذلك وفقا لليونارد سبيكتور، مدير «مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي». ويضيف: «من الواضح أن خان كان يحاول الدفاع عن سمعته، ولكن القضية ما زالت غامضة للحد الذي يجعلك لا تستطيع الجزم بمتى يقول الحقيقة ومتى يبالغ».

ويقول خان في روايته التي جاءت في 11 صفحة، التي دونها عام 2004 خلال فترة بقائه رهن الإقامة الجبرية بالمنزل: «لم أكن أومن جديا في أي وقت من الأوقات بقدرة (الإيرانيين) على امتلاك تلك التكنولوجيا». ولكن المسؤولين في الاستخبارات الغربية يقولون إن مساعدته كانت ذات مغزى وإنها تعود إلى صفقة عقدت عام 1987.

وعلى الرغم من أن باكستان لم تفصح سوى عن القليل من المعلومات حول تلك الصفقة، فإن إيران أخبرت المفتشين الدوليين لاحقا أن هناك «شبكة» باكستانية قدمت لهم في عام 1987 مجموعة من المواصفات المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي والمعدات الأخرى، بالإضافة إلى وثيقة تفصل كيف يمكن إعادة تشكيل اليورانيوم المخصب لاستخدامه في تصنيع قنبلة.

وفي إطار مساعيها لتبرير ذلك التعاون، قالت الاستخبارات الباكستانية: «نظرا للتقارب الديني والآيديولوجي، فإن لباكستان ميلا كبيرا نحو إيران». ولكن خان أكد أن إيران وعدت بتقديم المساعدات المالية.

فقد كتب خان: «لقد كانت الصفقة التي قدمتها إيران تعادل 10 مليارات دولار». وقد تشارك الصحافي البريطاني سيمون هندرسون الذي يعمل حاليا كزميل في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، رواية خان والوثائق المتعلقة بالموضوع مع «واشنطن بوست». ولم تكن «واشنطن بوست» على اتصال مباشر مع خان ولكنها تمكنت على نحو مستقل من التأكد من أنه كتب تلك الوثائق بنفسه.

ووفقا لملخص الاستخبارات، فإن الجنرال ميراز إسلام بيغ، رئيس أركان الجيش السابق، الذي كان يعد من أكثر الشخصيات الباكستانية نفوذا «كان يفضل التعاون مع إيران في المجال النووي في مقابل مساعدات مالية توجه لميزانية الدفاع الباكستاني».

وتشير التعليقات التي كتبها خان لهندرسون إلى أنه بعد وصول شامخاني إلى إسلام آباد على طائرة حكومية أخبر رئيس هيئة الأركان المشتركة أنه جاء «للحصول على القنابل النووية المتفق عليها».

وعندما عرض الأدميرال افتخار أحمد سيروهي أن يناقش التفاصيل الأخرى أولا ثم «يرى بعد ذلك كيف يمكن لباكستان أن تساعد الإيرانيين في برنامجهم النووي»، ثار غضب شامخاني، وفقا لخان. وقد ذكر سيروهي أن «الجنرال ضياء الحق، الرئيس الباكستاني حتى عام 1988، ثم الجنرال بيغ، قد وعدا بالمساعدة وتقديم السلاح النووي، وأنه جاء للحصول عليه».

وقد كان ذلك النوع من نقل السلاح النووي ممكنا على المستوى النظري. فعلى الرغم من أن باكستان لم تتمكن من تجميع أجزاء القنبلة الذرية قبل عام 1998، فإن الاستخبارات الأميركية تؤكد أنها كانت قادرة على ذلك منذ عام 1986.

وكان شامخاني، القائد المؤسس للحرس الثوري الإيراني، من النشطاء الدائمين في برنامج إيران النووي، وفقا للمسؤولين الأميركيين. وهو يدير حاليا أحد مراكز الأبحاث في طهران بعدما كان وزيرا للدفاع لفترة طويلة ومرشحا للانتخابات الرئاسية في عام 2001.

من جهته، يقول خان إنه بعدما سمع بطلب شامخاني بالحصول على ثلاثة من الأسلحة المكتملة، أبدى سيروهي اعتراضه وأيده في ذلك الوزراء الآخرون ولكن بيغ ضغط على رئيسة الوزراء في ذلك الوقت، بي نظير بوتو، ومساعدها العسكري لكي يفيا بوعد بيغ.

وتحت وطأة الضغوط، طلب المساعد العسكري من خان «إحضار عناصر الأجهزة القديمة (بي - 1) ووضعها في صناديق مع مجموعتين من الرسوم» وهو ما تم تمريره إلى إيران عبر وسيط، وفقا لما قاله. «بي - 1» هو الاسم الذي يطلق على نموذج أجهزة الطرد المركزي المستخدم في باكستان.

وعندما طلبنا منه التعليق، قال سيروهي إنه لا يتذكر ذلك الاجتماع وإنه لم يسمع «حتى من قبل عن اتفاقية لبيع سلاح نووي لإيران».

وفي حوار أجري معه، أنكر بيغ مقايضة الأسلحة النووية بالمال. حيث قال إنه عندما سألني المبعوث الإيراني حول التكنولوجيا النووية في عام 1988، نصحته بمناقشة الأمر مع بي نظير بوتو.

من جهة أخرى، أورد مقال لـ«أسوشييتد برس» في عام 2006 ذكريات بيغ حول زيارة المفوض الإيراني في 1990: «فقد سألونا: هل يمكننا الحصول على قنبلة؟ وكانت إجابتي: يمكنكم بالطبع الحصول عليها ولكن عليكم تصنيعها بأنفسكم». ولكن في برنامج تلفزيوني في يونيو (حزيران) قال بيغ إنه كان يطالب دائما بنقل الأسلحة النووية إلى إيران.

ولكن المسؤول الباكستاني السابق قال: «لقد كان شامخاني يعتقد أنه قد عقد اتفاقية بالفعل عندما جاء إلى باكستان». ووفقا للمسؤول السابق، فإن عددا من كبار المسؤولين كانوا يدركون أن بيغ قد أخبر الإيرانيين: «أنتم لديكم المال ونحن لدينا التكنولوجيا. فقد كان بيغ يرى ذلك باعتباره صفقة متوازنة، وطريقة ملائمة لمعالجة مشكلات ميزانية الجيش الدائمة».

يقول المسؤولون في الاستخبارات الأميركية إن أجهزة الطرد المركزي «بي - 2» غير المجمعة التي صدرها خان في البداية إلى إيران قد أحبطت نظراءه الإيرانيين، حيث إن إيران قد تلقت عرضا في عام 2003 بالحصول على بعض الأجزاء الجديدة من «شبكة الإمدادات»، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي روايته، قال خان إن الاتصال المباشر التالي مع المسؤولين الإيرانيين كان في اجتماع عقد عام 1994 أو 1995 عندما اشتكى بعض العلماء الإيرانيين من عدم حدوث تقدم.

وقال خان في ملاحظة لهندرسون إنه وافق بالتبعية على إرسال بعض أجزاء أجهزة الطرد المركزي إلى إيران. وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران أقرت بأن شبكة خان قد زودتها في عام 1996 بتصميم أكثر تطورا لجهاز طرد مركزي يعرف باسم «بي 2» كانت باكستان قد أنشأته.

وقد ذكرت الشرطة الماليزية عام 2004 - بناء على استجوابات مساعد خان - أن تلك الأجزاء تم شحنها على متن سفينة إيرانية بعدما مرت من دبي، وفي المقابل حصل المساعدون على 3 ملايين دولار.

وتختلف تقارير الاستخبارات الباكستانية عن ذلك قليلا؛ حيث ذكرت أن إيران قد دفعت 5 ملايين دولار مقابل رسوم المعدات المستخدمة في تخصيب اليورانيوم. وقد تم إيداع بعض ذلك المال في حساب ببنك دبي، يسيطر عليه خان واثنان من مساعديه تحت اسم «حيدر زمان»، وفقا للتقرير. وقد استخدم خان ذلك الاسم في جواز سفر أصدرته الحكومة لإخفاء بعض السفريات الخارجية. وقد أخبر خان هندرسون أن تلك الأموال ذهبت للمساعدين وأنه لم يحصل على أي منها وهو ما استبعده بعض المسؤولين الأميركيين. كما قال خان في ملاحظة مستقلة إنه قدم «أسماء وعناوين الموردين» إلى الإيرانيين. وقد قال المسؤولون الغربيون إن مثل ذلك التصرف ربما يكون قد سمح لطهران بالوصول إلى الشركات التي تمتلك رسوم أجزاء القنابل الذرية وإلى مكونات أجهزة الطرد المركزي «بي - 2» التي تستخدمها باكستان. وقد تعهدت إيران خلال الشهر الماضي بتثبيت أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي تطلق عليها «IR - 2s» في موقعين خلال العام الحالي.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»