سورية: مدرسة سلمية الزراعية تحتفل بمرور 100 سنة على تأسيسها

الأولى من نوعها في بلاد الشام.. ودرس فيها أديب الشيشكلي ومحمد الماغوط

جانب من المباني القديمة للمدرسة الزراعية في سلمية
TT

عام 1910 أسست مدرسة سلمية الزراعية، بوسط سورية، لتكون أول ثانوية فنية زراعية في بلاد الشام. وعلى مدى قرن كامل تمكنت المدرسة من الاستمرار في مجموعة من المباني التعليمية التي شيدت مع انطلاق المدرسة، قبل أن يجري توسيع حرمها بعدد من المباني الجديدة خلال الربع الأخير من القرن العشرين.

الجهات السورية المعنية تتأهب حاليا لإطلاق احتفالات المئوية الأولى للمدرسة، ومن المتوقع أن تنظم على امتداد ثلاثة أيام خلال شهر يوليو (تموز) المقبل. وكان محافظ حماة، التي تتبعها سلمية إداريا، قد شكل لجنة لتنظيم الاحتفالات وما ستتضمنه من فعاليات تليق بتاريخ المدرسة وخصوصيتها وعراقتها، برئاسة المهندس همام الدبيات، مسؤول قطاع الثقافة في مجلس محافظة حماة، وعضوية عدد من المعنيين من مديري السياحة والثقافة والزراعة والإعلام في المحافظة. وحول الخطوط الأولية للاحتفالات، تحدث الدبيات لـ«الشرق الأوسط» شارحا: «ستشهد الاحتفالات التي ستقام في المدرسة عرض فيلم وثائقي عنها وتوزيع بروشورات تعرف بها وبتاريخها، بجانب إقامة معارض تتعلق بالأمور الزراعية والتعليم الزراعي ومعارض علمية وندوات علمية وتربوية. كما سيصار إلى تكريم عدد من الخريجين والطلبة القدامى الذين درسوا في المدرسة وتخرجوا فيها، ومنهم من أكمل دراساته الجامعية والأكاديمية وحصل على شهادات عليا في الهندسية والعلوم الزراعية».

في الواقع، لتأسيس مدرسة سلمية الزراعية قبل مائة سنة قصة لا تخلو من طرافة. ولقد شكل تأسيسها حدثا علميا مهما في ذلك العصر، عندما كان العهد العثماني في بلاد الشام يعيش سنواته الأخيرة. وتميزت المدرسة بخصوصية معمارية وتاريخية لافتة، لأنها بنيت على الطراز الأوروبي، وبشكل جميل. وضمت كثيرا من المباني التي أضحت كلاسيكية الطابع وسط مساحات واسعة تحوطها غابات الصنوبر والسرو الضخمة، وأنشئت فيها الحدائق والمسطحات الخضراء. كذلك كانت هذه المدرسة أول منشأة زراعية تعليمية وعلمية سورية تؤسس فيها حديقة للحيوان والطيور، وقد اشتهرت بطواويسها الكثيرة ووجود البط والإوز ودجاج الفرعون والدجاج الرومي (ديك الحبش) والأرانب وغيرها.

منطقة سلمية، التابعة لمحافظة حماة، اشتهرت حتى منتصف القرن الماضي بأنها من أفضل المناطق الزراعية وأهمها في سورية وأغناها بالمياه الجوفية، قبل أن تحل بها لعنة الجفاف بسبب الاستثمار الجائر للمياه في منتصف خمسينيات القرن العشرين. وحول حكاية تأسيس المدرسة فيها يروي المؤرخون أنه في عام 1908 جمع أهالي سلمية ومزارعوها النشيطون بعض الأموال لتأسيس مشروع جماعي تعاوني. وعندما سمع والي حماة العثماني بحملة جمع الأموال بادر إلى مصادرتها وأعلم الباب العالي في إسطنبول بأمرها. غير أن الباب العالي (أي الحكومة العثمانية) طلبت منه مفاوضة الأهالي بشأنها، وبالفعل، اجتمع الوالي مع وجهاء المنطقة ووافق على مقترحهم بتأسيس مدرسة ثانوية زراعية تخرج الفنيين لمساعدتهم في عملهم الزراعي. وفي العام نفسه، كلف عدد من المهندسين والمعماريين بالمباشرة ببناء المدرسة، واستؤجر مبنى مؤقت وسط البلدة درس فيه الطلاب إلى حين اكتمال الأبنية. ولقد أنجز بناء الأبنية عام 1910، وبذا أبصرت النور أول مدرسة زراعية تؤسس في المشرق العربي والثانية من نوعها في العالم العربي بعدما كان قد أسست مدرسة زراعية قبلها في مصر.

وبعد انطلاق مدرسة سلمية في رحلتها التعليمية، تحولت إلى مَعلم أكاديمي، واستقطبت الطلاب من مختلف بلدان المشرق العربي، ودرس فيها منذ تأسيسها المئات من أبناء لبنان وفلسطين والأردن. كذلك استقبلت طلبة مبتعثين من قبل حكومات بلدانهم من دول أفريقية وآسيوية. وحظيت المدرسة بشهرة أكبر من خلال عدد من الشخصيات السياسية والأدبية التي درست فيها، وفي مقدمتهم الرئيس السوري الراحل الأسبق أديب الشيشكلي الذي تخرج فيها في أربعينيات القرن المنصرم قبل أن يصبح ضابطا في ما بعد، ومن ثم يقود انقلابا عسكريا في عام 1954 تولى على أثره الحكم. أيضا من مشاهير خريجيها وطلبتها القدامى الأديب والشاعر الكبير محمد الماغوط، الذي توفي قبل خمس سنوات، وقد درس في هذه المدرسة. كذلك درس فيها الكاتب السوري أحمد الجندي الذي اشتهر بكتاباته الساخرة وتخرج فيها في أواخر عشرينيات القرن المنصرم. ثم هناك السياسي والوزير السوري الأسبق المهندس أحمد قبلان والدكتور أحمد مرعي وهو باحث أكاديمي وعلمي معروف.

مما ساعد في شهرة المدرسة منذ انطلاقتها أنها كانت مدرسة داخلية تقدم لطلابها المنامة والطعام وكل مستلزماتهم. كذلك ساهم تولي الباحث السوري المعروف أحمد وصفي زكريا إدارتها منذ تأسيسها حتى عام 1915 على اكتسابها شهرة إضافية في المنطقة، إذ كان زكريا أحد أعلام سورية المعروفين، وله كثير من المؤلفات التاريخية والتوثيقية المهمة، منها «عشائر الشام» و«جولة أثرية في بعض البلاد الشامية» وغيرهما من المؤلفات.

مباني المدرسة، تميزت باتساعها وتنسيقها المعماري الجميل، خاصة في مبانيها القديمة، حيث تتصدر هذه المباني المدرسة في الداخل، وتقسم إلى جناحين متساويين على اليمين واليسار، يضمان مجموعة من الغرف التي كانت عبارة عن صفوف مدرسية ومهاجع لمنامة الطلاب وغرف للإدارة والمدرسين. وهي مبنية بالحجر البازلتي القديم ومسقوفة بالآجر القرميدي الأحمر، مما يعطيها منظرا جميلا وسط المسطحات الخضراء.

وبجانب هذه المباني أنشئت مباني أخرى قديمة أيضا خصصت كمخابر (مختبرات) لتعليم الطلاب ومطعم للطلاب الدارسين فيها، وإصطبلات للحيوانات. واللافت أيضا هنا وجود مبنى كبير يجاور المباني السابقة، وشيد معها، هو عبارة عن مسرح ملحق بالمدرسة بني من الخشب والقرميد ويتسع لأكثر من 500 متفرج، وقد بني ليقدم طلبة المدرسة نشاطاتهم الفنية عليه، لكنه استقبل أيضا عروضا فنية وأنشطة ثقافية من خارج المدرسة والمنطقة، ويعتبر من أوائل المسارح في المنطقة الوسطى في سورية.

أيضا ضمت المدرسة، منذ إنشائها، مكتبة ضمت كتبا قديمة ونادرة وصل عددها إلى 3000 كتاب، منها ما يعود تاريخ طباعته لعام 1884م. كما ضمت مخابر المدرسة وسائل تعليمية تحولت إلى نماذج تراثية منها ما يعود تاريخه لعام 1851، ومعها نماذج نباتية محنطة يعود تاريخ حفظها لعام 1902، وخرائط جغرافية ونماذج بلاستيكية لمقاطع نباتية قديمة ونماذج لمحركات زراعية كالجرارات وناثرات السماد والبذارات وغيرها، وهي قديمة جدا.