2020 سيشهد استقرار الطلب على النفط

تراجع العلاقة بين التنمية واستهلاك الطاقة 2% في العقد المنصرم

تتجه الدول المتقدمة نحو استخدام كمية أقل من النفط لتوليد الطاقة
TT

ربما يحقق العالم في المستقبل القريب أمنية طالما حلمت بها الحكومات وواضعو السياسات، وهي نمو اقتصادي أعلى باستهلاك أقل للنفط.

فقد أدت زيادة الكفاءة في الاستخدام وترشيد الاستهلاك واستخدام البدائل إلى نقصان مطرد في كمية النفط المطلوبة لزيادة إنتاج السلع والخدمات حول العالم. ففي البلدان الغنية الصناعية بالغرب بدا بالفعل أن الطلب على النفط بلغ ذروته، فيما تتجه الاقتصادات النامية نحو استغلال أقل زيادة ممكنة في النفط المستهلك لكل وحدة إضافية في النمو الاقتصادي.

وانخفض الاحتياج العالمي للنفط الذي يمثل النمو في الطلب مقسوما على النمو الاقتصادي بنسبة 2% سنويا على مدار السنوات العشر الماضية، بل وتتسارع وتيرة الانخفاض حاليا مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والتحرك نحو مصادر بديلة للطاقة وإجراءات الحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. إلا أن وكالة «رويترز» للأنباء أوضحت أن ذلك لا يعني أن الاستهلاك المطلق للنفط في تراجع، وذلك لأن النمو السكاني وتزايد الثروة في بعض من مناطق العالم الفقيرة سيدفع نحو صعود استهلاك النفط لبعض الوقت.

ولكنها تعني أن اعتماد العالم على النفط سيصل إلى الذروة تدريجيا ثم يبدأ في التراجع، ومن ثم فإن الوصول إلى «نمو بنفط أقل» قد لا يكون أمرا بعيد المنال.

ويقول إدواردو لوبيز، المحلل في مجال الطلب على النفط بوكالة الطاقة الدولية في باريس، والذي يقدم استشارات للبلدان الصناعية «إن معدل التراجع في الاحتياج للنفط سيتسارع». وأضاف «هناك تغير هيكلي - يصعب قياسه حقيقة لكنه واضح - مفاده أن الطلب على وقود الاحتراق لم يعد كما كان». ويقول ديفيد فايفي، رئيس وحدة صناعة وأسواق النفط في الوكالة، إن إجراءات ضبط الأسعار والدعم وكذا حزم الحوافز في الصين وغيرها ستسهم في ارتفاع الطلب على النفط في المدى القصير، بيد أنه على الأمد البعيد فإن الاتجاه سيكون نزوليا.

وقال فايفي «بالتعميم على العالم فإن الاحتياج للنفط تراجع بنسبة 2% سنويا على مدار العقد المنصرم». وأضاف «افتراضنا العملي هو أنه مع تبني معايير للاقتصاد في استهلاك الطاقة وتنويع المصادر واللجوء إلى طاقات بديلة.. فإن الاحتياج للنفط يتراجع بنسبة دون 2.5% على مدى السنوات الخمس أو الست القادمة». ربما يكون الباعث وراء هذا التسارع جزئيا هو ارتفاع أسعار النفط، لا سيما أن سعر برميل الخام سجل رقما قياسيا قوامه 150 دولارا في عام 2008، ويقف الآن عند مستوى 80 دولارا، وهو سعر مرتفع نسبيا مقارنة بالماضي. وتتباين التقديرات حول موعد توقف مؤشر استهلاك النفط عن الصعود عالميا، بيد أن غالبية المحللين يتوقعونه خلال السنوات الخمس عشرة القادمة.

وقال الرئيس التنفيذي لـ«بريتش بتروليوم» توني هيوارد الشهر الماضي إن الطلب العالمي على الطاقة سيبلغ الذروة في وقت ما بعد عام 2020 ليستقر عند نحو 110 ملايين برميل يوميا، مقارنة مع مستوى الطلب الحالي البالغ 85 مليون برميل يوميا.

ووضح جليا لبعض الوقت الاتجاه نحو ترشيد استهلاك الوقود في السيارات وغيرها من المركبات، وليس بمفاجأة أن تتجه الدول المتقدمة نحو استخدام كم أقل من النفط لتوليد الطاقة.

بيد أن البيانات الصادرة عن الوكالة تظهر أن المناطق الأغنى في العالم ليست هي فقط التي تنفض عن نفسها تدريجيا عبء الاعتماد على النفط. وتشير بيانات الوكالة إلى أنه رغم أن الاحتياج للوقود في الدول المتقدمة الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بدا أقل بكثير من الدول غير الأعضاء بالمنظمة، فإن معدل التراجع في الطلب على النفط كان متشابها إلى حد كبير. وتتباين الأرقام لدى الهيئات الكبرى المعنية بمستقبل الطاقة، وهي وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة بالولايات المتحدة ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، فالمنظمات الثلاث تختلف في تقديراتها للطلب على النفط والنمو الاقتصادي والنسبة بينهما.

تقول الوكالة إن 1% من النمو الاقتصادي العالمي الآن يتطلب زيادة في النفط بنحو 0.47%، بينما تقول الإدارة إنه يتطلب 0.51%، وتقول أوبك إنه يحتاج نحو 0.31% فقط. وبحسب محللين، ربما تعكس التقديرات المتدنية لدى أوبك انحيازا في السياسة، حيث إن المنظمة التي تضم 12 بلدا منتجا للنفط تتبنى منهجا حذرا ومتحفظا تجاه الطلب على نفطها. ويبين تحليل لـ«دويتشه بنك» حول الاحتياج إلى النفط أنه على مدى السنوات الثلاثين الماضية كانت نسبة التغير المئوية السنوية في الطلب على النفط تعادل 90% من النمو الاقتصادي العالمي مخصوما منها نقطتان مئويتان. بيد أن الهيئات الثلاث سالفة الذكر تتوقع أن يتسارع معدل تراجع الاحتياج للنفط في العقد القادم.

ويمكن بسهولة قياس الاتجاه في أكثر بلدان العالم استهلاكا للنفط وهي الولايات المتحدة. تقول ماري نوفاك، مدير خدمات الطاقة في «غلوبال انسايت» التي تقدم تقديرات إدارة معلومات الطاقة الخاصة بنمو الطلب على النفط، إن الوظائف والدخل هما مؤشران رئيسيان. وتقول «إننا بنينا نموذجنا على الوظائف.. النفط وقود للنقل في الولايات المتحدة ولا يستخدم لأكثر من ذلك كثيرا». وفي الدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بما فيها الصين، يصعب التقدير بسبب عدم توافر بيانات الطاقة. بيد أنه بات واضحا أن الاحتياج للنفط يتراجع في كل مكان.

وقال مايك ويتنر، الرئيس العام لأبحاث النفط في بنك سوسيتيه جنرال «إن السوق تفرض آلياتها. الأسعار الباهظة التي شهدناها مؤخرا تدفع المستهلكين بعيدا عن النفط».