مسؤول خليجي: مفاوضات «التجارة الحرة» مع الأوروبيين لن تتقدم طالما يصرون على التدخل بالشؤون الداخلية

قال لـ «الشرق الأوسط» إن مسودة الاتفاقية المقترحة تمس سيادة دول التعاون

TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» مسؤول خليجي أن المفاوضات التي تجريها دول مجلس التعاون الخليجي مع الاتحاد الأوروبي لإنجاز اتفاقية تجارة حرة منذ 20 عاما، «لن تتقدم خطوة إلى الأمام»، طالما أن مسودة الاتفاقية التي يطرحها الجانب الأوروبي تتضمن بنودا تنتهك سيادة دول مجلس التعاون وتتدخل في الشؤون الداخلية.

وقال المسؤول، الذي تحدث مشترطا عدم ذكر هويته، إن المفاوضات لا تزال معلقة بسبب إصرار الطرف الأوروبي على تضمين الاتفاقية الاقتصادية، مادة تشير بوضوح إلى أنه في حالة حدوث مخالفات عن حقوق الإنسان في إحدى الدول الموقعة على الاتفاقية، فإنه يجوز لدولة أخرى أن ترفع القضية إلى مجلس الأمن، وهنا يضيف المسؤول الخليجي «هذا يعني أن يفتح الباب للدول الأوروبية بأن تتدخل بالشؤون الداخلية وبسيادة دول مجلس التعاون حتى في أصغر القضايا».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2008 أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي تعليق محادثاتها مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية للتجارة الحرة. وقال مسؤولو الأمانة العامة لدول المجلس حينها إن دول التعاون مستعدة لاستئناف المفاوضات حينما يبدي الجانب الأوروبي استعدادا لبحث جميع الزوايا.

ويطالب المسؤول الخليجي دول الاتحاد الأوروبي بالتدخل لحسم الموضوع المعلق منذ 20 عاما، مشيرا إلى أن دول المجلس التعاوني لا ترفض من حيث المبدأ اتفاقيات حقوق الإنسان التي هي بالأساس وافقت عليها في الاتفاقيات الدولية، «ولكن ذلك لا يعني أن نفتح الباب بأن يُسمح للدول الأوروبية بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس». ويعتقد المسؤول الخليجي أن المفاوضات من قبل الطرف الأوروبي «يغلب عليها تغليب السياسة على القضايا الاقتصادية».

ويعتقد الجانب الخليجي بأن الدول الأوروبية ليست في عجلة من أمرها للانتهاء من هذه الاتفاقية، لذا فهي غير منزعجة من التأخير اللافت في توقيع اتفاقية مضى عليها عقدان من الزمن. وترمي الاتفاقية إلى تطوير التجارة والاستثمار بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، وتتيح لدول الخليج تسهيل عملية تصدير منتجات البتروكيماويات إلى أوروبا التي تفرض حاليا ضرائب على واردات من منطقة الخليج.

وفي موضوع ذي صلة، دعا الدكتور محمد عبد الغفار، رئيس مجلس إدارة مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، إلى بناء شراكة أكبر بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي.

وقال في كلمة ألقاها أمام «الشراكة الأوروبية مع دول مجلس التعاون: الأمن الاستراتيجي والتحديات» الذي اختتم أول من أمس في برلين، إن أوروبا ومنطقة الخليج تربطهما علاقات تاريخية وتجارية وثقافية ضاربة في جذور التاريخ، كما أن علاقة العمل بينهما تعتبر ضرورية وحتمية في الوقت ذاته «واستطاع الجانبان إرساء تلك العلاقة القوية في مجالات عديدة لا سيما في مجال التعاون السياسي والبنية التحتية والأمن وغيرها من المسائل المهمة».

وأشار عبد الغفار إلى أن أوروبا لديها الكثير لتمنحه باعتبارها شريكا جوهريا لدول مجلس التعاون، «وبنفس السياق، فإن دول مجلس التعاون لديها الكثير لتمنحه لأوروبا».

ووفقا للدكتور محمد عبد الغفار فإن دول مجلس التعاون تشعر بسحب الأقدام في التوجه الأوروبي لتطوير شراكة أكثر عمقا مع دول المجلس، «ربما لأن هذه المسألة لا تحظى بأولوية مطلقة في العواصم الأوروبية»، مشيرا إلى أنه «مع مرور أكثر من 20 عاما من المفاوضات المستمرة، فإننا لم نستطع التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون. وأن المفاوضات لا تزال تشق طريقها بصعوبة».

وحذر الدكتور عبد الغفار من أنه في ظل تنامي مسيرة النمو التي تشهدها القارة الآسيوية ولاعتبارات تجارية واستراتيجية واقتصادية وديموغرافية فإن السيطرة الأوروبية قد يقل تأثيرها ونفوذها ما لم تبادر باتخاذ نهج استباقي في السعي لتعميق الروابط والعلاقات مع الشركاء الآخرين في سائر بقاع العالم، لا سيما في المناطق التي تنطوي على أهمية استراتيجية بالغة مثل منطقة الخليج العربي.

وأضاف أن الجانبين الخليجي والأوروبي يواجهان تحديات مشتركة تحتم تعزيز علاقاتهما الثنائية من بينها التحديات المتعلقة بتحقيق النمو الاقتصادي المنشود خلال مراحل متفاوتة من النمو والتطوير.

وقال عبد الغفار «بينما تواجه البلدان الأوروبية باقتصاداتها الكبيرة والناضجة مثل هذه المسائل الديموغرافية المقرونة بارتفاع تكاليف الرعاية الاجتماعية والصحية، فإن بلدان الخليج تشهد توسعا مطردا في مجتمعاتها وتواجه تحديات مرتبطة بتوفير فرص العمل للشباب والزيادة السكانية وتوفير التعليم الذي يفي باحتياجات المهارة المطلوبة في عالمنا اليوم».

وأشار إلى أن استكمال وتطبيق اتفاقية التجارة الحرة التي طال نقاشها بين أوروبا والخليج من شأنه تمكين كلا الجانبين من الاستفادة من أسواق الجانب الآخر وخلق فرص اقتصادية واعدة وفرص عمل في كلتا المنطقتين.