مدير الاستخبارات المركزية الأميركية: الهجمات السرية في باكستان أعاقت «القاعدة»

أول مدير في الـ«سي آي إيه» يتحدث عن تقدم في الحرب ضد الإرهاب

TT

قال ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، أمس، إن الهجمات القوية ضد تنظيم القاعدة داخل المناطق القبلية الباكستانية، دفعت أسامة بن لادن وكبار معاونيه إلى التخفي والهرب بصورة أكبر، وأعاقت قدرتهم على التخطيط لهجمات معقدة. وأردف بانيتا موضحا أن حالة الارتباك التي أصابت «القاعدة» بلغت حدا دفع أحد مسؤوليها، خلال رسالة جرى عرضها مؤخرا، إلى مناشدة بن لادن للقدوم لإنقاذ التنظيم وتوفير بعض القيادة. وأشاد مدير الوكالة بتحسن مستوى التنسيق مع الحكومة الباكستانية وما وصفه بـ«أقوى عملية شاركت فيها وكالة الاستخبارات المركزية طوال تاريخها»، ليقدم بذلك شبه اعتراف بحرب تغلفها السرية على الصعيد الرسمي.

وقال بانيتا: «تسبب هذه العمليات خللا خطيرا داخل (القاعدة). ومن الواضح تماما من جميع المعلومات الاستخباراتية التي نتلقاها أن التنظيم يمر بفترة عصيبة للغاية في محاولته تشكيل هيكل للقيادة والسيطرة، وبات يشق طريقه بصعوبة. كما أننا نجحنا بالفعل في دفعهم إلى الفرار والتخفي».

يعد بانيتا واحدا من عدة مسؤولين رفيعي المستوى أعلنوا أن الإدارة تحقق مكاسب في مواجهة المتطرفين، في إطار جهود ترمي في جزء منها إلى التصدي لانتقادات الجمهوريين للرئيس باراك أوباما باعتباره ألحق الضعف بالأمن الوطني. وبانيتا ليس أول مدير لوكالة الاستخبارات المركزية يشير إلى إحراز تقدم في الحرب ضد «القاعدة»، وهي ادعاءات يتضح في بعض الأحيان أنها مفرطة في التفاؤل. على سبيل المثال، في إطار مقابلة أجريت معه عام 2005، قال بوتر غوس، مدير الوكالة آنذاك: «لدي فكرة ممتازة حول مكان وجوده (يقصد بن لادن)».

وأعرب مسؤولون بارزون في إدارة أوباما هذا الأسبوع عن وجهات نظر شديدة التناقض حيال كيفية التعامل مع بن لادن حال سقوطه في يد الولايات المتحدة. فقال جنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأميركية وقوات «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) في أفغانستان، أمس، إن المؤسسة العسكرية ستحاول «قطعا» أسر بن لادن حيا و«تقديمه إلى العدالة». في اليوم السابق، قال إريك هولدر، وزير العدل (لجنة تابعة للكونغرس) إن بن لادن لن يمثل أبدا للمحاكمة داخل الولايات المتحدة لأن فرص إلقاء القبض عليه حيا «بالغة الضآلة». وتوقع أن يتعرض بن لادن للقتل - إما على يد القوات الأميركية أو من جانب عملاء لـ«القاعدة» عاقدين العزم على الحيلولة من دون سقوطه في الأسر.

وقال بانيتا إن وكالته لديها خطة حال سقوط أحد القيادات الكبرى لـ«القاعدة» في الأسر. وأضاف: «السيناريو الأكثر احتمالا أن يجري نقله إلى منشأة عسكرية، ثم نجري عملية الاستجواب هناك». بعد مرور 13 شهرا على توليه رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية، لم يعلن بانيتا توقعات محددة إزاء مصير الرجل الذي نجح في الفرار من حملة دولية تطارده على مدار تسع سنوات، لكنه أشار إلى أن الحملة الأميركية - الباكستانية المشتركة تلحق أضرارا فادحة بقيادات «القاعدة» التي تتساقط ما بين قتيل وأسير، وتقلص قدرة التنظيم على تنسيق هجمات خارج قاعدته الواقعة على امتداد الحدود الباكستانية - الأفغانية.

وفي محاولة لتوضيح التقدم الذي أحرز على هذا الصعيد، كشف مسؤولون استخباراتيون أميركيون النقاب عن تفاصيل جديدة عن عملية قتل أحد القيادات الكبرى في «القاعدة» في 8 مارس (آذار) داخل المعقل العسكري القوي للتنظيم في ميرام شاه، شمال وزيرستان داخل المناطق القبلية الباكستانية ذات الحكم الذاتي. كان مسؤول «القاعدة» قد لقي مصرعه في إطار ما وصفته تقارير إعلامية بهجوم صاروخي بطائرة من دون طيار. وتماشيا مع تقليد متبع منذ أمد بعيد، تحدث المسؤولون مشترطين عدم الإفصاح عن هويتهم لرفض وكالة الاستخبارات المركزية الاعتراف رسميا بمشاركة واشنطن في هجمات داخل الأراضي الباكستانية.

وأشار أحد المسؤولين الاستخباراتيين إلى حسين اليمني، الرجل الذي قتل في الهجوم، باعتباره من بين أكبر 20 قياديا في «القاعدة» وأحد من شاركوا في التخطيط للتفجير الانتحاري في 30 ديسمبر (كانون الأول) داخل قاعدة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في إقليم خوست، شرق أفغانستان. ويعد الهجوم، الذي تمكن خلاله عميل أردني مزدوج من الدخول إلى قاعدة تتبع الوكالة وقتل سبعة من الضباط والمقاولين، الأكثر دموية ضد الوكالة على مدار ربع قرن.

وجاءت تصريحات بانيتا المتفائلة متعارضة مع تقديرات استخباراتية صدرت مؤخرا حول استمرار تهديدات إرهابية ضد الأراضي الأميركية، إلا أن بانيتا أردف موضحا أن «القاعدة» ستمضي في محاولاتها للتوصل إلى سبل لشن هجمات داخل الولايات المتحدة، وأشار إلى أن التنظيم يسعى لتجنيد أفراد ليست لديهم سجلات جنائية أو صلات معروفة بجماعات إرهابية.

وأشار بانيتا إلى أن التنسيق بين وكالة الاستخبارات المركزية ونظرائها الباكستانيين تحسن على امتداد العام الماضي، على الرغم من «وقوع انقسامات، بناء على الماضي» من حين إلى آخر.

واستطرد قائلا: «بوجه عام، أصبحت علاقاتنا أفضل كثيرا. وأصبحنا نقوم بعمليات أكثر بكثير معا، وهكذا تمكنا من القبض على بارادار وآخرين.. لقد أصبحوا أكثر تساهلا حيال العمليات التي ننفذها هناك».

واعترف بانيتا بأن الوكالة لا تعلم على وجه التحديد مكان اختباء بن لادن ونائبه الأول، أيمن الظواهري، لكنه استطرد قائلا إن مسؤولي الوكالة يعتقدون أن الاثنين داخل باكستان «إما في المناطق القبلية الشمالية، أو شمال وزيرستان، أو بمنطقة ما في ذلك الجوار».

في الوقت الذي لا تتوافر معلومات مؤكدة عن مشاهدة أي من الرجلين منذ عام 2003، فإن الضغوط المستمرة زادت فرص إلقاء القبض على أحدهما أو كليهما، حسبما أوضح بانيتا. وأضاف: «اعتقدنا أن الضغوط المتزايدة ستثمر أمرا من اثنين: إما ستدفعهما إلى الخروج لمحاولة ممارسة بعض القيادة داخل تنظيم يمر بفترة حرجة، أو ستدفعهما لمزيد من التخفي والاختباء. حتى الآن، نعتقد أنهما عمدا إلى مزيد من الاختباء».

داخل مكتب بانيتا توجد خريطة ملونة للمناطق القبلية الباكستانية، وهي الخريطة الوحيدة المعلقة على الحائط ومزخرفة بصور من مشوار بانيتا المهني الطويل في واشنطن. وقال بانيتا: «يمكنكم الثقة في أن محادثة ستدور داخل هذا المكتب خلال اليوم تتضمن أمرا موجودا في هذه الخريطة».

* خدمة (واشنطن بوست) خاص بـ«الشرق الأوسط»