«بإذن ربنا عريسك عندنا».. لافتات لتسهيل الزواج تغزو شوارع القاهرة

البعض اعتبرها دليلا على أزمة مجتمع وآخرون يرونها أدوات للجريمة

إعلان عن الزواج في أحد شوارع القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

ما إن انطلقت المحامية ريم من محطة المترو متجهة إلى بيتها، بعد يوم عمل طويل وشاق، حتى وقعت عيناها على اللافتة «بإذن ربنا.. عريسك عندنا». حفظت ريم (26 عاما) الرقم، ورددته على نفسها، ثم كتبته على ظهر مفكرة تحتفظ بها في حقيبتها. بعد تغيير ملابسها بالمنزل، وترطيب وجهها بالماء البارد، كان الهاتف مرادها الأول. على الجانب الآخر من الخط كانت سكرتيرة مركز الزواج، تخبرها بالتفاصيل، الاستمارة ثمنها 50 جنيها، تدون فيها المؤهلات والسن، ثم يحدد ميعاد للتعارف، وإذا تم الأمر على خير يحتفظ المركز بعمولة قدرها 500 جنيه من العروس، ومثلها من العريس.

أكملت التجربة للنهاية، وكان نصيبها في المقابلة الأولى محمود، قال إنه رجل أعمال حاصل على بكالوريوس تجارة، عاد من الخارج بعد سنوات من الغربة ولا يجد طريقا للزواج من فتاة مناسبة.

شعرت ريم بالراحة نسبيا، لكن كانت المفاجأة عندما اكتشفت عن طريق الصدفة أن زوجها المنتظر حاصل على دبلوم تجارة، ولا يملك شيئا، بل كان متواطئا مع مسؤولي المركز مع آخرين لجذب الاشتراكات من العملاء، وكل فترة يقدم نفسه بشخصية مختلفة.

أغلق المكتب للأبد، كما أغلقت ريم هذا الطريق للزواج بالشمع الأحمر، خاصة مع تواتر الأنباء عن تورط مراكز شبيهة في قضايا اتجار بالبشر وتزويج قاصرات وتسفيرهن للخارج، وهي مخطوبة الآن لزميل لها في العمل وتعيش أياما سعيدة.

وعلى الجانب الرسمي تقول إحصاءات إن ما يقرب من 9 ملايين شاب وفتاة تأخروا عن سن الزواج في مصر، وتعدوا 35 عاما، وفي سبيل الهروب من شبح الوحدة والعنوسة، بدأوا في البحث عن شريك العمر بطرق غير تقليدية، منها إعلانات الصحف، ومواقع الإنترنت، ومؤخرا مراكز الزواج التي تعلن عن نشاطها في الشوارع كبديل للخاطبة التقليدية.

ريهام، وهي فتاة في الثامنة والعشرين من العمر، تعترف بأنها شعرت بالقلق بعد مرور ما يقرب من 4 سنوات على تخرجها في كلية الهندسة، دون أن تعمل، ووفق مجتمعها المحافظ في ريف الدلتا فإن مثل هذه السن تشكل العتبات الأولى لسلم العنوسة، خاصة مع تضاؤل فرص الخروج من المنزل، فقد أتمت دراستها وتبخرت أمامها فرص العمل تدريجيا وبقيت حبيسة الجدران الأربعة.

خلال تلك الفترة دخلت ريهام على مواقع كثيرة للزواج، دخلت باسم مستعار في الغالب خوفا من استغلالها. وتحدثت بالفعل مع شباب لفترات طويلة، لكنها تراجعت فجأة لأنها شعرت بأن ما تفعله خطأ. كما أنها أخفت اسمها وهويتها الحقيقية، موقنة بأن الآخرين قد يكونون فعلوا الشيء نفسه، وهذه أشياء بحسب تعبيرها لن تؤسس لحياة زوجية صحيحة.

تزوجت ريهام منذ عامين ونصف، من طبيب صديق لأخيها، وتشعر بالسعادة لأن الله وفقها لزوج صالح، لو كانت تضع مقاييس لاختياره كما كانت تفعل في على الشبكة العنكبوتية لما بلغت مواصفاته بحسب تعبيرها.

وعلى عكس ما سبق، يرى حسن (53 عاما) أنه يوافق على المبدأ، وإن اختلف قليلا مع الطريقة، فهو كأرمل وأب لثلاثة أولاد عانى كثيرا لثلاث سنوات بعد وفاة زوجته، لم يكن من السهل أن يلتقي بإنسانة في ظروفه نفسها. تزوج حسن منذ ثلاثة أشهر بمساعدة شقيقته التي عرفته على مدرسة مطلقة ولا تنجب، لكنه يعرف كثيرين تزوجوا عن طريق الصحافة، ومنهم صديق له ساعده كاتب صحافي في توفير قرينة له، كان مسؤولا عن باب البريد ويتلقى طلبات مماثلة. قابل زوجته في ناد اجتماعي في جلسة عائلية ثم كان التوفيق من الله.

ويقول الدكتور هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر «تلعب تلك الإعلانات على مشاعر التعطش للزواج، وتستجيب لها فتيات بمواصفات خاصة، كالتي تفتقد الأمل في الزواج للتأخر الشديد في السن، أو تلك التي لا تملك حظا من الجمال وتملك بنيانا هشا من الثقة بالنفس، وفي أغلب الأحيان تقع الفتاة تحت براثن عملية نصب أو استغلال قد يمتد إلى الجنس، وفي حالة صدق الإعلان غالبا لا يؤدي إلى علاقة سوية لأنه يتعامل مع المرأة أو الرجل كسلعة، ولا مكان هنا للمشاعر أو التوافق النفسي بين الطرفين».

ويرفض بحري الربط بين إعلانات الزواج في الشوارع ودور الخاطبة قديما، نافيا أن تكون تلك الإعلانات امتدادا عصريا لها، لأن الخاطبة غالبا ابنة للمنطقة التي يقطن فيها العريس والعروس، وتعرف ظروف كل العائلات ومن يتناسب مع الآخر، ومن هنا لا تختار عشوائيا، وإنما تضع مقاييس فطرية نابعة من خبرتها بالعائلة والشخص والظروف الاجتماعية والمادية، وتبقى الكلمة الأخيرة للشخصين بعد التعارف.

وبحسب بحري فإن إعلانات الشوارع مثلها مثل إعلانات الصحف تلعب على «زغللة» أعين العطشى للزواج، ولا تعبر عن تطور بقدر ما تعبر عن أزمة مجتمعية سببها تأخر سن الزواج وازدياد أعداد العزاب، بشكل بهت معه الحياء العام، وظهرت فئات مستغلة، نهمة للربح، حتى ولو كان باللعب على رغبة الناس في التعفف والستر.