بيير كاردان.. 60 عاما في المهنة

مصمم متطرف سابق لعصره.. قدم الملابس الجاهزة عام 1959 وطرد من الاتحاد الفرنسي للموضة

كان كاردان من بين أول المصممين الذين استلهموا أعمالهم من اليابان التي سافر إليها عام 1959 (أ.ب)
TT

انقضت ستون عاما على افتتاح بيير كاردان، مصمم الأزياء السابق لعصره، دار أزيائه الخاصة في باريس، ونصف قرن على عرضه تصميماته في اليابان بعد الحرب، وأكثر من عقدين من ريادته للموضة في الصين وبزوغه نجما ثقافيا، رافقته هذه الصحيفة في بكين عام 1993 عندما تلقى الثناء وباقات الورود.

غير أن تصميمات كاردان افتقرت إلى إرث سترات ماو والدراجات، واختصرت مسيرة التقدم التاريخي لحياته المهنية الطويلة. لكن أهم ما يشغل بال هذا المصمم البالغ من العمر 87 عاما: ماذا سيقدم لعالم الغد؟

وقال كاردان، وهو يوقع كتابه التذكاري في مطعم «مكسيم» الذي يمتلكه، والذي بات ماركة عالمية شهيرة: «عندما بدأت قبل 60 عاما، كانت الموضة التي أرسمها أمرا مستهجنا. اتهمني البعض بالجنون ولم يرغبوا في ارتداء ملابسي. كنت أرغب في ذلك الوقت في رسم شيء مستقبلي، كي أكون شابا وأرى المرأة متحررة. خلال فترة الستينات أردت أن تكون تصميماتي مناسبة للمرأة في العمل والمنزل وأثناء قيادة السيارة».

التصميم المعماري الجديد الذي بناه المهندس للتعبير عن التحرير الجسدي والذهني للمرأة برز في كتاب «بيير كاردان.. 60 عاما من الابتكار» الذي كتبه جين باسكال هيسي، الذي تعاون معه على مدة فترة زمنية طويلة ونشرته دار «أسويولين».

ملابس الستينات التي اتسمت بالقصات المربعة لمنح الجسد مساحة من الحرية والتي تشتمل على كل أنواع القصات المستديرة والأكمام التي تبدو أشبه بالقمر الصناعي الذي يدور حول الذراع، كانت رمزا لعصر الفضاء، بكل ما تحويه من المخلوقات الفضائية بخوذاتها والجيبات القصيرة والجوارب الملونة التي عبرت عن انفجار ثقافة شبابية جديدة.

كانت مجموعة «كوزموس» عام 1964 من السترات القصيرة والجوارب لكل من الرجال والنساء إعلانا واضحا عن ملابس موحدة لكلا الجنسين. كانت إيذانا بانطلاق موضة موحدة لكلا الجنسين سادت النصف الثاني من القرن العشرين.

هناك عدد من القطع المميزة: مثل الفساتين القصيرة، مجموعة «كارداني» لعام 1968 التي شهدت استخدامه المبكر لأقمشة التكنو ومعطف فينل المستدير للمطر عام 1969 أو حتى القبعة التي على شكل مظروف عام 1971. ربما كان الشيء الأكثر إثارة للدهشة في تصميماته عدم وجود زوايا حادة أو تعرجات منحنية. ذلك هو ما يجعل تصميمات كاردان لا تبدو اليوم وكأنها جزء من الماضي.

يعمد الكثير من المصممين اليوم إلى التمسك بأسلوب كاردان، فخلال أسبوع لندن للموضة لهذا الموسم سيطرت الفساتين ثلاثية الأبعاد ذات القصات الزاوية، جعلتهم بداية لحواري مع هذا المصمم في عروض عام 2010 في كلية سنترال سان مارتان للفن والتصميم.

قال كاردان: «أكن احتراما كبيرا للتصميمات الإنجليزية لأنها تمثل نوعا من الإثارة، وعندما تثار ينتج عن ذلك أمر ما». بيد أن تدريبه للموضة كان منحة دراسية تقليدية في دور الأزياء، حيث تعلم فنون التفصيل.

بعد طفولة قاسية، نظرا لهروب والديه من النظام الفاشي والاستقرار في فرنسا، تتلمذ بيير كاردان في عام 1924 على يد خياط ثم عمل بعد ذلك في دار باكوين ستشياباريلي وكريستيان ديور، ويتذكر البيئة الفنية التي عمل فيها مع مصمم الديكور كريستيان بيرارد لتصميم ملابس فيلم جان كوكتو الأسطوري «الجميلة والوحش» عام 1946.

لكن المصمم المتطرف لم يشعر بالارتياح داخل قيود قوقعة أزياء الطبقة الأرستقراطية. وأصاب عالم الموضة بالعار عندما قدم الملابس الجاهزة عام 1959 التي تسببت في طرده من «الاتحاد الفرنسي للموضة»، الهيئة الحاكمة لدور صناعة الأزياء.

منذ ذلك الحين، اعتبر كاردان خارجا عن المألوف وتعرض لانتقادات كبيرة لتصميمه أثاثا بدا وكأنه مأخوذ من سفينة فضاء. كما واجه انتقادات عنيفة لبنائه إمبراطورية من الخروج عن المألوف، بدءا من القمصان الرجالي وانتهاء بآنية الطهي، على الرغم من أنها أكسبته ثروة استثمرها في العقارات الفرنسية التقليدية من بينها قلعة ماركيز دي ساد في مقاطعة لوبيرون حيث تستضيف واحدا من الفعاليات الثقافية الكثيرة التي يقيمها كل عام. وقال كاردان: «أنا سأقدم (كازانوفا)، سهرة موسيقية كوميدية في قصر سان ماركو في فينيسيا، في يوليو (تموز) المقبل. وقد قدمت العام الماضي ماركو بولو في الصين، فأنا أحاول أن أجعل حياتي أكثر متعة». كان كاردان يتحدث في إشارة إلى عرض الباليه الذي يتناول اكتشافات ماركو بولو في القرون الوسطى، والذي قدمته فرقة باليه شنغهاي احتفالا بالسنة القمرية الجديدة.

يعد الكتاب، الذي يحتوي على كثير من الصور تناولت الأثاث الدائري والملابس الرياضية الرجالية، تاريخا للأعمال الكاملة لبيير كاردان. لكن ميراث الكاتب يتناول أيضا زياراته للصين ورؤيته الأولية لعملاق الموضة النائم الذي ساعده في إيقاظها. ونتيجة لذلك تسيد المناطق الأخرى وعرض مجموعاته أمام 200.000 مشاهد في الميدان الأحمر عام 1991 وفي فيتنام عام 1993. وكان هدفه على الدوام، حتى في أواخر الثمانينات، مخاطبة الجيل القادم.

ربما كانت أكثر الزوايا تشويقا في إرث بيير كاردان هو اتصاله بالعصر الحديث كما رآه مصمم لم يكن قد ولد عندما أنشأت المستقبلية الهندسية.

لويز غولدن، 30 عاما، المتخرجة في كلية سنترال سان مارتينز، وجدت صورة لثوب مزين بالجلد، خلال بحث لها أجرته للتحضير لمجموعتها لخريف عام 2010. وقالت: «إنها جميلة وتبدو متسقبلية، وتلك هي الطريقة التي أعمل وفقها. أنا أحب أن أتحدى ذاتي. هناك الكثير من عناصر الأبعاد الثلاثية، لكن هذا هو الوقت الذي نعيش فيه. لا تزال صوره تبدو، على نحو مدهش، وكأنها رسمت في العصر الحديث». فقد عرف عن بيير كاردان، 87 عاما، المصمم الفرنسي الجرأة والمستقبلية في تصميماته واستخدام الألوان البراقة.

ولد كاردان خارج فينيسيا، في إيطاليا، عام 1922 ونشأ في جنوب شرقي فرنسا، وخلال فترة شبابه أظهر رغبة في تصميم الموضة، فعمل كمتدرب في دار «فيتشي» في فرنسا لخياط محلي حيث نمى مهارته.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية درس الفن المعماري وعمل في باريس لداري «باكوين» و«كريستيان ديور». وفي دار «ديور» اشتهر بأنه عضو «فريق الثلاثة عشر»، وهو الفريق الذي عهد إليه بتطوير «الشكل الجديد» للدار بعد الحرب.

في عام 1950 أنشأ كاردان دار الأزياء الخاصة به، فأنشأ متجرا مستقلا في باريس، وكانت تصميماته الأولى مخصصة للملابس الرجالية. وبتوسيع مجال عمله ووضع بصمته الخاصة على عالم الموضة بدأ في تصميم مجموعات كاملة في عام 1957 اتسمت بالألوان البراقة والقصات الجريئة. وكان كاردان من أوائل المصممين الذين استلهموا أعمالهم من اليابان، التي سافر إليها عام 1959.

في بدايات الستينات، ساهم كاردان في إطلاق ما سمي «نظرة عصر الفضاء» بالمشاركة مع فينيل، حيث أخلت النظارات والقبعات في مجموعته، وكذلك السترات القصيرة والصارخة للنساء. واستلهم كاردان رسوماته من سترات رواد الفضاء.

خلال العقد ذاته عرض كاردان ملابس رجالية مستوحاة من النظرة الإدواردية، وأحدث ثورة كبيرة في تصميمات الملابس الرجالية في إنجلترا والولايات المتحدة، ولا يزال عاملا رئيسا في تصميمات الطليعة.

يعيش كاردان في باريس ولا يزال مصمما نشطا للملابس والأحذية والقبعات، كما تعمل «دار كاردان» أيضا في مجال العطور والنظارات الشمسية.

يمتلك كاردان القلعة التي امتلكها من قبل الماركيز دي سا في لاكوست بفرنسا. وقد اشترى أطلال القلعة قبل تسع سنوات ثم أقام فيما احتفالا موسيقيا صيفيا في القرية. منذ ذلك الحين واصل كاردان امتلاك المزيد من العقارات في لاكوست، وبحلول أغسطس (آب) 2009 بلغ مجموع ما يمتلكه هناك 42 مبنى. وقد أحدث وجوده نوعا من الجدل، وبدأ سكان القرية البالغ عددهم 450 الذين يصوتون لليسار في معاملة كاردان كممثل مكروه للرأسمالية.

يقول كاردان إنه لم يعد يطيق السكان المحليين الذين يعتقدون أنه يدمر المدينة. لكنه مع ذلك استثمر ما يقرب من 30 مليون دولار في لاكوست، ويعمل أكثر من 80 في المائة من السكان لديه في فصل الصيف.

* خدمة «نيويورك تايمز»