المصريون يحاربون غلاء اللحوم الحمراء.. بالمقاطعة

كبرى المحافظات تمتنع عنها من اليوم والمطاعم والمنشآت السياحية قريبا

قامت الحكومة بدعوة المواطنين إلى مقاطعة اللحوم، كوسيلة ضغط على التجار بعدما شهدت السوق ارتفاعا جنونيا غير مسبوق في أسعارها (أ.ب)
TT

دخلت اللحوم الحمراء على أجندة إضرابات المصريين وسط تزايد دعوات حكومية وأهلية لمقاطعتها، بعدما شهدت السوق ارتفاعا جنونيا غير مسبوق في أسعارها لتقفز خلال شهر إلى الضعف. وأعلنت محافظة الجيزة مقاطعة اللحوم بجميع أنواعها بدءا من اليوم (السبت) ولمدة شهر، كما أعلن مجلس إدارة غرفة المنشآت السياحية، أنه سيلزم جميع المطاعم والمنشآت السياحية المصرية بمقاطعة اللحوم يوم 26 أبريل (نيسان) الحالي. ومن بين تلك الدعوات، كانت دعوة الدكتور أمين أباظة وزير الزراعة المصري لمقاطعة اللحوم، كوسيلة ضغط على التجار، هي أكثر ما أربك هانم محمود صاحبة الخمسين عاما والتي لم تحظ بنصيب من التعليم، فحين علمت أن الحكومة (على لسان وزير الزراعة) دعت إلى مقاطعة «اللحمة» ارتسمت الدهشة على وجهها، غير مصدقة، قالت: «يعني إيه؟.. أمال مين اللي غلاها؟».

وقفزت أسعار اللحوم الحمراء خلال الشهر الماضي إلى ضعف أثمانها، فمن حدود الـ35 جنيها للكيلو، كسرت أسعارها، خلال الأيام الماضية، حاجز الـ60 جنيها، وهو الأمر الذي أثقل كاهل المصريين، وخاصة أن متوسط دخل الفرد لا يتجاوز الـ70 دولارا شهريا، وأن 52% من إجمالي الشعب المصري يعانون الفقر، وبحسب تقرير التنمية البشرية المصري، الذي صدر أوائل العام الماضي، فإن 19% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر.

كانت هانم مطمئنة لاعتقادها الراسخ أن الحكومة المصرية هي المسؤولة عن غلاء اللحوم الحمراء، وكانت تنتظر تدخلا رئاسيا، اعتاده المصريون حينما تتأزم الأمور، فتعود الأسعار إلى سابق عهدها، مرتفعة بغير جنون.

وعلى الرغم من أن أحدا من زبائن جزارة أبو إسلام (بحي الهرم، محافظة الجيزة) لم ينجح في إقناع هانم بأن دعوة الوزير حقيقية، وأنه يطالبها هي شخصيا بمقاطعة اللحوم لكي يضغط على أبو إسلام ومَن يقف خلفه من المستفيدين بزيادة الأسعار، فإن جانبا من اعتقادها كان صحيحا. فقد نقلت صحف محلية مصرية عن مصادر رسمية أن «الرئيس حسني مبارك طلب في اتصال هاتفي، من الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء تفسيرا لأسباب ارتفاع أسعار اللحوم في مصر. وبحسب الصحيفة جاء رد نظيف على الرئيس مبارك أن السبب في ارتفاع الأسعار يعود إلى تناقص أعداد الحيوانات المعدة للذبح في مصر.

وانتقلت الأزمة إلى أروقة البرلمان المصري، حيث شارك نواب مجلس الشعب، بعض المصريين وهانم، الاعتقاد بمسؤولية الحكومة عن الأزمة. فتقدم النائب المستقل إسماعيل ثروت بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء، ووزير التضامن الاجتماعي، حول «معاناة الشعب المصري في الفترة الأخيرة بسبب الازدياد المستمر في أسعار اللحوم»، وحمّل ثروت المسؤولية للحكومة باعتبارها «لا تملك خطة واضحة لمواجهة الأزمة، ولم تنجح في السيطرة على السوق وحماية المستهلك».

لكن بعض المراقبين يحمّلون المستهلكين أنفسهم مسؤولية ارتفاع الأسعار، وبحسب هؤلاء فإن السبب وراء استمرار الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم بخاصة (البتلو)، الذي تجاوز حاجز الـ60 جنيها، وقفز ليتجاوز الـ80 جنيها للكيلو في بعض الأحياء، هو عدم مشاركة المستهلكين في المقاطعة التي أعلنت عنها حركة «مصريون ضد الغلاء» بداية الشهر الماضي، ولمدة أسبوع، كان مقررا له أن ينتهي مع حلول اليوم العالمي للمستهلك في 15 مارس (آذار) ورفعت شعار «المصري اللي على حق يقول للحمة لأ». وقال محمود العسقلاني الناطق باسم حركة «مواطنون ضد الغلاء» إن «أزمة اللحوم، وارتفاع أسعارها بهذا الشكل غير المبرر جاء نتاج ممارسات احتكارية من قِبل مافيا استيراد اللحوم الذين يستندون إلى شخصيات نافذة في الدولة»، مشددا على ضرورة تفعيل مبدأ المقاطعة. تفسر مها عبد السلام، وهي موظفة حكومية (46 عاما)، أسباب فشل دعوات المقاطعة بعدم وجود بديل حقيقي، قالت: «طيب الناس تعمل إيه.. بيقولوا نجيب سمك طيب ما هي هي، أنا بأجيب 2 كيلو سمك يكفونا يوم واحد.. وأسعاره بتزيد هي كمان.. يعني وصل عندنا 14 جنيه لكيلو السمك البلطي العادي، ووصل سعر كيلو السمك البوري إلى 40 جنيه.. لكن اللحمة ممكن تتوزع على أيام الأسبوع.. كمان شوربتها (الحساء) ممكن أعمل عليها حاجة، ملوخية مثلا أو كشك». لكن بعض نشطاء المجتمع المدني يؤكدون نجاح دعوات المقاطعة، وفي محافظة الفيوم (80 كيلومترا جنوب القاهرة) قال محمد عبد الحكيم الناشط الحقوقي إن «الدعوة لمقاطعة اللحوم نجحت في تحقيق تأثر ملموس في الفيوم، ليس فقط على مستوى المدينة، لكن في المراكز والقرى أيضًا، حتى إن الجزارين اضطروا لاستخدام مكبرات الصوت في شوارع للإعلان عن أسعار اللحوم التي لم تتجاوز الـ45 جنيها للكيلو».

وتعيد أزمة اللحوم والدعوة إلى مقاطعتها إلى أذهان الكثيرين من المصريين واقعة مماثلة حدثت في نهاية السبعينيات عندما قاد الرئيس المصري الراحل أنور السادات ما سمي حينها بـ«مشروع البتلو»، حيث تم حظر ذبح العجول الصغيرة وأكل اللحوم الحمراء لمدة شهر، بعدما رفع المصريون شعار «سيد مرعي يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه»، وتقلد سيد مرعي منصب وزير الزراعة، ثم رئيسا لمجلس الشعب، ووصل وقتها سعر كيلو اللحوم إلى جنيه واحد، وهي الفكرة التي استلهمها مجموعة من النشطاء الافتراضيين على الموقع الاجتماعي «فيس بوك»، حيث تكونت مجموعة تحت اسم «هنقاطع اللحمة والجزارين زي ما السادات عمل لمدة شهر»، لكنها لم تكن المجموعة الوحيدة التي أنشأت لهذا الغرض فقد دشن نشطاء آخرون مجموعة «دعوة لمقاطعة شراء اللحوم.. كده كده حينسونا طعمها»، وكذلك مجموعة «حملة مقاطعة اللحمة في مصر».