من أجلهم.. ولكن من دونهم!!

مصطفى الآغا

TT

حتما، نشد على أيدي السياسيين اللبنانيين (المختلفين في كل شيء وعلى كل شيء) عندما استخدموا الرياضة وتحديدا الكرة لإيصال رسالة لشعبهم بكل أطيافه يوم 13 أبريل (نيسان)، وهو اليوم المشؤوم الذي انطلقت فيه الحرب الأهلية عام 1975 واستمرت حتى 1990، وحصدت حسب إحصاءات ليست مؤكدة 150 ألف قتيل و17 ألف مفقود وعشرات الآلاف من الجرحى، وسببت جروحا نفسية لم تندمل بعد ونتمنى من كل قلوبنا أن تندمل إلى غير رجعة..

رئيس الوزراء سعد الحريري لعب مع الفريق الأحمر وحمل الرقم 22 (ولم يحمل الرقم 10 وهو رقم المهاجمين عادة في كل أرجاء الدنيا)، وربما كان لاختياره الرقم 22 دلالة، لأن كل ما حدث في تلك المباراة تم تفسيره سياسيا في بلد يفسر حتى دبيب النملة إن اتجهت شرقا أو غربا.. وهو قاد الفريق الأحمر في مواجهة الفريق الأبيض الذي قاده النائب عن حزب الله علي عمار وخسر بهدفين نظيفين..

كلا الفريقين ضم وزراء ونوابا من كتل متعارضة على الساحة السياسية، ولعل أطرف ما في المباراة أن التفاهم كان واضحا جدا بين رئيس الوزراء ووزير الطاقة جبران باسيل من كتلة العماد ميشال عون المعارضة، وبالطبع كان لا بد من غمزة سياسية عندما قال باسيل «إننا نلعب دائما بمشاركة وليس وحدنا داخل الملعب وخارجه».. وبما أن نوابا من حزب الله شاركوا في المباراة، لهذا كان لا بد أيضا من إسقاطات سياسية، حتى ولو بطريق النكتة، فالنائب سامي الجميل الذي لعب للفريق الأحمر وتمكن من اختراق دفاعات الفريق الأبيض الذي يقوده النائب علي عمار من حزب الله قال بعد المباراة إن أهم رسالة حملتها هي أن «الاستراتيجية الدفاعية للاعب علي عمار عاطلة جدا»، في غمزة لطاولة الحوار التي جرت لاحقا وبحثت في هذه الاستراتيجية الدفاعية.. عمار رد بأن «الاستراتيجية الدفاعية موجهة ضد إسرائيل عدوة كل اللبنانيين، وبما أن الفريق الأحمر يقوده رئيس الوزراء لهذا فضلنا ألا تخرج الحكومة خاسرة». عمار كان قد سدد كرة طائشة وبعيدة، غمز البعض من قناتها قائلين إنها لما بعد بعد حيفا!

ورغم أن المباراة كانت على شوطين، وكل شوط ربع ساعة فقط، إلا أن لياقة بعض النواب والوزراء كانت «ميح»، وظهر واضحا أنهم يحرقون كل «فوسفورهم الكروي» من أجل إظهار ولو لمحة فنية واحدة، وهذا لم يمنع من تابعوا المباراة على شاشات التلفزيون من القول إنهم سعداء برؤية السياسيين يلعبون سويا بدلا من رؤيتهم يتقاتلون.. وطبعا هناك من قال إن فريقا يقوده الحريري لن يخسر، فيما قال الحريري عقب المباراة «إن الفريقين يشكلان أبناء الوطن، وعندما نكون فريقا واحدا فلن يقوى علينا أحد، ولن تعود الأيام السوداء»..

مباراة شغلت اللبنانيين بامتياز في يوم لا يحبون تذكره، وكانت أفضل وسيلة لحظر تجوال اختياري بعدما تسمر الجمهور على شاشات التلفزة في البيوت يتابعون هذه المباراة التاريخية..

نسيت أن أقول لكم إن المباراة جرت من أجل الشعب، لكن الشعب كان ممنوعا من حضورها وحضور أي مباراة رياضية بقرار سياسي أمني!!