شركات كبرى تقطع علاقاتها بإيران تحت الضغوط الأميركية

الحرس الثوري: جهود الولايات المتحدة مثيرة للسخرية

صورة وزعتها وكالة الأنباء الإيرانية لقائد الحرس الثوري محمد علي جعفري وهو يراقب تحركات للحرس بالقرب من مضيق هرمز (أ.ب)
TT

في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما بقوة من أجل استصدار عقوبات أممية ضد إيران، تزداد وتيرة حملة موازية تهدف إلى الضغط على شركات أميركية وأجنبية بصورة فردية من أجل دفعها لقطع علاقاتها التجارية مع إيران.

وأعلن عملاقا المحاسبة «برايس وترهاوس كوبرز» و«إرنست آند يونغ»، هذا الأسبوع، أنهما لم تعد لديهما أي علاقة مع شركات إيرانية، لتكونا آخر شركتين ضمن سلسلة من الشركات قررت قطع علاقاتها مع إيران. ويأتي ذلك بعد قرار ممثل اتخذته شركة «كيه بي إم جي» الشهر الحالي، وبذلك لم تعد لشركات المحاسبة الأربع الكبرى علاقات مع إيران وفقا لـ«نيويورك تايمز».

وخلال الأشهر الأخيرة، أعلنت شركات أخرى أنها سوف توقف عمليات البيع، أو أنها ستقلص أنشطتها التجارية أو تنهي علاقاتها مع الشركات الإيرانية، ومن بين هذه الشركات «جنرال إلكتريك» و«هونتسمان» و«سيمينز» و«كاتربيلر» و«إنغرسول راند». وقالت «دايملر» إنها سوف تبيع حصة أقلية في شركة إيرانية تصنع للمحركات. وقالت شركة إيطالية إنها سوف تنسحب بعد انتهاء عقود الغاز الحالية الخاصة بها. وقالت شركة النفط الحكومية الماليزية إنها سوف تنهي عملية شحن الجازولين إلى إيران، بعد إجراءات مشابهة اتخذتها شركة «رويال دوتش شل»، وعمالقة تجاريون مثل «فيتول» و«غلينكور» و«ترافيجورا».

ويختلف الأثر الذي تخلفه مثل هذه التحركات بناء على الشركة التي تقوم بذلك. وبعد ثلاثة عقود من العقوبات، لا يوجد لدى الشركات الأميركية سوى نشاط تجاري ضئيل نسبيا داخل إيران في المرحلة الحالية، فيما تجد شركات متعددة الجنسيات دوما وسائل تتغلب من خلالها على إجراءات تهدف إلى إنهاء العلاقات مع إيران. وقد أصبحت الصين شريكا نشطا على نحو متزايد.

ويقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن الإعلانات الأخيرة سوف تعزل إيران بدرجة أكبر، في الوقت الذي تستمر فيه في برنامجها النووي وتتحدى الضغوط الدولية.

وقال ستيوارت ليفي، وكيل وزارة الخزانة الذي ترأس المحاولات الأميركية من أجل إقناع الشركات بالتخلي عن علاقاتها الإيرانية لأول مرة تحت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش وحاليا في إدارة أوباما «لا تعد أي من هذه التصرفات مهمة في ذاتها، ولكن عند تحليل الاتجاه العام على ضوء العزلة السياسية المتزايدة لإيران، يكتسب ذلك أهمية كبيرة».

وقال مارك ولاس، السفير السابق في إدارة بوش ورئيس جماعة ناشطة تدعى «متحدون ضد إيران النووية»، إن الاتجاه المتنامي يمكن أن يقوض من حكومة طهران. وقال «يواجه النظام الحاكم في الوقت الحالي كارثة، فإذا قامت شركات أخرى بالانسحاب، فإنه لن يكون في استطاعتهم الوصول إلى الخدمات والسلع الدولية، ومن ثم يكونون في مشكلة حقيقية».

وقد مثلت الشركات الأجنبية مصدر دعم مهما لإيران خلال الأعوام الأخيرة. وفي الأعوام الخمسة الأخيرة، ساعدت 41 شركة أجنبية إيران على تطوير قطاع النفط والغاز، الذي يدر أكثر من نصف دخل حكومة طهران، حسبما ذكر مكتب المحاسبة العام الأسبوع الحالي.

لكن لم تكن أي من هذه الشركات أميركية، حسب ما أشار إليه تحليل خاص بصحيفة «نيويورك تايمز»، نشر الشهر الماضي، أظهر أن الحكومة الفيدرالية أعطت أكثر من 107 مليارات دولار في صورة مدفوعات ومنح وميزات أخرى على مدار العقد الماضي لشركات أميركية متعددة الجنسيات وأجنبية لديها أنشطة تجارية داخل إيران.

وبدأت حملة الضغط على الشركات للتخلي عن الأنشطة التجارية داخل إيران قبل أعوام قليلة ماضية إبان إدارة بوش، على الرغم من أن ثلاث جولات متتالية من العقوبات الأممية لم توقف إيران عن تخصيب اليورانيوم.

وركزت الحكومة الأميركية في البداية على الضغط على بنوك دولية ومؤسسات مالية، لكن تظهر الإعلانات الأخيرة أنها تتجاوز ذلك لتصل إلى شركات التصنيع والتأمين والخدمات.

ولا تأتي الضغوط من ليفي وفريقه، الذي يعرض على الشركات أدلة تظهر كيف أن شركات أخرى تصرفت بالمخالفة لقواعد العقوبات بسبب التحايل الإيراني. وتأتي الضغوط أيضا من الكونغرس، حيث مرر مجلس الشيوخ ومجلس النواب مشروعي قانون يضعان قيودا على قدرة الحكومة على إقامة علاقات تجارية مع شركات تسهم في تنمية موارد البترول الإيرانية. ويجب على المجلسين التوفيق بين المشروعين قبل إرسال مشروع قانون إلى أوباما.

وقد تأسست جماعة ولاس في عام 2008 على يد مجموعة من الديمقراطيين والجمهوريين البارزين، البعض منهم حاليا في إدارة أوباما، لتركيز الانتباه على البرنامج النووي الإيراني. وحاولت الجماعة الضغط على الشركات التي لها علاقات مع إيران عن طريق نشر قائمة بأسماء هذه الشركات على الموقع الإلكتروني للمجموعة.

ومن بين الشركات التي أدرجت في القائمة «كي بي إم جي» و«كاتربيلر» و«إنغرسول راند». وقد وصلت خطابات إلى جماعة ولاس خلال الأسبوع الحالي من شركتي «برايس وترهاوس كوبرز» و«إرنست آند يونغ» للتأكيد على أنهما أنهتا علاقاتهما مع الشركات الإيرانية. وكتبت شركة «برايس وترهاوس كوبرز» أن العضو الشرق أوسطي بشبكة الشركة العالمية كانت لديه «علاقات تعاونية» مع الشركة الإيرانية «أغان آند كومباني»، لكنها انتهت العام الماضي. وقالت «إرنست آند يونغ» إنها أنهت علاقاتها في عام 2001 مع شركة «تيدفين»، وهي إحدى أكبر شركات المحاسبة الإيرانية، ومع ذلك كانت «تيدفين» لا تزال على موقعها خلال العام الحالي.

ووصف ولاس ذلك بأنه إنجاز، لأنه بتجنب إيران علنا فإن شركات المحاسبة الأميركية التي تقوم بمراجعة الكثير من الشركات الأخرى ترسل إشارة مهمة. ويقول «لو قيل إن شيئا ما فيه مخاطر كبيرة بالنسبة لشركات المحاسبة الأربع الكبرى، فإن ذلك سيكون به مخاطر كبيرة بالنسبة للشركات الأخرى».

وفي طهران، وصف الحرس الثوري في إيران أمس الجهود التي تتزعمها الولايات المتحدة لفرض عقوبات عليه بأنها مثيرة للسخرية. وقال القائد البارز بالحرس الثوري يد الله جواني إن الحرس يمكنه أن يحل بسهولة محل شركات النفط الأجنبية مثل «شل» و«توتال» في مشروعات الطاقة المحلية.

ويقول محللون إن النفوذ السياسي والاقتصادي للحرس زاد فيما يبدو منذ أن تولى الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد السلطة في عام 2005. وأحمدي نجاد نفسه عضو سابق في الحرس الثوري.

وتضغط الولايات المتحدة من أجل أن تفرض الأمم المتحدة جولة رابعة من العقوبات على طهران بشأن رفضها وقف الأنشطة النووية الحساسة مثلما يطالب مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك إجراءات ضد أعضاء في الحرس الثوري وشركات يسيطر عليها.

وقال جواني لوكالة العمال الإيرانية للأنباء «إيلنا» إن فرض عقوبات على الحرس الثوري أمر يثير السخرية «لأنهم ومع كل الدعاية لا يمكنهم الوصول إلى هدفهم بفرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية». وأضاف «إذا كان الأعداء يعتقدون أنه من خلال فرض عقوبات على الحرس الثوري يمكنهم تحقيق أهدافهم فإنهم مخطئون».