لا ترعبوا «جلال» أكثر!

محمود تراوري

TT

حين غادر «خليل جلال» قريته في الباحة أواخر الثمانينات الميلادية، ليحط في المنطقة الشرقية معلما إثر تخرجه في الكلية المتوسطة لإعداد المعلمين، ربما لم يدر بخلده أنه بعد نحو عقدين من الزمان، سيكون حديث المدينة، بهذه الصورة المرعبة.

احتضنه في الشرقية الحكم الدولي السابق عمر المهنا، ودعمه، ليتقدم الصفوف في التحكيم، ولكن يبدو أنه لم يدعمه ليستقل بشخصيته.

تحركاته في الملعب، تصرفاته، انفعالاته، ردود أفعاله «سبحان الخالق» مماثلة تماما للمهنا. المباراة الأخيرة مثلت امتحانا قاسيا لجلال، وهو على مقربة من الذهاب إلى مونديال جنوب أفريقيا بعد أقل من شهرين.

خلال المباراة التي بدا واضحا فيها أن جلال في حالة نفسية ليست جيدة، استدعيت من الذاكرة الحكم الدولي الجنوب أفريقي دانيال بينيه الذي قاد المباراة الشهيرة بين مصر والجزائر في يونيو (حزيران) الماضي، تذكرت كيف كان يتمتع بهدوء أعصاب، وثقة عالية في تحركاته، وكيف قاد المباراة إلى بر الأمان داخل الملعب (دعك مما جرى على هامشها من لغط وتداعيات).

تذكرت أيضا الحكم البنيني كوفي كودجا الذي أدار مباراة الفريقين في نهائيات أمم أفريقيا في يناير (كانون الثاني) الماضي، تذكرت نطحة الحارس الجزائري فوزي شاوشي له عقب ضربة الجزاء، وعدم مبادرته بطرده.

وفي كل هذا تساءلت عن التأهيل الإدراكي والنفسي للحكم، ما هو حجم وجوده؟ وبشكل أوضح ما هي معايير وشروط اختيار الحكم لينخرط في هذا المجال؟ وما هي متطلبات وبرامج إعداده خلا الجانب القانوني؟

أعتقد أن هذا أمر مهم لا بد من توضيحه، حتى يمكننا معرفة الحكم الذي يستطيع خوض كل «المنازلات» الكروية بوضع نفسي واحد، مستقر وواثق وآمن.

فمشكلة جلال - في تقديري - لم تكن فنية في المقام الأول، قدر ما كانت نفسية بامتياز.

أترك هذه المسألة للتأمل، لأنتقل متسائلا عن أسباب عدم تقديم المدن الكبرى والعريقة في تاريخها الرياضي لحكام منذ أمد طويل، فبعد جيل العمالقة من عينة الموزان والدهام والشنار وغيرهم لم نعد - فيما أحسب - نتابع حكاما كبارا من العاصمة الرياض، وكذا جدة بعد الكيال ومثيب الجعيد، أو المدينة بعد الشريف والفودة، أما مكة فعهدها بالحكام بعيد جدا ربما يرجع للسبعينات الميلادية حين كان آخر الحكام المحترمين الذي أخرجتهم مكة الراحل إبراهيم كدوة (الحلبي) - رحمه الله.

لكن هذا لا يعني أن أولئك الحكام لم يكونوا يخطئون، أبدا فأي عمل بشري معرض للخطأ، لكن تبقى المسألة نسبية، وحتى يتقلص الخطأ البشري في تحكيم المنافسات الرياضية، ربما يكون الأمل في التطلع لما انتشر قبل فترة - من دون التأكد من حقيقته - حول ظهور جيل جديد من الكرات المستخدمة في لعبة كرة القدم تحمل اسم «CTRUS» سوف تعطي الحكام نظرة ثاقبة لمنعهم من اتخاذ قرارات مثيرة للجدل، كما تقول الشركة المصنعة لهذا النوع الجديد من الكور.