اليونان بين الغضب الشعبي والتلميح بالكارت الأحمر والطرد من منطقة اليورو

الاتحاد الأوروبي يمر بأعتى أزمة في تاريخه

TT

في حين يصارع العالم بقوة للخروج من النفق المظلم الذي أفرزته الأزمة المالية العالمية، وقعت اليونان في المحظور، وتغلبت مشكلات ديونها الهائلة على قوة وجودها في الاتحاد الأوروبي، هذا التجمع الذي كان قبل أشهر فقط، مثالا يحتذى بين التجمعات الإقليمية في العالم أجمع. أما وقد فعلت ديون اليونان فعلتها، فقد تراجعت قوة الاتحاد الأوروبي إلى حد لا يمكن تخيله، وها هي منطقة اليورو تمر بأعتى ريح تعاكس سفينتها، وتقترب بها من حد لم يكن أشد المتشائمين يذهب إليه، وإلا، كيف يمكن القبول بفكرة طرد اليونان من منطقة اليورو؟ لكن بعض الدول الأعضاء في منطقة اليورو، تدافع بقوة عن أموال دافعي الضرائب لديها، ولا تقبل بأن يتم دفع أموالهم لصالح دولة أخرى، وهي اليونان بالطبع.

«ديون اليونان» رمت اقتصاد الدولة الإغريقية في مهب الريح، ووضعته أمام حقيقة لا جدال فيها؛ هي أن كون أثينا عضوا في منطقة اليورو، فلا يعني هذا أن هناك من سيوافق على تلقي الصفعات بدلا منها، وهو ما طرح فكرة خروج اليونان من تجمع اليورو، إن هي لم تلتزم بالقيود الصارمة التي يريد فرضها الأوروبيون. ومن يدري كيف سيتغلب الاتحاد الأوروبي على أسوأ أزمة تواجهه منذ إطلاق العملة الأوروبية المشتركة قبل 10 سنوات. اكتفت فرنسا بالتلميح إلى إمكانية طرد اليونان من منطقة اليورو، بينما جاءت المطالبة بالطرد صريحة على لسان قيادات وفعاليات حزبية رفيعة المستوى في ألمانيا، ولكن كثيرا من المراقبين والخبراء يرون صعوبة قد تصل إلى درجة الاستحالة في طرد اليونان من منطقة اليورو بسبب أزمة العجز في موازنتها. واتفق الجميع على أن منطقة الوحدة النقدية والاقتصادية الأوروبية تتعرض إلى أعتى أزمة لها على الإطلاق، منذ طرح العملة الأوروبية الواحدة منذ عشر سنوات من الآن.

وقالت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد إن مساعدة اليونان في التغلب على مشاكل ديونها أمر ضروري لاستقرار منطقة اليورو لكن التكتل الأوروبي يحتاج لأن يكون أكثر حزما مع أعضائه إذا أراد منع الأزمات المستقبلية.. وتلقت الوزيرة لاغارد سؤالا حول ما إذا كان تقديم الدعم لليونان بدلا من التهديد بإخراجها من منطقة اليورو يعتبر من قبيل التساهل، فردت الوزيرة قائلة إنه يجمع بين «التساهل والتشدد الكبير. وأضافت: «نريد الاستقرار لكن ذلك لا يمنعنا من أن نكون حازمين وسنحتاج لمتابعة النتائج بعناية كبيرة». وتتعين موافقة البرلمان الفرنسي على خطة الإنقاذ، وقالت لاغارد إنها تأمل أن يتفق النواب الفرنسيون معها في رؤيتها من أن التضامن مع شريك يعاني من مشاكل لا يعني التساهل. وأضافت أن منطقة اليورو تحتاج لأن تكون أكثر صرامة في المستقبل للسيطرة على الأعضاء الأقل التزاما. وقالت الوزيرة: «اليونان لم تحترم التزاماتها ويتضح ذلك في ضوء بياناتها غير الصحيحة وسياساتها الاقتصادية غير الملائمة. وأضافت أن الإفراج عن أموال المساعدة سيتم تدريجيا وفق احتياجات اليونان لضمان سدادها. وقالت: «في حالة التأخر في السداد سنسارع بوضع القدم على الكوابح.

أما في ألمانيا أكبر قوة اقتصادية أوروبية، فقد قال هانس بيتر فريدريش عضو حزب المحافظين الحاكم في ألمانيا إن نظرية خروج اليونان من منطقة اليورو أصبحت ملحة وأضاف هانس بيتر وهو مسؤول كبير في الحزب الديمقراطي المسيحي بولاية بافاريا عن حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه يجب على اليونان أن تنظر بجدية في الخروج من منطقة اليورو, فاليونان غارقة في مديونية قياسية وقد طلبت من الاتحاد الأوروبي ومن صندوق النقد الدولي إقراضها مبلغ 45 مليار يورو وستكون ألمانيا هي المساهم الأساسي وستواصل فرض شروط من أجل الدفع.

من جهته، قال فيرنر لنغن زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني المحافظ والاتحاد الاجتماعي المسيحي في البرلمان الأوروبي: «أنا شخصيا أشك كثيرا حول ما إذا كانت هذه المساعدات تتماشى مع القانون الأوروبي والقانون الدستوري الألماني». وفي اعتقاد هذا الأخير فإن هذه المساعدات لن تجلب الحل الدائم للأزمة في اليونان وأن الحل الأمثل هم أن تغادر اليونان منطقة اليورو حتى تصبح قادرة على المنافسة عن طريق الإصلاحات القاسية وإعادة الهيكلة. وإن كانت إمكانية خروج اليونان من منطقة اليورو، من وجهة نظر البعض الآخر تبدو مستبعدة وغير واقعية إطلاقا سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد السياسي.

لكن متحدثا باسم المفوضية الأوروبية قال لـ«الشرق الأوسط» إن المفوضية ترفض فكرة استبعاد أي دولة أوروبية من منطقة اليورو في حال لم تلتزم بشروط عضويتها، وأشار إلى أن الجهاز التنفيذي الأوروبي سبق أن أشار إلى أن إقصاء أي من الدول الـ16 الأعضاء بمنطقة اليورو غير منصوص عنه في معاهدة لشبونة، وقال المتحدث: «نحن نستعين بالمواد الموجودة في المعاهدة من أجل تعزيز الاستقرار المالي في هذه المنطقة»، مؤكدا ضرورة الحفاظ على معاهدة لشبونة وعدم اللجوء إلى تغييرها، قائلا: «هذا أمر لا يمكن أن يتم بسرعة».

إلا أن السؤال لا يزال مطروحا عما إذا كان الاتحاد النقدي سيتخطى الأزمة، وثانيا كيف يمكن تجنب أن لا تتسبب الأزمة التي تعصف بميزانيات الدول الأوروبية بسنوات من التخفيضات الكبيرة في النفقات العامة، أي بسنوات من التقشف وانعدام الاستقرار الاجتماعي. وهذا يعتبر واحدا من التحديات الكبرى التي تواجه القادة والمؤسسات الأوروبية حسب ما ذكر انطونيو سيمناتوري من أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية في بروكسل. ويتعاطف بعض الخبراء والمحللين مع الوضع الصعب الذي تعيشه أثينا حاليا، ويقول الخبير والمحلل الاقتصادي في بروكسل مارك فردريك: «أيام حرجة تعيشها اليونان، احتجاجات وإضرابات تشل البلاد، في الوقت الذي يقترب فيه تفاوض حكومة باباندريو مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي من التوصل إلى إقراض أثينا خمسة وأربعين مليار دولار كمساعدة عاجلة لمواجهة أزمتها. إلا أن رياح أسواق المال تهب بما لا تشتهي مصالح البلاد».

ويقول جورج باباكونستانتينو وزير المالية اليوناني: «في التاسع عشر من مايو (أيار) يجب علينا أن نسدد مستحقات السندات بنحو تسعة ملايين يورو. إلى غاية ذلك الحين ضمنَّا احتياجاتنا الاقتراضية، غير أن ظروف السوق حاليا غير مناسبة للاقتراض». واليونان في حاجة عاجلة لهذه القروض حيث يتعين عليها سداد ديون السندات خلال الأسابيع المقبلة ثم تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي الأوروبية على مدى ثلاث سنوات. غير أن ألمانيا لا تريد منحها صكا على بياض.

وتقول أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية: «ألمانيا ستساعد اليونان إذا استجابت للشروط المطلوبة، ويتعين التفاوض بهدوء وبتكتم وعزم، لأن فرصة ضمان الاستقرار المستديم لليورو لن تتحقق إلا إذا كانت هذه الخطة قابلة للتنفيذ». وحكومة باباندريو الاشتراكية اتخذت الاثنين الماضي إجراءات أكثر تقشفا، والشارع اليوناني الغاضب إلى حد شل المواني والمرافق السياحية يصرخ بأن باباندريو سلم البلاد لصندوق النقد الدولي. وحول احتمال طرد اليونان من منطقة اليورو أم لا وسبل تجاوز تلك الأزمة وتداعياتها وخاصة في ظل مخاوف من انتقال الأزمة من اليونان لتشمل دولا أوروبية أخرى، يقول كثير من المراقبين إن القيادة الأوروبية الجماعية الجديدة التي استحدثتها اتفاقية لشبونة للوحدة الأوروبية تواجه مرحلة صعبة للغاية منذ بداية سريان الاتفاقية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكان الهدف من ورائها تمكين الاتحاد الأوروبي من أدوات أفضل للتأثير على شؤونه الداخلية وعلى عدد من الملفات الدولية. ويسود مناخ من التوتر الفعلي داخل المؤسسات الاتحادية في بروكسل وفي مقر المصرف المركزي في فرانكفورت، بسبب التداعيات الوخيمة المحدقة بمنطقة اليورو خلال الفترة الراهنة وتصعيد المضاربين في أسواق المال من ضغوطهم على أصحاب القرار الأوروبي لاختبار ردة أفعالهم تجاه متاعب اليونان المتنامية في مجال إدارة شؤونها المالية، وتجاه أفق انضمام دول مثل البرتغال وإسبانيا تحديدا للركب اليوناني المضطرب.

وتوجه الدوائر الأوروبية اتهامات مباشرة للمضاربين وبعض المصارف ووكالات الاقتراض وخاصة الأميركية بأنها تغذي الأزمة الحالية بحثا عن الكسب أولا ولإلحاق أكبر قدر من الضرر بمنطقة اليورو والعملة الأوروبية التي تراجعت بواقع خمسة في المائة خلال شهرين فقط. ولكن الاتحاد الأوروبي وعلى الصعيد الرسمي يتجنب توجيه أي تهم مباشرة لجهات خارجية محددة رغم انتقاداته للمضاربين ويعمل حاليا على لمّ صفوفه لمواجهة العاصفة والحد من تداعياتها على المدى المتوسط والبعيد. ويرى المراقبون أن المضاربين وأسوق المال وخصوم اليورو والمشككين في طروحات الاندماج الأوروبية يريدون التأكيد عمليا على أن الأسس التي قامت عليها منطقة اليورو منذ عشر سنوات وتضم حاليا 16 دولة هي أسس هشة ولا تصمد أمام أزمة هيكلية مثل التي تعصف باليونان وتهدد دولا أخرى حاليا. ولكن مناهضي هذا التوجه يدعون حاليا إلى أن تتحول الإدارة الاقتصادية لليورو إلى إدارة تشمل حفز النمو، أي إقامة حكومة اقتصادية أوروبية لا تأبه بضوابط الاندماج النقدي وصلابة اليورو بقدر ما تركز على التوفيق بين عملية النمو الاقتصادي وحفز سوق العمل واكتساح الأسواق الخارجية. وتستوجب هذه الاستراتيجية مزيدا من الليونة في السوق الداخلية الأوروبية ووضع حد للمنافسة بين المؤسسات الأوروبية وتوحيد الإجراءات الضريبية وطرح مشاريع استثمارية مشتركة على مستوى منطقة اليورو أي تخلي الدول الأعضاء عن مجالات محددة من سيادتها الوطنية وخاصة بشأن الشق الخاص بالحماية الاجتماعية والتعامل مع سوق العمل، وترفض ألمانيا لدوافع تتعلق بحماية مكانتها كدولة رائدة في مجال حماية اليورو هذا الطرح. وأكثر ما يسبب القلق للمسؤولين الأوروبيين في بروكسل هو الحالة المالية والاقتصادية في الدول التي تراكمت ديونها بشكل هائل في الماضي وأصبحت موازناتها تعاني من عجز شديد لأنها اعتمدت على مدى عدة سنوات على الديون في سد عجز في الموازنة وذلك بسبب انخفاض الفائدة على الديون.