الشركات الهندية تتجاوب مع ضغوط أميركية لوقف استثماراتها في إيران

أكبر شركة نفط هندية تنتظر موافقة للدخول باستثمارات تقدر بـ12 مليار دولار

رئيس الاتصالات السعودية اثناء مداخلته في مؤتمر سامينا («الشرق الاوسط»)
TT

مع استعداد الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد إيران، تراجع عدة شركات هندية تضطلع بنشاطات تجارية بقطاع الطاقة الإيراني أو تساعد طهران على إنتاج أو استيراد منتجات بترولية مكررة مثل الغازولين، أستثماراتها في إيران ، بالتنسيق مع حكومة نيودلهي.

في الوقت الراهن تشن واشنطن في هدوء حملة ضد الاقتصاد الإيراني، ترمي إلى حرمانه من رأس المال من خلال ممارسة ضغوط على شركات النفط والمؤسسات المالية العالمية للانسحاب من إيران وإلا ستعاقب بوقف نشاطاتها التجارية داخل الولايات المتحدة.

ومن بين الشركات الهندية المشار إليها في هذا الصدد «شركة النفط الهندية» و«شركة النفط الهندية المحدودة» و«شركة النفط والغاز الطبيعي» و«أو إن جي سي فيديش المحدودة» و«بترونيت إل إن جي» و«مجموعة هندوجا»، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها.

من ناحية أخرى، أشارت مصادر من داخل الحكومة الهندية إلى أن قائمة الشركات الهندية المتعاونة مع إيران تولى مكتب المساءلة التابع للحكومة الأميركية جمعها عبر مصادر المعلومات المفتوحة، علاوة على إرسال المكتب استبيانا إلى جميع الشركات المعنية. وأشارت المصادر إلى أنه لم تُجِب أي شركة هندية بعدُ على الاستبيان المرسل إليها.

جدير بالذكر أنه عام 2009 وافق غالبية أعضاء الكونغرس على قانون العقوبات على المنتجات البترولية المكررة لإيران، الذي ينص على عقوبات ضد الشركات التي تستثمر في قطاع التكرير الإيراني أو تبيع منتجات بترولية مكررة لطهران أو توفر خدمات دعم للاستثمار أو أعمال البناء أو التجارة في هذا القطاع.

الملاحظ أن «شركة النفط الهندية» و«شركة النفط الهندية المحدودة» و«شركة النفط والغاز الطبيعي» و«أو إن جي سي فيديش المحدودة» تشارك جميعها في تنمية حقل «فارزاد - بي» للغاز الطبيعي في إيران بإجمالي استثمارات تبلغ 5 مليارات دولار، بينما تملك «مجموعة هندوجا» حصة في مشروع «ساوث بارز - 12» الإيراني، تقدر قيمتها بـ7.9 مليار دولار، و20% من أسهم منشأة للغاز الطبيعي المسال بقيمة 4.5 مليار دولار، مقابل استيراد ستة ملايين طن - على الأقل - من الغاز الطبيعي المسال سنويا من إيران.

في تلك الأثناء كشفت مصادر أن أكبر شركة نفطية هندية، «إنديان أويل»، طلبت تصريحا من الحكومة للمشاركة في مشروعات نفطية إيرانية بقيمة 12.5 مليار دولار.

من جهته قال بي إم بينسيل، مدير «إنديان أويل» الإداري، إن «هذا المشروع مهم بالنسبة لنا لأننا ننوي الحصول على الغاز الطبيعي من إيران من أجل مشروع (إنفر ترمينال) الخاص بنا». يذكر أن الشركة تخطط لبناء منشأة للغاز الطبيعي المسال بقدرة اسمية سنوية تبلغ 2.5 مليون طن، بالقرب من مدينة تشيناي.

الملاحظ أن «إنديان أويل» و«شركة النفط الهندية» تتنافسان على استيراد الغاز الطبيعي المسال من إيران. وفي خطاب له موجه إلى وزارة النفط الهندية، قال سارتاك بهوريا، رئيس «إنديان أويل»، إن «(شركة النفط الهندية) تسعى لإيجاد سبل لاستيراد غاز طبيعي مسال من إيران، وعليه دخلت في محادثات مع مسؤولين إيرانيين». وطبقا لما ذكره مسؤول بارز في «شركة النفط والغاز الطبيعي»، فإنه جرى توقيع عقدين يشيران إلى اتفاق عام مع مسؤولين إيرانيين في 2 ديسمبر (كانون الأول) 2009.

العام الماضي، وفي محاولة لليّ ذراع شركة «إنديان ريليانس إندستريز ليمتيد»، التي تملك أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم، بعث مشرعون أميركيون بخطاب إلى رئيس «إكسبورت - إمبورت بانك» الأميركي يحثونه خلاله على تجميد المساعدات المالية الموجهة إلى الشركة الهندية إلا إذا وافقت على وقف بيع الغازولين لطهران. كان المصرف الأميركي قد وافق على ضمانات لقرضين لصالح الشركة بقيمة 900 مليون دولار، بينها 400 مليون دولار أصدرها المصرف في أغسطس (آب) للمساعدة في تمويل منشأة تكرير جامناغار في ولاية غوجارات الهندية.

تشير أقاويل إلى أن «إنديان ريليانس إندستريز ليمتيد» عمدت إلى تقليص نشاطاتها مع طهران وتنويع نشاطاتها بمجال تكرير النفط بدرجة أكبر.

يذكر أنه رغم كونها واحدة من كبرى الدول المنتجة للنفط في العالم، تستورد إيران على الأقل ثلث احتياجاتها من الوقود بسبب افتقارها إلى القوة التكريرية.

من جانبها أعلنت «إنديان ريليانس إندستريز ليمتيد» أنها توقفت عن إمداد طهران بالنفط منذ منتصف عام 2008.

من ناحية أخرى أثار السفير الإيراني لدى الهند ضجة كبيرة الشهر الماضي عندما أعلن أن بلاده ستستمر في استيراد الغازولين من منشأة تكرير نفط هندية خاصة. وخلقت تصريحات السفير سيد مهدي نبيزاده دائرة غير مريحة من الضوء حول العلاقات الهندية - الإيرانية في وقت تتطلع واشنطن إلى تصعيد عقوباتها الاقتصادية ضد طهران بسبب برنامجها النووي.

وقد سارعت «إنديان ريليانس إندستريز ليمتيد» لنفي تصريحات السفير.

وبالمثل، ففي عام 2007 ابتعدت شركة «إيسار» الهندية عن مشروع للصلب في إيران بعدما هددت شركة «مينيسوتا» بالانسحاب من دعم صغير كانت تحصل عليه الشركة لشراء مصنع في الولايات المتحدة.

وفي عام 2006 تم وقف شركتين هنديتين، وهما «Balaji Amines» و«Prachi Poly Products»، عن العمل مع الحكومة الأميركية كجزء من العقوبات.

وفي الأسابيع الأخيرة قللت دول وشركات وارداتها من خام البترول الإيراني، وتشمل هذه الدول بعضا من الشركاء التجاريين الأكثر أهمية بالنسبة لإيران، وهم الصين واليابان والهند.

وفي عام 2005 وقعت إيران والهند اتفاقية للغاز الطبيعي المسال قيمتها 40 مليار دولار ومدتها 25 عاما، وتعد الهند، إلى جانب الصين، أحد المساهمين (30%) في شركة مشتركة لتطوير أكبر حقول النفط في إيران، وهو حقل يادافاران. كما توصلت كل من إيران والهند إلى اتفاق لتطوير مدينة جابهار وإنشاء طريق سريع يربط بين هذه المدينة الساحلية وأفغانستان وآسيا الوسطى، كجزء لا يتجزأ من المشروع الطموح المعروف باسم «ممر شمال - جنوب».

واقترحت وزارة النفط الإيرانية اشتراك الهند لأنها رابع أكبر مستهلك للطاقة الإيرانية، فيما تتوقع الهند، التي تستورد أكثر من ثلثي احتياجاتها من النفط، أن يزداد هذا الرقم بنحو 90 في المائة بحلول عام 2030، عقب وثيقة برلمانية عام 1997 بعنوان «آفاق الهيدروكربون 2025». لذا ليس أمام نيودلهي أية بدائل، بغض النظر علن الآثار الجانبية المتعلقة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، سوى مواصلة التعاون الشامل في مجال الطاقة مع إيران.

ولم تورد الهند الغازولين لإيران منذ شهر مايو (أيار) من عام 2009، حسبما ذكر وزير الدولة للبترول والغاز الطبيعي، جيتين براسادا، أمام البرلمان الهندي في الفترة الأخيرة. وردا على سؤال بشأن اعتراضات الولايات المتحدة التي تدعي أن الغازولين الذي تورده شركة «Reliance Industries Ltd» من مصفاة جامنجار إلى إيران يتم استخدامه في برنامج الأسلحة النووية، قال الوزير: «لِم تثير الحكومة الأميركية هذه القضية مع الحكومة الهندية؟».

تعد العلاقات التجارية بين الهند وإيران غامضة، وتعد الحكومة الهندية الحالية التي يقودها حزب المؤتمر حليفا قويا للولايات المتحدة، لكنها أيضا لديها علاقات مع إيران في أوقات تحدت فيها الجهود الأميركية الرامية إلى عزل إيران. وتعد إيران ثاني أكبر مورد للنفط الخام للهند.

وعلى الرغم من أن الهند لم تعترض حتى الآن على الطريقة التي استهدفت بها سياسات واشنطن شركاتها، فإن الصمت قد لا يكون خيارا في مواجهة محاولات معاقبة الشركات العملاقة في القطاع العام للاستثمار في إيران أو بيع المنتجات النفطية المكررة لها.

ومع ذلك قال وزير البترول الهندي إن حكومة بلاده أوصلت إلى الحكومة الأميركية أن العقوبات على إيران أدت إلى نتائج عكسية، وأن جميع الخلافات مع إيران ينبغي أن تُحل سلميا من خلال الحوار والمفاوضات.

وعلى الرغم من أن تقرير مكتب المساءلة التابع للحكومة الأميركية لا يمرر أية آراء بشأن أي شركة، فإنه يشير إلى الأحكام السابقة لقانون العقوبات على إيران وليبيا، الذي سمح للولايات المتحدة بمعاقبة الشركات من الدول التي تستثمر أكثر من 20 مليون دولار في قطاع الهيدروكربون الإيراني.

وبعيدا عن إعطاء الهند فرصة للمشاركة في تطوير حقول الغاز ومنشآت إسالة الغاز في إيران، فإن طهران تسعى أيضا إلى جذب الاستثمارات لتطوير بنيتها التحتية. وفي المقابل تعرض إيران توفير الغاز الطبيعي المسال على المدى الطويل.

ويشير مجتمع الأعمال الهندي إلى المشكلات المتعددة في إيران، بما في ذلك عدم وجود نظام مصرفي سليم، بسبب العقوبات القائمة وهيكل الضرائب المعقد في هذا البلد. بيد أن المحللين يقولون إن الصناعة الهندية تحتاج إلى أن يكون لها حضور في إيران نظرا للعلاقات التاريخية والسياسية بين البلدين.