القاضي جمعة.. من خلية حزب الله إلى قضية سوزان تميم

أصدر أحكاما رادعة في الأولى ويستعد للفصل في الثانية

TT

دقائق قليلة أمس.. فصلت بين صدور حكم المستشار عادل عبد السلام جمعة في قضية خلية حزب الله الخطيرة، وبين قيامه بنظر قضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم التي شغلت الرأي العام المصري والعربي.. خلال تلك الدقائق خلا القاضي جمعة إلى نفسه، وبلل ريقه بكوب من العصير في استراحة المحكمة بضاحية التجمع الخامس (شرق القاهرة).. بعدها نفض عن كاهله غبار قضية خلية حزب الله الشرسة، التي ظل على مدى 6 أشهر و15 جلسة ينقب في حيثياتها ومظانها المتشعبة قانونيا وسياسيا وأمنيا، ثم أصدر أحكامه الرادعة أمس بالسجن المؤبد والمشدد على 26 متهما فيها. الشعور براحة الضمير والوفاء بالأمانة والمسؤولية، وتطبيق القانون، ركائز أساسية يضعها المستشار جمعة في إحدى كفتي ميزان القضاء، وفي الكفة الأخرى يتأمل المتهمين والجناة، وما يجلبونه من أدلة وأسانيد وادعاءات، تختلط فيها أحيانا الحدود بين الوهم والحقيقة، بين الحق والباطل، بين الصدق والكذب.. لكنه بخبرة القاضي الحصيف، وبصيرة الحقاني العراف، يعرف كيف يفض هذا الاختلاط، كيف يقتنص الحقيقة، ويجلو عنها الغبار لتصبح ناصعة كالشمس، حينئذ لا يتورع في أن يصدر أحكامه القاطعة الرادعة والشرسة في أحيان كثيرة. ما إن تنقضي دقائق المحارب العنيد الساقطة من غربال الزمن، وأضابير القضايا المتراكمة فوق ظهره، حتى يعاود المشهد للمرة الثانية فيما ترتدي المحكمة نفسها مسوح «أمن دولة عليا طوارئ». وكعادته يعاود المستشار جمعة قدح ذهنه ووجدانه، متخذا مجلسه في وقار وهيبة على منصة القضاء، وسط طوفان من عيون تتأمل سكناته وإيماءاته، غصت بهم القاعة نفسها من رجال الأمن والإعلام والصحافة، وهو يتابع وقائع المداولة في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم هذه التركة القضائية الثقيلة التي جاءته من محكمة النقض، ولا تزال أصداؤها تهز الرأي العام، وعليه أن يعاود فتح دفاترها من جديد، بعد أن كاد يسدل الستار عليها بصدور الحكم بالإعدام على المتهمين فيها.

يستعرض المستشار جمعة بسرعة شريط ذاكرته القضائية، موقنا أنه لا فرق في المسافة بين حراسة الوطن والدفاع عن أمنه ومستقبله ضد مخططات جماعات عدائية، والمسافة بين تحقيق العدالة، في قضية جنائية كان الدافع وراءها شخصيا، بل إن المسافتين - مهما تباينت الظروف والشخوص - تتقاطعان في نقطة واحدة تقع على عتبة الحق والعدالة.

وبدافع من يقين الحق تساءل المستشار جمعة في بيانه تعقيبا على حكمه الرادع في قضية خلية حزب الله اللبناني.. وكأنه يعيد إلى الأذهان بديهيات منطق الأمور قائلا: «هل يشمل هذا الدعم رصد وتحديد الأفواج السياحية المترددة على مناطق جنوب سيناء، وهل يشمل دعم المقاومة الفلسطينية أيضا استئجار بعض العقارات المطلة على المجرى الملاحي لقناة السويس لاستغلالها لرصد السفن العابرة بالقناة، وهل دعم المقاومة الفلسطينية يكون من خلال تصنيع عبوات متفجرة والاحتفاظ بها في مسكن المتهم سالم عايد حمدان بمحافظة شمال سيناء؟».

ورث المستشار جمعة عن والده القيادي البارز الراحل في جهاز مباحث أمن الدولة الصبر وهدوء الأعصاب، بل تعلم منه كيف ينام أحيانا مفتوح العينين، ربما تومض الحقيقة عن نفسها في شكل خاطرة شاردة أو حلم عابر.. وحين يذكر هذا الأب الماهر الذي أراد أن يريح جسده من كد العمل في غفوة سريعة فوق مكتبه، فاستراح منه إلى الأبد وفارق الحياة.. تطل هذه الذكرى أمام عينيه وهو يتأمل مشاهد القضايا الشرسة التي خاضها من فوق منصة القضاء، وفصل فيها بأحكام تاريخية لا تنسى، لا تزال أصداؤها تلاحق المتهمين فيها، ربما تصفو سرائرهم، ويعيدون قراءة الحقيقة على نحو أكثر صدقا وواقعية.