نزلاء سابقون بسجن مطار المثنى السري: عذبونا حتى فقدنا الوعي.. وهتكوا أعراضنا

«هيومان رايتس ووتش»: التعذيب كان منظما ووحشيا.. وقضاة كانوا متواطئين

جندي عراقي يغلق باب سجن تديره السلطات العراقية في بغداد (أ.ب)
TT

في تقرير أصدرته أول من أمس، أشارت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى أن تعذيب السجناء العراقيين داخل أحد السجون السرية ببغداد اتسم بطابع منظم ووحشي أكبر بكثير مما ذكرت تقارير بهذا الشأن في بداية الأمر.

وكان الكشف عن وجود السجن، الذي ينتمي غالبية سجنائه إلى العرب السنة، قد أثار ضجة سياسية في العراق، مما دفع الحكومة إلى نفي وجوده وأشعل توترات طائفية.

وفي هذا السياق، أعرب الشيخ عبد الله حميدي عجيل الياور، أحد أكثر الزعامات القبلية السنية نفوذا في محافظة نينوى في شمال البلاد، عن اعتقاده أن «سجن أبو غريب كان أشبه بنزهة» مقارنة بالسجن السري الذي أزيح النقاب عنه مؤخرا. يذكر أن نينوى شهدت حملات اعتقال على يد جنود عراقيين بناء على الاشتباه في وجود صلات بين المحتجزين وحركة التمرد، ولاحقا جرى نقل المحتجزين إلى بغداد من دون خوضهم عملية قانونية ملائمة. أما «أبو غريب» فهو السجن الذي شهد أعمال تعذيب بحق مسجونين عراقيين على يد حراس أميركيين، الأمر الذي قوض الجزء الأكبر من ثقة العراقيين في الولايات المتحدة.

وكانت «هيومان رايتس ووتش» قد تمكنت الاثنين من الاتصال بقرابة 300 من الرجال المسجونين نقلوا من سجن سري في مطار المثنى القديم العسكري إلى سجن الرصافة في بغداد، ووثقت نتائجها التي وصفت بأنها «موثوق بها ومتناغمة»، وذلك في مسودة تقرير قدمت إلى «نيويورك تايمز»، أول من أمس من قبل المنظمة الحقوقية.

وأشارت المنظمة إلى إجرائها مقابلات مع 42 محتجزا كشفوا عن ندبات وجروح حديثة في أجسامهم، وقال الكثيرون منهم إنهم تعرضوا للاغتصاب وهتك أعراضهم باستخدام عصي طويلة وماسورات مسدسات، أو أجبروا على أفعال جنسية مع بعضهم البعض أو مع سجانهم.

وذكروا جميعا أنهم تعرضوا للتعذيب من خلال التعليق على نحو مقلوب، ثم جلدهم بالسياط وضربهم بالأرجل قبل تعريضهم للخنق باستخدام أكياس بلاستيكية. وأضافوا أن من كانوا يفقدون الوعي كان الحراس يعيدونهم إلى الوعي عبر توجيه صدمات كهربية لأعضائهم التناسلية وأجزاء أخرى من الجسم.

من جهته، قال جو ستورك، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط داخل «هيومان رايتس ووتش»: «يوحي الرعب الذي عايناه بأن التعذيب كان القاعدة داخل المثنى»، داعيا الحكومة العراقية لإجراء تحقيق كامل ومحاكمة جميع «المسؤولين عن هذه الوحشية المنظمة».

ويأتي اكتشاف وجود هذا السجن في توقيت حساس بالنسبة لنوري كمال المالكي، رئيس الوزراء، الذي يعمل بجد للاحتفاظ بالسلطة بعد خسارة ائتلافه بفارق ضئيل في الانتخابات الوطنية التي عقدت في 7 مارس (آذار).

ومن الممكن أن يثير الكشف عن السجن مزيدا من حالة الاستقطاب في صفوف العراقيين الذين لا تزال تحمل أذهانهم الذكريات المؤلمة للصراع الطائفي الذي اشتعل بين عامي 2005 و2007. الملاحظ أن جميع المحتجزين في السجن السري سالف الذكر قبل إغلاقه جرى نقلهم إلى بغداد من مناطق عربية سنية في نينوى، حيث يجري النظر على نطاق واسع إلى المالكي، الشيعي، باعتباره قائدا طائفيا يحمل كراهية شخصية ورغبة في الانتقام من كل من له صلة بحكومة صدام حسين السابقة التي تزعمها السنة.

من جهته، حذر الشيخ عبد الله حميدي عجيل الياور، الزعيم القبلي (من نينوى)، من أن الكشف عن أعمال تعذيب ربما يؤجج المشاعر الطائفية ويدفع البلاد إلى هوة جديدة من أعمال العنف. وأضاف أن هذا الأمر «يولد التطرف».

بدوره، وخلال مقابلة أجريت معه مساء الاثنين من قبل محطة «العراقية» التلفزيونية المملوكة للدولة، نفى المالكي ادعاءات التعذيب، وقلل من أهمية الأمر وعمد إلى النأي بنفسه عنه. ووصف ادعاءات التعذيب بأنها «أكاذيب» و«حملة تشويه» نظمتها سفارات أجنبية ووسائل إعلام ويعمد خصومه السياسيون إلى تأجيجها. وقال «ليست هناك أي سجون سرية في العراق مطلقا».

ووصف المالكي السجن القائم في مطار المثنى بأنه موقع ترانزيت يخضع لسيطرة وزارة الدفاع التي تستغله «فترة زمنية معينة». وأضاف أن سبعة قضاة عملوا داخل السجن، وأن معظم السجناء الـ430 تقريبا الموجودين هناك نقلوا إلى سجن الرصافة. أما الباقي، فأطلق سراحهم قبل الكشف عن وجود السجن للمرة الأولى الأسبوع الماضي. وأصر المالكي على أن مجموعة من المشرعين المنتمين إلى تكتلات سياسية منافسة زارت السجن هذا العام ووجهت السجناء لإثارة اتهامات كاذبة وخلق ندبات في أجسامهم من خلال «حك أجزاء من أجسامهم بأعواد ثقاب».

ورغم ذلك، استطرد المالكي بأنه أصدر أوامره بإجراء تحقيق في الأمر، مشيرا إلى أن الكثير من ضباط السجن يجري التحقيق معهم حاليا. وأضاف أن «أميركا هي رمز الديمقراطية. ومع ذلك، وقعت انتهاكات سجن أبو غريب. وقد اتخذت حيالها الحكومة الأميركية إجراءات صارمة، ونحن نفعل المثل. إذن، ما هي المشكلة، وعلام كل هذه الضجة؟».

وبدت تعليقات المالكي متعارضة مع المعلومات الصادرة عن وزير بحكومته ومسؤولين بالسفارة الأميركية في بغداد وأحدث نتائج «هيومان رايتس ووتش».

وكانت وجدان سالم، وزيرة شؤون حقوق الإنسان، أعلنت خلال مقابلة الأسبوع الماضي أنها أصرت على زيارة السجن السري بعد علمها بوجوده، وأنها عثرت هناك على أدلة تفيد بوقوع انتهاكات «ضد حقوق الإنسان والقانون». علاوة على ذلك، كان السجن تحت سيطرة قيادة عمليات بغداد، وهي قوة أمنية مسؤولة أمام المالكي مباشرة.

في الوقت الذي ضم فيه السجن السري قضاة تحقيقات، يبدو أنهم كانوا متواطئين مع أعمال التعذيب، حسبما أشارت «هيومان رايتس ووتش». وقد أخبر سجناء المنظمة بأن أحد القضاة «كان يستمع إلى القضايا في غرفة بالقرب من إحدى غرف التعذيب». وقال أحد المحتجزين، وهو جنرال سابق بالجيش العراقي، قعيد ويتحرك باستعانة كرسي متحرك ويحمل الجنسية البريطانية، إنه تعرض للتعذيب من جانب 10 أشخاص: 6 من الجنود و4 من أعضاء فريق التحقيق». وأضاف «لقد وجهوا كهرباء لأعضائي التناسلية وانتهكوا عرضي بعصا. وأجبرت على التوقيع على اعتراف لم أقرأه».

وقال محتجز آخر (21 عاما) ألقي القبض عليه من داخل منزله بالموصل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إنه أثناء إحدى جلسات التعذيب تعرض لوضع عصابة على عينيه وقيدت يداه وجرد من كامل ملابسه، ثم تعرض للاغتصاب من جانب سجين آخر مع تعالي ضحكات حراس السجن على صرخاته.

وقال سجين ثالث، ألقي القبض عليه في ديسمبر (كانون الأول) أيضا، إنه تعرض للتعليق بالمقلوب وضرب مبرح لدرجة أن بعض ضلوعه تحطمت، وعانى من ارتجاج في المخ. وتسبب الضرب الذي تعرض له في «تبوله الدماء لأيام». وأضاف أن اثنين من الحراس هدداه بالاغتصاب إلا إذا وافق على ممارسة الجنس مع سجين آخر.

وأشارت «هيومان رايتس ووتش» إلى أن «مسؤولين أمنيين ضربوا سجناء بأسلاك ثقيلة وعمدوا إلى اقتلاع أظافر أيديهم وأرجلهم وحرقوا أجسادهم بأحماض وسجائر وهشموا أسنانهم».

* خدمة: «نيويورك تايمز»